حقيقة شهادة أن محمد رسول الله
إننا نردد كل يوم عبارة عظيم جليلة, تحمل في طياتها معنى كبيراً يحدد سعادة الدنيا ونعيم الآخرة. هذه العبارة هي قولنا: "أشهد أن محمد رسول الله"، فهل يا ترى نفقه هذه العبارة؟! وإذا كنا نفقهها, فهل نطبقها في حياتنا كلها؟
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من
شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ
لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ
لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله، {
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
} [آل عمران: 102]، {
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
} [النساء: 1]، {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
} [الأحزاب: 70-71].
أما بعدُ، فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ ص
وشرُّ الأمورِ مـُحدثاتُها, وكل محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة,
وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعدُ أيها المسلمون.. فإننا نردد كل يوم عبارة عظيم جليلة, تحمل
في طياتها معنى كبيراً يحدد سعادة الدنيا ونعيم الآخرة.
هذه العبارة هي قولنا: "أشهد أن محمد رسول الله"، فهل يا ترى نفقه
هذه العبارة؟! وإذا كنا نفقهها, فهل نطبقها في حياتنا كلها؟
إن نكبات المسلمين ومصائبهم اليوم, وما هم فيه من ذلٍ, وتخلف,
وتناحر, وما يعانونه من مشاكل اجتماعية وأسرية, وما يعانونه من مشاكلَ
سياسية مع حكامهم, أو مشاكل عالية مع الكفار, راجعٌ كله إلى الخلل
الكبير في فهم الإسلام, وإبعاده وإقصاءه عن الحياة. وأكبرُ مثالٍ لما
نقول تلك النظرة القاصرة, والإدراك المحدود لشهادة أن محمد رسول الله,
والتي أصبحت في حياة الكثيرين, مجرد عبارة جوفاء, لا وزن لها ولا
قيمة, وانظر إن شئت في بلاء المسلمين اليوم, تجد التصرفات المتخبطة,
والمناهج المضطربة, تمارس على نطاق جماعي وفردي.
تخبطاتٍ اجتماعيةٍ وتربويةٍ و إدارية و تنظيمية, وانحرافات سلوكية
وفكرية, {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا
أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ
لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ
} [النور: 40].
أيها المسلمون: لقد تحدثنا فيما مضى، عن معنى لا إله إلا الله ، كلمة
الإخلاص والتوحيد, وبينا ما تحمله من المعاني الغزيرة, والدلالات
العظيمة, والتي تقضي بإثبات العبودية لله وحده, ونفيها عمن سواه, وأن
الخضوع والانقياد إنا يكون لـه دون غيره, وأنه سبحانه المتفرد
بالحاكمية والتشريع, والتحليل والتحريم, وأن الأمر أمره, والشرع شرعه,
والحكم حكمه, وأن من نازعه سبحانه في شيء من ذلك مفتراً بسلطانه, و
جبروته, أو بإمهال الله لـه, فهو طاغية مجرم متوعد بالخزي والنكال, في
الدنيا الآخرة.
فإذا كان الأمر كذلك, وكانت هذا كلها مقتضيات لا إله إلا الله, فمن
أين لنا أن نعرف المنهج الذي يريد ربنا أن نتبعه ونمضي عليه, في
أمورنا كلها, بدءًا من إماطة الأذى عن الطريق, وانتهاءً بأحكام الدولة
والسياسة؟
ليس من سبيل إلى ذلك إلا عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم,
والذي جاء بتفاصيل ذلك كله, من عند العليم الخبير: {
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا
وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 ،
4].
إذاً فشهادة أن محمداً رسول الله هي التفسير العلمي، لكلمة الإخلاص
والتوحيد.
ومعنى الكلمتين مجتمعتين: هو أنك يا أخي المسلم تقول: أقرّ واعترف
وأشهد أنني لا أعبد ولا أخضع ولا أطيع شرعاً غير شرع الله, ولا أحكام
في حياتي كلها صغيرها وكبيرها إلا حكم الله وأمره، كما أنني أرفض
التحاكم إلى أي محكمة في الدنيا, إلا محكمةً تحكم بشرع الله, فأن
مؤمنٌ بالله وحده، كافرٌ بكل الطواغيت. كما أنك يا أخي المسلم تخاطب
ربك فتقول: بأنني يا إلهي أقر وأعترف, وأشهد أن محمد عبدك الذي أرسلته
إلينا, بحمل كتابك الكريم والسنة المطهرة المصدران الصادقان, حيث يوجد
البرنامج العملي التفصيلي للحياة التي يحبها الله ويرضاها.
إنك يا أخي المسلم: حيث نطقت بالشهادتين, أقررت على نفسك بكل هذا,
وألزمت نفسك بتطبيقه وتنفيذه, فما رأيك بمن ينقص هذه الشهادة، وتجاهل
هذا الإقرار؟ وينكر هذا الاعتراف بأقواله وتصرفاته المخالفة لشرع
الله؟
لا شك أنه بقدر مخالفته لأمر ربه, يكون نقضه لهذه الشهادة
وجوهره.
إن شهادة أن محمداً رسول الله تعني: أن يرجع المسلمون في كل نشاطاتهم
في الحياة إلى كتاب الله وسنه رسوله عليه الصلاة والسلام، يرجعون
إليها في الاقتصاد والاجتماع, والتربية ونحوها تماماً, كما يرجعون
إليها في الصلاة والصوم والحج. وقد يدهش أقوامٌ لهذا الكلام, لكننا لا
نعجب لهذا كثيراً, فالمسلم الذي حرم الثقافة الصحيحة في دينه, وتلقى
شبهات الكفار, وأحقادهم على هذا الدين, حريٌّ بأن يُدهش من هذا الكلام
ويستغفر به, فما دخل الدين في السياسة؟ وماد خله في الاقتصاد؟! وماد
خله في الإدارة والتنظيم؟! أتقحمون الدين في كل شيء؟!
هذه العقلية مخطئة, مخطئة في فهم الإسلام, تلقّته من غير مصادره
الصافية, وهذا الوضع يستدعي وقفة صادقة من العلماء, وجهداً متواصلاً
من الدعاة, يشرحون للناس من خلاله الإسلام، بشكله الصحيح الشامل
نشاطات الحياة كلها, لقد أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم وصلة عظيمةً
في المدينة, كانت تحكم بالإسلام, وبعده نشأت الدولة الإسلامية الكبرى,
في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم, وكان نظامها السياسي،
والاقتصادي, والإداري ونظمها جميعاً كانت تستمد من الكتاب والسنة,
وعلى هذا مضت دول الخلافة الإسلامية لعلاج بعض المخالفات كانت لا
تمسَّ جوهر الشريعة إلى حد كبير, ثم أخذ الالتزام بشريعة الله يضعف
شيئاً فشيئاً, حتى انطفأت آخر ذبالة بزوال الخلافة الإسلامية
العثمانية, ولقد استطاع شرع الله الذي بلغَّه محمدٌ صلى الله عليه
وسلم, أن يحكم تلك الدولة الإسلامية العظيمة، تلك الدولة التي حكمت
يوماً ما، ثلاثة أرباع العالم المعروف.
كان كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة السلام مصدر سياستها
واقتصادها، وإداراتها وشأنها كلهِّ, واستعرض في المسلم نصوص الوحيين
الشريفين, تجد الأمر بإقامة الحدود كرجم الزاني, وقتل القاتل, وقطع
السارق ونحوها, فمن ينفذ هذه الحدود؟! أليست هي الدولة الإسلامية!
أبَعد هذا يتساءل أقوامٌ ما دخل الدين في السياسية؟!
ألم يحرمِّ الرسول صلى الله عليه وسلم الربا؟ ويلعن آكله ومؤكله
وشاهديه, ويحرم الاحتكار ويمنع أتسعه، ويتوعد صاحب الكي، أبعد هذا
يتساءل أقوامٌ ما دخل الدين في الاقتصاد؟! ألم يبعث رسول صلى الله
عليه وسلم معاذاً إلى اليمين قاضياً, ومعلماً, ويرسل القراء إلى
الأمصار، ويعلمون الناس دينهم ويقرون القرآن؟ أبعد هذا يتساءل أقوامٌ
ما دخل الدين في التربية والتعليم؟! تلك كانت بحريات الأمور, في صدر
الأمة الإسلامية, أما في بلاد المسلمين اليوم، فقد ترددت الحال, فلقد
ابتعد رجل الشريعة، أو أُبعد عن الحياة. فالذي ينظم السياسة
والاقتصاد، والإدارة والقضاء, هو رجل القانون الذي يعتمد على نظم
الكفار, وقوانينهم, وهو أساس دراسته وتفضليها, ولا يعلم من علم
الشريعة إلا النذر القليل, ولهذا انفلتتْ سائر نشاطات الحياة في بلاد
المسلمين, فكأنماِّ حزت من السماء فتخطفها الطير, أو تهوي بها الريح
في مكان سحيق, إذاً أين هي شهادة محمداً رسول الله؟ أين هي أيها
المسلمون؟! دعونا من خطاب الأمم والشعوب, إننا نخاطب الأفراد في
سلوكهم الشخصي, في بيوتهم ومع إخوانهم المسلمين, هل نستلهم شريعة الله
التي نشهد أن محمد عليه الصلاة والسلام أمر بإقامة الصلاة مع جماعة
المسلمين في المساجد, وكن يحرق المتخلفين بيوتهم في النار؟!
فما بال مساجدنا تشكو جفاء قطيعة جيرانها، وهجرهم لها؟ ألم يأمر محمد
عليه السلام بتربية الأبناء وأخذهم للمساجد؟ وتعليمهم القرآن,
وتأديبهم بآداب الإسلام؟ فما بال أبناء المسلمين يسيحون في الأزقة,
والشوارع وقت الصلوات, ويملؤن الدنيا ضجيجاً عقب المباريات, ولاهمَّ
لهم إلا الفن, والكرة الرياضية؟!
ألم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة المسلمة أن تقر في
بيتها, وتصون عفتها, وتحفظ كرامتها؟! فما بال نساء المسلمين يذرعن
الأسواق جيئة وذهاباً؟! ويملئن الدكانين غدواً وعشياً وحين
يظهرون؟!
أيها المسلمون: إن مقياس الصدق والإخلاص في شهادة أن محمداً رسول
الله هو اتباعه علية السلام في جزئيات الشريعة وكلياتها, في منهجه في
الحكم والإدارة، والسياسة والاقتصاد, والتربية والتعليم، والبيت
والأسرة، والشارع والسوق، وفي العبادة والطاعة والمعا لمة والأخلاق, {
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا
} [النساء:65]، {
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}
[الحشر: 7]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا
قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ
ضَلالا مُّبِينًا} [الأحزاب:
36].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم،
واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يُعطي ويمنع, ويخفضُ ويرفع, ويضرُ وينفع, ألا إلى اللهِ
تصيرُ الأمور.
وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة, والنعمةِ المُسداة, وعلى آلهِ
وأصحابه والتابعين.
أما بعد أيها المسلمون : فقد اتضح الآن كم نحن بعيدون عن المفهوم
الحقيقي لشهادة أن محمداً رسول الله, سواء في حياتنا الشخصية, أو في
أوضاعنا العامة, وقد يتساءل المخلصون المؤمنون, ما هو طريق العودة بعد
هذا التيه؟ هل من سبيل إلى العودة إلى الله؟
السبيل أيها المؤمنون يبدأ منكم أنتم, إذا رجع الفرد إلى ربه استقامت
أحواله, فإن رجع الآخرون استقامت أحوال المجتمع, لو رجع كل إنسان
منَّا إلى نفسه في خلوة معها, ثم ناقشها الحساب بصراحة, واستعرض
أعماله كلها, وعرضها على كتاب الله وسنه رسوله عليه الصلاة السلام, أو
يسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم, فإن وجد غير ذلك فليرجع وليتب قبل
فوات الأوان, قبل أن يتخطف من بين أهله وأولاده, ويقدم على ربه وحيداً
فريداً, لا حول له ولا قوة.
وأنتم تقرءون كل يومٍ, وتسمعون عمن أصبحوا أثراً بعد عين, وغادروا
الدنيا وهم في أوج شبابهم, وغاية قوتهم, فما بكت عليهم السماء والأرض,
وما كانوا منظرين, وأنتم تقرءون كل يوم وتسمعون عن الكوارث المدمرة,
والفيضانات المهلكة, يذكِّرُ الله بها عباده عظيم قدرته, وشدة بطشه,
وقوة سلطته، لعلهم يستفيضون من رقدتهم, وينتبهون من غفلتهم.
إنها آياتٌ ونذور, ودروس وعبر, لكن لسان حال المعرضين {
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ
مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا
. أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ
تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً . أَوْ يَكُونَ لَكَ
بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ
لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ
سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً
} [الإسراء: 90-93].
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً،
وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى
وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً
مضلة.
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين,لا ضاليَن ولا
مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين, ألا
وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ
المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ,
يا عزيزُ يا غفور, سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
- التصنيف: