الغرب في ليبيا: مصالحنا نرويها بدمائكم
ملفات متنوعة
يبدو أن هناك مصالح مختلفة تقف وراء التدخل الغربي في ليبيا، وما قصة
حماية المدنيين إلاّ ستارة يتخفى الغرب وراءها ليستر أغراضه الأخرى من
وراء هذا التدخل، ولا يخفى على كل متابع للشأن الليبي أن أهم هذه
المصالح هو النفط الليبي.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يبدو أن هناك مصالح مختلفة تقف وراء التدخل الغربي في ليبيا، وما قصة
حماية المدنيين إلاّ ستارة يتخفى الغرب وراءها ليستر أغراضه الأخرى من
وراء هذا التدخل، ولا يخفى على كل متابع للشأن الليبي أن أهم هذه
المصالح هو النفط الليبي.
وبحسب كثير من الخبراء فإن أهمية النفط الليبي لا تكمن في كميته بل في
جودته؛ لأنه من النوع الخفيف، علمًا بأن ليبيا تقوم بإنتاج (2) مليون
برميل يوميًا من النفط، وتعتزم زيادة إنتاجها إلى ثلاثة ملايين برميل
يوميًا في السنوات المقبلة، وقد حققت الشركات النفطية خلال العام
الماضي (24) اكتشافاً نفطياً جديداً، وهو ما يعزز أهمية ليبيا بالنسبة
للغرب.
وتعتمد كثير من الدول الغربية على حصة كبيرة من احتياجاتها النفطية
على ليبيا، وتحتل إيطاليا المركز الأول في قائمة زبائن ليبيا؛ إذ
تشتري منها يوميًا (523) ألف برميل، ثم ألمانيا (210) آلاف برميل، ثم
فرنسا (137) ألف برميل، ثم إسبانيا (104) آلاف برميل.
مسرحية التدخل لإسقاط نظام القذافي بدأت - بعد ما تم تسريبه من
معلومات لعدد من وسائل الإعلام بمعرفة مصادر دبلوماسية غربية -
باستباق الولايات المتحدة الأمريكية صدور قرار الحرب على ليبيا، ومن
ثم عقدت مشاورات مكثفة مع كل من فرنسا وبريطانيا لكسب تأييدهما في
مجلس الأمن لصالح إصدار القرار الأُممي الخاص بليبيا، وتعهدت في
المقابل بمنح هاتين الدولتين امتيازات خاصة بتخصيص عقود نفطية مغرية،
وبأسعار تفضيلية، لصالح هذه الدول بعد الإطاحة بنظام القذافي.
وقد أبدت بعض الدول تخوّفات وتحفّظات في بداية الأمر، إلاّ أنها لم
تستطع في النهاية مقاومة الإغراء الأمريكي، وهناك بعض الدول امتنعت عن
التصويت على هذا القرار مثل روسيا والصين، العضوين الدائمين في مجلس
الأمن، وكذلك ألمانيا والهند والبرازيل، والعجيب أن القذافي المحاصر
والمغضوب عليه وعد هذه الدول (الممتنعة) بأنها سوف تحظى بمكانة خاصة،
وستكون لها علاقات اقتصادية متميزة مع ليبيا بعد أن تستقر
الأوضاع.
إلاّ أن نظرة أخرى على فريق "الممانعة" تثبت لنا أنه لا يسعى إلاّ إلى
مصالح وفقط، فألمانيا التي رفضت المشاركة في هذه اللعبة كان لها
اعتبارات أخرى أهمها: أن (88%) من الشعب الألماني يعارض التدخل
العسكري في ليبيا، كما أن (8.5%) من النفط الألماني يأتي من
الجماهيرية، كما ترى ألمانيا أن معمر القذافي نجح في احتواء التطرف
الإسلامي، وأما الذين سيخلفونه فما من أحد يعرف مواقفهم أو نواياهم،
أما روسيا فهي حريصة على صفقات الأسلحة، والصين لا تريد أن تفقد
أعمالها الجارية في ليبيا، أما الهند فقد أرادت حصّة في توفير معدات
الحظر الجوي.
أما فريق "محور الحرب"، فيبدو أن لدى كل منهم - كأفراد - أهدافه
وحساباته الخاصة، ويرى الكاتب والمحلل الروسي (ساتانوفسكي) أن الرئيس
الأمريكي باراك أوباما، على سبيل المثال، أراد على ما يبدو أن يثبت
للجميع أنه قائد حازم جدًا للعالم الحر، لكنه في المحصلة، برهن أنْ لا
فرق بينه كحائز على جائزة نوبل للسلام، وبين بوش العدواني
الأشر.
والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يبدو أنه يسعى إلى كسب نقاط إضافية
تزيد من رصيده لدى الناخبين، خاصة وأنه مقدم على انتخابات رئاسية،
وبالتوازي مع ذلك، يريد التخلص من التهمة التي تتحدث عن تلقيه مبلغ
(50) مليون دولار من القذافي لتمويل حملته الانتخابية في الانتخابات
الرئاسية الماضية.
أما رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، فربما يجد في العمليات
العسكرية وسيلة تنسي الجميع فضائحه الأخلاقية مع الفتيات القاصرات،
وآخرهن المغربية روبي.
بل إن هناك من يرى أن بيرلوسكوني وساركوزي لا يرغبان في تسديد
ديونِهما المستحقة للقذافي، فقرّرا التسلحَ بالحِكمة الأمريكية
القائلة: إن أفضل طريقة للتخلص من الديْن، تتمثل في قتل الدائن!
وعلى مستوى الدول فقد كان الغرب يحتفظ بعلاقات وثيقة مع النظام
الليبي، ويشير معهد (ستراتفور) للدراسات الاستخباراتية - والذي يبدو
أنه لم يقتنع هو الآخر بموضوع حماية المدنيين في ليبيا - إلى أنه لا
يختلف اثنان على أن المصالح الأوروبية مع معمر القذافي على صعيد
الطاقة ومبيعات السلاح كانت -بلغة الأرقام- دليلاً قاطعًا للعلاقة
الجدية بين الطرفين، حيث باعت الدول الأوروبية وخلال الفترة ما بين
2004 و2011 لنظام القذافي أسلحة بقيمة مليار و(56) مليون دولار، ويذهب
التقرير ليؤكد أن إيطاليا وفرنسا كانتا أكثر الدول الأوروبية استفادة
من العلاقات التجارية مع ليبيا، آخرها الصفقة التي تم الاتفاق عليها
العام الماضي بين باريس وطرابلس لبيع الأخيرة (14) طائرة مقاتلة من
طراز ميراج.
أما روما فقد كانت تتفاوض مع طرابلس بصفقات عسكرية تصل قيمتها إلى
مليار دولار عندما انطلقت احتجاجات 17 فبراير/شباط الماضي، في حين لم
تسلَم بريطانيا نفسها من الانتقادات التي اتهمتها بالموافقة على إطلاق
سراح المتهم الليبي بتفجير طائرة لوكربي عبد الباسط المقرحي مقابل
حصول شركة النفط البريطانية (بي بي) على تسهيلات خاصة في القطاع
النفطي الليبي.
ويضيف التقرير أن مثل هذه العقود كان من المفترض أن توفر الدعم الغربي
للقذافي لا العكس، لكنه يتابع مشيرًا إلى أن الغرب - وبعد ما جرى في
تونس ومصر- بات مقتنعًا بأن ما يجري في العالم العربي ثورات حقيقية
وبالتالي من الأفضل اللحاق بالقطار قبل فوات الأوان لتأمين المصالح
الأوروبية في إطار التغييرات الجديدة.
أما الميزان الذي يزن به الغرب مصالحه فهو يختلف من دولة إلى أخرى
حسبما يحتاجه الغرب من هذه الدولة، وأعجبني تعليق الدكتور (أليكسي
فاسيليف) - مدير معهد إفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية الذي
استضافه برنامج (حديث اليوم) على قناة روسيا اليوم - عندما قال: "يجب
الإشارة الى أن كل دولة عربية لها ميزتها الخاصة، وتختلف الدول
العربية كل عن الأخرى، بل ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أيضًا المصالح
التي تهدف إليها الدول الأخرى ومن بينها الدول الغربية؛ فالاهتمام
الذي توليه الدول الغربية إلى ليبيا سببه يتلخص في وجود كميات ضخمة من
النفط هناك، أما في اليمن - حيث لا توجد كميات كبيرة من النفط هناك -
فنلاحظ أن الرئيس اليمني عندما أطلق النيران على المتظاهرين
المسالمين، لم يثر ذلك ردود فعل الغرب. يجب علينا أن نأخذ ذلك بعين
الاعتبار، وللأسف هذه هي وقائع زمننا - كما يقول.
إذًا فالغرب يرفع شعار مصالحنا فوق مصالحكم، وإذا اقتضى الأمر
فسنرويها بدمائكم، ويبدو أن أنظمتنا العربية ترفع هي الأخرى شعار
"غالٍ.. والطلب رخيص"، وصدق الشاعر:
مَنْ يهُنْ يسهلِ الهوانُ عليه ما لجُرحٍ بميّتٍ إيـلامُ
الجمعة 27 ربيع الثاني 1432 الموافق 01 إبريل 2011 م