هل الدجال كافر ولماذا ؟

منذ 2017-05-11

هل تظنني هازلا أو متشاءما أو سوداويا ؟ كلا بل أنا خائف على أمتي وعلى أجيال قادمة سوف يتم تجريف كل ثوابتها

كنت أستغرب وأنا صغير كيف يكون الدجال بهذا الشكل القبيح ، والعين العوراء المنكرة ، ومكتوب بين عينيه كافر - يقرأها كل مؤمن سواء كان يحسن القراءة والكتابة أم لا - ثم مع ذلك كله يفتن به من يفتن ، ويؤمن به خلق كثيرون !

فالدجال بنص الحديث - وإجماع الأمة القطعي - كافر ، لدعواه الإلهية ، ثم إن كفره لا يحتاج لفتوى أو كثير تأمل ، فقد شاء الله أن يكتب هذا الحكم بكتابة محسوسة ملموسة مقروءة بين عينيه .

لكن في الآونة الأخيرة ومع التجريف والتشكيك في الثوابت والقطعيات لم أعد أستغرب شيئا ، بل صرت أتخيل - وإن كنت لا أقطع- بشيء مما سيكون قبل مجيئه ، وصارت الصورة القادمة مخيفة ، حيث يتوقع أن يحدث ما يلي :-

1- مع مرور الوقت ستفقد ألفاظ مثل ( كافر ، وكفر ، ومشرك ، وأشرك ) معناها ودلالتها ، وستفرغ من كل قيمة عقدية ، وسوف تحذف من المناهج والكتب ، وتمنع على المنابر وفي المساجد ، كما سيجرم من يستعملها ، ويحاكم من يطلقها على أي أحد ، كائنا من كان .

2- وبعد أن كانت كتب العقيدة ينص فيها على " أننا لا نكفر مسلما ما لم يجحد معلوما من الضرورة " سوف تتحول الصياغة إلى شيء جديد ومطاط هو " لا نكفر أي إنسان قط مهما كان دينه أو معتقده " بمعنى أن أي إنسان مهما كانت عقيدته أو دينه فسوف نقبل منه ذلك ، ولا يصح إزدراؤه أو الإنكار عليه ، وإلا وقعنا تحت طائلة القانون .

3 - إن الدجال كما ورد في صحيح مسلم يهودي ، يعني أصله من أهل الكتاب ، وقد استقر الأمر تماما على أن أهل الكتاب مؤمنون ، ولن يجرؤ أحد قط وقتها أن يقول بكفرهم بعد أن جرى ما جرى لكل من قال بذلك .

4 - وتحت شعار حرية الاعتقاد ، ونسبية الحقائق ، والبحث عن المشترك الإنساني ، وتمدد الحداثة وما بعدها ، وسيلان معاني المصطلحات ، وتفكيك معانيها ، وخلوها من أي ثابت أو قطعي ، ستدخل هذه اللفظة - أي كافر - إلى متحف التاريخ ، ولن يكون لها أدنى وجود لا في المعاجم ولا في الكتب ولا في الاستخدام اليومي .

5- لا يوجد سبب قطعي لكفر الدجال ، فلا أحد شق عن قلبه ليجزم بكفره ، وهو لم يصرح بجحوده وإنكاره لوجود الله ، كما أن ادعاءه بأنه الله يمكن أن يحمل على المجاز والتأويل ، وباب اللغة واسع لا قعر له ، واللفظة إذا احتملت تسعة وتسعة بابا للكفر وبابا واحدا لضده فلا يصح أن نتسرع بالحكم عليه .

6- أحاديث البخاري ومسلم التي ورد فيها التحذير من الدجال سيتم إطلاق حملات تشكيك واسعة فيها وفي السنة عموما ، وسيخرج من يوصفون بالباحثين التنويرين لتحذير الناس من تصديق تلك الكتب المليئة بالخرافة ، وما لا يمكن تصديقه ، وستخرج نسخ جديدة منقحة من تلك الكتب تشتمل فقط على أحاديث الأخلاق والتسامح وقيم العمل والإتقان وحب الأوطان .

7- أما خطب الجمعة فقد صارت خطبا موحدة منذ سنين طويلة تتكلم فقط عن أهمية النظافة ، والصبر على الغلاء من أجل الوطن ، وحب الزعماء ، والتضحية من أجلهم ، ولن يرد للدجال ذكر قط في أي مسجد أو في أي خطبة جمعة ، ومن سيذكره سيفصل فورا لمخالفته للخطبة الموحدة .

8- التكفير لن يكون إلا بحكم قضائي ، وقد صدرت قوانين بتجريم إطلاق هذا اللفظ على أي شخص كائنا من كان ، فضلا عن أنه لن يوجد وقتها من يستطيع أن يرفع دعوى ضد الدجال شخصيا ومع كل هذا النفوذ ، والمال والسلطة ، والانتشار في كل بقاع العالم ، إنه أقوى من أمريكا وروسيا والصين ، ولا يمكن لأحد أن أن يواجهه وإلا قتل ، وهل تتصور وجود قاض يمكن أن يحكم عليه بالكفر .

9- أما المؤسسات الدينية على اختلاف أنواعها فقد استقر الأمر على أنها ليست منوطة مطلقا بالحكم بالكفر على أي أحد من الناس ، وهذا الأمر متروك لعلاقة الإنسان بربه ، فضلا عن أن باب الكفر والتكفير تم حذفه نهائيا من جميع المناهج الدينية ، وفصل كل من يثبت عليه استخدامه أو ترديده .

10- سوف تشكل محكمة دولية على غرار المحكمة الجنائية الدولية تتعقب كل من يصفون الدجال بالكفر ، وسوف يحاكمون بتهمة التشهير والإساءة للمعتقدات الدينية ، فضلا عن أن وسائل الإعلام العالمي سوف تبتكر مصطلحا جديدا على غرار معاداة السامية اسمه معاداة الدجالية ، وكل من يضبط متلبسا به سوف يسجن في معسكر شبيه بجوانتانما .

11- ويبقى تساؤل : ما الذي ستخسره الشعوب من اتباع الدجال ؟ إن من يؤمن به سوف تحل كل مشاكله الاقتصادية ، فلا بطالة ولا تضخم ولا كساد ، ولا عجز في الموازنة ، بل رخاء اقتصادي ، وإخراج الأرض لكنوزها جميعا ، بينما مخالفته تؤدي إلى الضنك والمجاعة ، وعلماء السوء موجودون وقتها وسوف يحدثوننا عن الضرورات التي تبيح المحظورات ، وعن أن من العبث الكلام عن قضايا متخلفة كالكفر والتكفير أمام عقلية اقتصادية مبهرة كعقلية الدجال ، ستنفع البشرية ، وتطعم البطون الجائعة ، وتحقق الرخاء .

وأخيرا وبعد قراءة ما تقدم : هل تظنني هازلا أو متشاءما أو سوداويا ؟ كلا بل أنا خائف على أمتي وعلى أجيال قادمة سوف يتم تجريف كل ثوابتها ،.

فيا عباد الله علموا أولادكم العقيدة ، وعرفوهم بحقائق الإيمان ، وثوابت الدين والملة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 19
  • 0
  • 17,021

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً