الكلام على حملة العرش

منذ 2011-04-19

إن حملة العرش هم من الملائكة، هو قول السلف الذين يثبتون العرش على أنه جسم عظيم خلقه الله فوق العالم وأن الله استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض..

الكلام على حملة العرش

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن كون عرش الرحمن له حملة يحملونه هو أمر ثابت في الكتاب والسنة؛ فقد جاء ذكر حملة العرش في موضعين من القرآن الكريم قال تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7]، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17].

فالآيتان تدلان على أن لعرش الله حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، قال شيخ الإسلام: "إن قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، يوجب أن لله عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهيمة، فإن الملك هو مجموع الخلق فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه، وآخرون يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية" [نقض التأسيس (1/575)].

وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار الدالة على أن لعرش الرحمن حملة من الملائكة يحملونه، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام » [سيأتي تخريجه في قسم التحقيق برقم 24].

وكذلك ما جاء في حديث الأوعال: «ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ظهورهم العرش» [أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي (ص 449)، ولفظه "ثمانية أملاك في صورة الأوعال" اهـ. وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (ص 109)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/378) وقال: [حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه]، ووافقه الذهبي، جميعهم من طريق شريك بن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس موقوفاً، وأورده السيوطي في الحبائك (ص 46) من طريق عبد بن حميد وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن مردويه، والحاكم وصححه، وإسناده ضعيف لجهالة عبد الله بن عميرة].

والقول بأن حملة العرش هم من الملائكة هو قول السلف الذين يثبتون العرش على أنه جسم عظيم خلقه الله فوق العالم وأن الله استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وهذا ما جاء به القرآن والسنة وأجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.


وأما الذين أنكروا استواء الله على عرشه وقالوا: "إن استوى بمعنى استولى، وأن المراد بالعرش الملك"، فإنهم أنكروا أيضا كون حملة العرش هم من الملائكة، فقالوا: "إن قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، يَحْمِلُ: بالجذب، عَرْشَ رَبِّك: ملك ربك للأرض والسموات، فَوْقَهُم: أي فوق الملائكة الذين هم على أرجائها يوم القيامة، ثَمَانِيَةٌ: أي السموات السبع والأرض" [تفسير القاسمي (16/5915)]، وقيل المراد بالثمانية: السموات والكرسي [الفصل (2/126(].
فقد أولوا هذه الآية كما أولوا آيات الاستواء والآيات التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى.

أما الصنف الآخر الذين زعموا أن العرش المذكور في الآيات المراد به الفلك التاسع، وهم الفلاسفة، فهم يقولون: "إن المراد بالحملة الثمانية في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، الثمانية أفلاك التي تحت الفلك المحيط أو ما يسمونه الفلك التاسع" [تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات (رسالة في النيوات) (87)].


وقد تقدم الرد على كلا الفريقين أثناء الكلام على الأقوال في العرش.
فمما تقدم تقرر أن لعرش الله حملة من الملائكة يحملونه بقدرة الله، وقد أخبرنا الله تعالى أنهم يوم القيامة ثمانية، ولكن اختلف في هؤلاء الثمانية هل هم ثمانية أملاك أم ثمانية أصناف أم صفوف وهل هم اليوم ثمانية أم أقل على عدة أقوال:


القول الأول:
إن المراد بالثمانية: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، وهذا القول مروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قال: "ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله" [أخرجه ابن جرير في تفسيره (29/58). وأورده الذهبي في العلو (ص 88)، وأورده ابن كثير في تفسيره (4/414)، جميعهم من طريق الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس بمثله، وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/261)، وفي الحبائك (ص50)، عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس من طرق بمثله].
وهو أيضاً مروي عن سعيد بن جبير [أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (ص 166) بسنده من طريق عبد الأعلى بن حماد عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله، وأورده الذهبي في العلو (ص 88) عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله.
وأورده ابن كثير في تفسيره (4/214) من طريق ابن أبي حاتم بسنده عن جرير عن أشعث عن جعفر بن سعيد بن جبير بمثله مقطوعاً، وإسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات سوى جعفر بن أبي المغيرة فإنه صدوق يهم]، والشعبي وعكرمة والضحاك وابن جرير [تفسير ابن كثير (4/414)].


القول الثاني:
إن المراد بالثمانية: أنهم ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، وهذا القول مروي عن ابن عباس [أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح 27)]، وقال به مقاتل [زاد المسير (8/351)]، والكلبي [فتح القدير (5/282)].


القول الثالث:
إن حملة العرش هم اليوم ويوم القيامة ثمانية من الملائكة.
ويستدل لهذا القول بحديث العباس بن عبد المطلب الذي جاء فيه: « ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش».
الحديث يدل على أن حملة العرش هم اليوم ثمانية.
وروي عن العباس بن عبد المطلب في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، قال: «ثمانية أملاك في صورة أوعال بين أظلافهم وركبهم مسيرة ثلاث وستين أو خمس وستين سنة».
وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "حملة العرش ثمانية ما بين موق أحدهم إلى مؤخرة عينه مسيرة مائة عام" [ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم (4/414)].
وعن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، قال: "ثمانية من الملائكة" [أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح 31)، وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/261) من طريق عبد بن حميد عن الربيع بن أنس مثله، إسناده منقطع وفيه ضغف لسوء حفظ أبي جعفر الرازي].

وعن شهر بن حوشب قال: "حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون: "سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك"، وأربعة يقولون: "سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك" [أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح 24)، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (ق284/ب)، والطبري في تفسيره (19/7)، كلاهما من طريق جعفر بن سليمان عن هارون بن رباب عن شهر بن حوشب من قوله.
وعند عبد الرزاق زيادة في آخره "كلهم ينظرون إلى أعمال بني قدرتك" بدل قوله "كانوا يرون أنهم يرون ذنوب بني آدم".
أما في تفسير ابن جرير فوقف على قوله "على عفوك بعد قدرتك" وقد روى الحديث من وجه آخر عن هارون بن رباب.
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (ق85/ب) بسنده عن رواد بن الجراح عن الأوزاعي عن هارون بن رباب نحوه.
والبيهقي في شعب الإيمان (1/1/91/ب، نسخة الشيخ حماد الأنصاري) بسنده عن العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رباب بنحوه.
وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/346)، والحبائك (ص47)، وعزاه إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقي في شعب الإيمان.
وجاء عندهم جميعاً زيادة "يتجاوبون بصوت حزين رخيم".
وروي أيضاً من وجه آخر عن حسان بن عطية.
أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/74) عن أحمد بن إسحاق، ثنا عبد الله، ثنا عباس بن الوليد، أخبرني أبي، ثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية بنحوه.
وأورده الذهبي في العلو (ص 58) قال الوليد بن مزيد العذري: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، ثم ذكر نحوه، وقال: "إسناده قوي"].


القول الرابع:
إن حملة العرش اليوم أربعة من الملائكة ويوم القيامة ثمانية.
وهذا القول رجحه ابن كثير [تفسير ابن كثير (4/71)]، وابن الجوزي [زاد المسير (7/208(]، وقال هو قول الجمهور [زاد المسير (8/350)]

ويستدل لهذا القول بعدة أدلة منها ما رواه الطبري بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يحمله اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية » [رواه الطبري من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خبر مقطوع (29/59)، وإسناده ضعيف].

وروى الطبري أيضاً بسنده عن ابن إسحاق قال: بلغنا أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: «هم اليوم أربعة» يعني حملة العرش «وإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية» [انظر تفسير الطبري (29/59)].

واستدلوا أيضاً بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره فقال:

رجل وثور تحت رجل يمينه *** والنسر للأخرى وليث مرصد
 

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « صدق »» [أخرجه أحمد في مسنده (1/256)، والدارمي في سننه كتاب الإستئذان (2/296)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/206-207، رقم771)، وأورده ابن كثير في النهاية (1/12)، وقال: [حديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات] وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة].

ولعل هذا القول هو الأقرب إلى الصواب، ولكن ليس هناك نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة. والله أعلم.

المصدر: محمد بن خليفة التميمي - موقع المختار الإسلامي
  • 43
  • 17
  • 358,722

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً