جزاء مجرم و تكريم مؤمن
أبو الهيثم محمد درويش
جزاء كل مجرم في الدنيا و لو ظهر أمام الناس بأبهى الحلل و ادعى لنفسه أرقى السمات .
سيخلد في هذه المهانة لا يموت فيها و لا يذوق طعم حياة .
- التصنيفات: التفسير -
و هل تستحق الدنيا بأسرها هذا الثمن الفادح :
إذا استغاث، أغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه، وإذا دعا، أجيب بـ { اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ } .
هذا جزاء كل مجرم في الدنيا و لو ظهر أمام الناس بأبهى الحلل و ادعى لنفسه أرقى السمات .
سيخلد في هذه المهانة لا يموت فيها و لا يذوق طعم حياة .
أما الصالحون فلهم التكريم الذي ليس له نظير , و النعيم الدائم غير المنقطع الذي لا يخطر لهم على بال جزاء كل طاهر القلب طاهر الصفات , سعى بكل جهد ليطهر قلبه و أفعاله , و يزكي فؤاده و جوارحه .
{ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} } [طه 74 - 76] .
يخبر تعالى أن من أتاه، وقدم عليه مجرما -أي: وصفه الجرم من كل وجه، وذلك يستلزم الكفر- واستمر على ذلك حتى مات، فإن له نار جهنم، الشديد نكالها، العظيمة أغلالها، البعيد قعرها، الأليم حرها وقرها، التي فيها من العقاب ما يذيب الأكباد والقلوب، ومن شدة ذلك أن المعذب فيها لا يموت ولا يحيا، لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته محشوة بعذاب القلب والروح والبدن، الذي لا يقدر قدره، ولا يفتر عنه ساعة، يستغيث فلا يغاث، ويدعو فلا يستجاب له.
نعم إذا استغاث، أغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه، وإذا دعا، أجيب بـ {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} .
ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله، متبعا لكتبه { قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ } الواجبة والمستحبة، { فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا } أي: المنازل العاليات، وفي الغرف المزخرفات، واللذات المتواصلات، والأنهار السارحات، والخلود الدائم، والسرور العظيم، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
{وَذَلِكَ } الثواب، {جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى } أي: تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان، إما أن لا يفعلها بالكلية، أو يتوب مما فعله منها، وزكى أيضا نفسه، ونماها بالإيمان والعمل الصالح، فإن للتزكية معنيين، التنقية، وإزالة الخبث، والزيادة بحصول الخير، وسميت الزكاة زكاة، لهذين الأمرين.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن