ألا فتعرضوا لها (3)
أحمد صقر
القرآن.. أول مَنْزِل لقوافل العائدين ومن أرادوا مَقْرُبة وأجرًا عظيمًا، به تُطَهّر قلوبهم من أدرِان جاهليتهم، رَأَوا فيه سعادة لم يجدوا لها مثلاً، وعلموا أنه مَاحِل مُصَدَق فصاحبوه ذِكراً وعملاً، أظمأهم في الهَوَاجِر، وتَجَافَت له جُنُوبهم عن المضاجع مُنحَنِيَة أصلابَهم على آياته، وأعينهم أنْضَاء عبادة أطْلاح سَهر، تَدَثروا به في الشدائد فكان عنهم الدافع المانع، ولاذُوا به في السَرَّاء فكان جَنّة الدنيا التي من لم يدخلها لن يجد لِجَنّة الأخرة ريحاً.
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
صاحِبٌ ليس له في المُنَادَمة عِضُّ ولا نِدُّ، مَنْ مَنَّ الله عليه بصحبته فقد أُغدق عليه من الإنعام والإرفاد، وآوى إلى حِصن حَصين ومَلاذ أمين، صديق صدوق، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، آخِذٌ بزِمَام الأنفس من مستنقعات الآثام ودَنَاءة الهِمَم إلى سُمُو النفس بصدق العبودية وبلوغ القِمَم، فكم من قومٍ به رُفِعوا وكم وُضع به آخرين، من أحسن صحبته هُدِىَ سواء السبيل وارتقى في درجات المُقَام الأمين بوقَارٍ حتى يبلُغ درجة صُحبَته، وحِيزَت له الدُنيا وهي راغمه وأقبلت عليه مُفَتَّحة الأبواب.
القُرآن.. كلام رب العالمين لاريب فيه هُدى لمن ابتغى، مُنَزَّه عن الخَلْط والخَطَل، الآية الكبرى، مُعجِز في مُضَاهَاته، كنز لا يَنفد خيره ولا تنقضي عجائبه، أعظم القُربات، وأجَّل العبادات، حفظ الله به الشريعة والدِيْن، مِدَادُه نُورٌ تنمحي به الظلمات، منقوش على جدران قلوب الأولياء، حَفِظَته صدورهم وكانوا بحَملِه أهلُ فأخلصهم الله له ووَصَلَهم به فكانوا أهلُ الله وخاصّته، أودع الله فيه علم كل شيء، به تسير الحياة والكون، وبه خبر الأسلاف والقوم، أحرفه فَصْل ليس به هَزْل، ذِكْر الله الحكيم والصراط المستقيم، حُجَّة الله على العباد، وشفيع الأصحاب يوم التَنَاد، يَعلو ولا يُعلَىَ عليه، مَعِين لا يَنْضَب، لا يبْشَم منه العُلماء ولا يَفتُر عن ذِكره الأتقياء، قوله صِدق وحُكمه عَدل ومَن عَمِل به أُجِرَ بعشرة أمثال والله يُضاعف لمن يشاء.
القرآن.. أول مَنْزِل لقوافل العائدين ومن أرادوا مَقْرُبة وأجرًا عظيمًا، به تُطَهّر قلوبهم من أدرِان جاهليتهم، رَأَوا فيه سعادة لم يجدوا لها مثلاً، وعلموا أنه مَاحِل مُصَدَق فصاحبوه ذِكراً وعملاً، أظمأهم في الهَوَاجِر، وتَجَافَت له جُنُوبهم عن المضاجع مُنحَنِيَة أصلابَهم على آياته، وأعينهم أنْضَاء عبادة أطْلاح سَهر، تَدَثروا به في الشدائد فكان عنهم الدافع المانع، ولاذُوا به في السَرَّاء فكان جَنّة الدنيا التي من لم يدخلها لن يجد لِجَنّة الأخرة ريحاً.
{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].. هَجَرُوه لِحَمَاقة عقولهم وضَحَالة أفهامهم وغفلتهم، ولو فَقِهوا ما خَلَت من ذكره مجالسهم وما فَترت عنه ألسنتهم رَجاء حُبور وتجارة لن تَبُور، ومخافة أن يُصمِيهم رَانُ القلوب وصَدَأها، أم على قلوب أقفالها؟!
كَدِيَار خَلَت من عُمَّارها، حَلَّقت غَرَابِيْب سُوُد فوقها مُنذِرة بِجَدب قَاحِل، وخراب يضرب وَتَدَ فُسطاطه حَاَلٌّ غير راحل، فلا سكينة نزلت حالئذٍ ولا رحمة غَشِيَت، وتَنَحّت عنهم الملائكة، وأعظم نَكْبَة أن لا ذِكْر لهم عند ربهم ولا وزن.
فلله دَرُ كل أَوَاه، تَلَّاء للقرآن، أتْرُجَّة في قومه! فَأمَّا الذين سُعِدُوا فَبِآى الله قد لَاذُوا، تَسمع لهم صوتاً كَدَوِىّ النَحْل إن صَدَحُوا وأمَّا الذين شَقَوا بالهَجْر قد عُرِفُوا، نَأَوا بِجَانبهم عن الذِكر إعراضًا.
خُلْدٌ وافرة الظُلَل تزيّنَت بالحُلَل؛ قُرآننا نُور يٌهْدَى به الحَيْرَى وتَسكُن به النفس من كل ما أَرِقَت، لحاملي القُرآن من بعد ما فازوا.