مع القرآن - مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ

منذ 2017-05-20

المشهد هنا يبرز فيه رجل يعرف الحق و يدرك تماماً أنه ليس إلهاً و يصر على دعوة الناس لعبادته من دون الله بل و يصر على محاربة الله و كلمته التي ألقاها إلى موسى . مشهد واضح و مثال جلي لعناد المعاندين و استكبار المستكبرين , حتى لا يغتر مؤمن إذا ما تكررت أمامه نفس المشاهد أو قريبة منها .

بعدما رأى فرعون الآيات آية تلو أختها لم يزدد إلا عناداً و استكباراً و إصراراً على الكفر و حرباً لله و رسوله .

المشهد هنا يبرز فيه رجل يعرف الحق و يدرك تماماً أنه ليس إلهاً و يصر على دعوة الناس لعبادته من دون الله بل و يصر على محاربة الله و كلمته التي ألقاها إلى موسى .

مشهد واضح و مثال جلي لعناد المعاندين و استكبار المستكبرين , حتى لا يغتر مؤمن إذا ما تكررت أمامه نفس المشاهد أو قريبة منها .

لم يكتف بالعناد بل تطور إلى تشويه الرسالة و الرسول و رمى و وصم موسى بالسحر ليصرف عنه نظر الناس و ليجد لنفسه ورقة توت يواري بها سوأته .

ثم يقارع موسى علانية باستجلاب السحرة من سائر الأرض ليبارزوا موسى و ليتحول المشهد من مشهد إيمان و دعوة إلى مشهد مبارزة مع السحرة يحول به فرعون أعين الناس و يشغلهم عن الحقيقة .

فما كان من موسى الواثق من ربه إلا أن استعلى بإيمانه و قبل النزال شامخاً محدداً لموعد هو ذروة اجتماع الناس و احتفالهم لتكون فضيحة فرعون على الملأ مشاهدة منظورة .

 وَ {لَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى * قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى * قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}   [طه 56 - 61]

قال السعدي في تفسيره :

يخبر تعالى، أنه أرى فرعون من الآيات والعبر والقواطع، جميع أنواعها العيانية، والأفقية والنفسية، فما استقام ولا ارعوى، وإنما كذب وتولى، كذب الخبر، وتولى عن الأمر والنهي، وجعل الحق باطلا، والباطل حقا، وجادل بالباطل ليضل الناس، فقال:   {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ }  زعم أن هذه الآيات التي أراه إياها موسى، سحر وتمويه، المقصود منها إخراجهم من أرضهم، والاستيلاء عليها، ليكون كلامه مؤثرا في قلوب قومه، فإن الطباع تميل إلى أوطانها، ويصعب عليها الخروج منها ومفارقتها.

فأخبرهم أن موسى هذا قصده، ليبغضوه، ويسعوا في محاربته، فلنأتينك بسحر مثل سحرك فأمهلنا، واجعل لنا   {مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى } أي: مستو علمنا وعلمك به، أو مكانا مستويا معتدلا ليتمكن من رؤية ما فيه.

فقال موسى:   {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ }  وهو عيدهم، الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم،   {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } أي: يجمعون كلهم في وقت الضحى، وإنما سأل موسى ذلك، لأن يوم الزينة ووقت الضحى فيه يحصل فيه من كثرة الاجتماع، ورؤية الأشياء على حقائقها، ما لا يحصل في غيره،   {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي: جميع ما يقدر عليه، مما يكيد به موسى، فأرسل في مدائنه من يحشر السحرة الماهرين في سحرهم، وكان السحر إذ ذاك، متوفرا، وعلمه علما مرغوبا فيه، فجمع خلقا كثيرا من السحرة، ثم أتى كل منهما للموعد، واجتمع الناس للموعد.

فكان الجمع حافلا، حضره الرجال والنساء، والملأ، والأشراف، والعوام، والصغار، والكبار، وحضوا الناس على الاجتماع، وقالوا للناس:   {هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} فحين اجتمعوا من جميع البلدان، وعظهم موسى عليه السلام، وأقام عليهم الحجة، وقال لهم: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ } أي: لا تنصروا ما أنتم عليه من الباطل بسحركم وتغالبون الحق، وتفترون على الله الكذب، فيستأصلكم بعذاب من عنده، ويخيب سعيكم وافتراؤكم، فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملائه، ولا تسلمون من عذاب الله، وكلام الحق لا بد أن يؤثر في القلوب.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 3
  • 0
  • 16,887
المقال السابق
حوار كل موسى و كل فرعون
المقال التالي
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً