عن الفلاسفة وتابعيهم...
رحاب حسَّان
ولغة الفلسفة مفعمة الكبريائية والخيلاء، فهي لغة يذوب في طياتها المنبهرين ولايدرون أنهم مغفلون ومستغفلون، فالانبهار بالشيء لا يعني أنك صرت جزء منه، ولا يعني أنه مبهر في حد ذاته؛ لكنه يعني أنك أقل منه بكثير وأحقر من عتباته التي تتمرغ فيها وتواليها من دون الحق والصدق.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - مذاهب باطلة - مذاهب فكرية معاصرة -
للفلسفة مذاق عند أهلها كالخمر؛ فيها إثمٌ كبير ومنافع للناس، ولها لغة سيمائية كالسحر، فهي ليست مجرد تعاويذ عقلية يتحرز بها معتنقيها من لعنات الحقيقة؛ ولكن لها لغة باطنية تُقرأ من خلال السطور، لغة مطويَّة همازة مشاءة، لا يتقن حكيها ولا يعرف عواقبها سوى من غرق في أوحال الفلسفة لسنوات، وسبر أغوارها عمقا وتأملا.
ولا يقدر على نقدها إلا من استطاع أن يهز نفسه من كابوسها بإفاقة عقدية توحيدية باردة، توقظه من براثن وحْلِها وترده إلى عقله وواقعه ووعيه.
ولغة الفلسفة مفعمة الكبريائية والخيلاء، فهي لغة يذوب في طياتها المنبهرين ولايدرون أنهم مغفلون ومستغفلون، فالانبهار بالشيء لا يعني أنك صرت جزء منه، ولا يعني أنه مبهر في حد ذاته؛ لكنه يعني أنك أقل منه بكثير وأحقر من عتباته التي تتمرغ فيها وتواليها من دون الحق والصدق.
والفلاسفة أكثرهم -إلا من رحم ربي- ملعونون في التاريخ بلعنة العقل، فلن تجد واحدا منهم قد نجى في نهاية عمره من الوصم بالجنون والبلاء لأنه قد دخل من باب مشابه في حقيقة الأمر لما انتهى إليه، فهو ليس كالذين اتَبعوا فدخلوا من باب الانبهار والإكبار والفرار من الحق هوى وتكاسلا.
بل غالبًا ما يدخل الفيلسوف من باب الاستكبار والتحدي للخالق، بسبب موقف مرّ به أو كارثة ألمّت به فخرج منها مقسما بعزة الله وجلاله لأغوينهم أجمعين.
والحوار بين الفيلسوف والذين اتبعوه حوار في جوهره العميق عقيم بنسبة مائة في المائة؛ لأنه يتحدث بلغتين لغة على مستوى السطح براقة جذابة لكنه يرمي بها إلى الهاوية ولا شيء سواها.
ولا تنشأ العلاقة الحقيقة بين الفيلسوف وتابعه إلا بإدراك الثاني حقيقة الأول، وهنا يكون بين خيارين لا ثالث لهما فإما أن يظل على إذعانه واستسلامه للسجود له تاركا زمام الموقف جله له وأحيانا مكملا لثورته على الحقائق والمكنونات، وإما أن يكون من أشد أعدائه حينما يكتشف جوهر المغزى ومأساة المعنى وسيماء، اللفظ والكلمة.
فتابع الفيلسوف كتابع الساحر إذا عرف حقيقته... فإما أن يوافقه على بغيه أو أن يثور عليه انتصارًا للحق الذي كان يبحث عنه في غير مظانه.