مواقع التواصل الاجتماعي ورفع مستوى التدين
زينب صلاح عبد الحليم
والدهر ذو ضربات ليس يسأمها *** فقد عجبت لهذا الدين كم صمدا! - تميم البرغوثي -
- التصنيفات: دعوة المسلمين - الواقع المعاصر - وسائل التكنولوجيا الحديثة -
تشهد أمة الإسلام في هذا العصر تحديا لا يبعد أنه أكبر تحدٍّ واجهته منذ بزوغ فجر الدين الأغرّ، ولا تكمن خطورة هذا التحدي في حالة الاستضعاف التي تعيشها الأمة المسلمة والمتمثلة في غزو أراضي المسلمين واستباحة أعراضهم، ووجود أمم أسبق منهم في التقدم المادي، وجهل كثير من المسلمين بدينهم و تفشّي البدع فيهم بشتى صورها؛ فإن هذا كلّه قد عاشته هذه الأمة من قبل ولم يخمد مجمرها، بل أعقبه فترات من القوة والصحو والرشد..
ولكنّ السبب الأعظم في خطر هذا التحدّي هو الوهن الذي أصاب أفراد الأمة، وشعورهم بالهوان، ومركّب النقص الذي بات ينخر في نفوسهم و هم لا يشعرون..
إن النظرة المقدسة التي ينظرها كثير من المسلمين اليوم إلى الغرب باعتباره ممتلكا للقوة المادية ومهيمنا على الصناعة والتجارة والسياسة والاقتصاد ليس سببها نفس قوة الغرب وسيطرته بقدر ما هو شعور المسلمين بالسفول تجاهه، وهذا ما أدّى إلى ذوبان المجتمعات المسلمة في المظهر الغربي ومحاولة التشبّه بسَمته والتشبّع بموارده والتماس النجاة في الطريق الذي يسلكه، وهو ما لم يكن موجودا في السابق بنفس الصورة، فحين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن للعرب حضارة مادية تذكر، بل كانوا يعيشون في بيئة بدائية جدا إذا ما قورنت بحضارة فارس أو الروم مثلا، وفوق هذا كان معظم أتباعه من فقراء الناس وضعفاءهم، وبرغم ذلك كانوا يشعرون بالرضاء التام تجاه ما هم عليه مع سعيهم إلى أسباب القوة امتثالا لأمر الله سبحانه، وكانوا أعقل من أن يتبعوا فئة من الناس اتباعا مطلقا لمجرد فلاحهم في شيء ما، بل يفيدون منهم فيما أفلحوا فيه دون أن تصيبهم مسحة ذل وهم يتعلّمون منهم، عملا بقول الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، إذ كان العلو في نظرهم مرتبطا بالإيمان، أما المسلمون اليوم فيرتبط العلو في نظرهم بالقوة المادية التي يمتلكها الغرب، بل منهم من اعتبر إيمانه سببا في الانحطاط والتأخر!، فما أبعد ما بين النظرتين!
ولا شكّ أننا بحاجة إلى إعادة تأسيس وعي المسلم الذي حلّ مكانه تلبيس وتضليل، خصوصا مع ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة التي جعلت التجول بين قارات العالم يشبه التجول بين غرفات المنزل، فرغم أن هذه الثورة سهلت التواصل ووفرت كثيرا من الوقت والجهد إلا أنها تسببت في إضعاف وعي كثير من المسلمين بدينهم، وذلك لانفتاح المصادر وعدم مراعاة الأهلية في الاطلاع مع ما طبعت عليه النفوس من الولع بالممنوع والرغبة في كشف الحجب وإن كان الممنوع شرا أو كان وراء الحجُب نار موقدة.
وبمرور الوقت لم يعد مجديا أن تنصح شخصا - إذ تريد تحصينه من هذه الآفة - كما كنت تنصحه قبل سنوات أن يهجر الفضائيات أو مواقع الإنترنت، فلقد تحول استخدام هذه الأشياء من شيء كمالي يستطيع الفرد أن يستغني عنه بسهولة إلى إحدى الحاجات، وتطور عند كثيرين ليصبح من ضرورات اليوم والليلة.. ثم إنه لو استطاع أن يحجب نفسه عن وسائل الإعلام عموما فلن يستطيع أن يمتنع عن مواقع التواصل خصوصا، لأن غالب تواصل الأصدقاء والأقارب صار بهذه الطريقة، ثم هو لو امتنع عن هذه أيضا فلن تخفى عليه آثارها، والناس أحاديث لا تنتهي.
كل هذا أوجب علينا أن نغيّر طريقة التحصين التي نسلكها، وأن نحاول نشر الوعي بالدين بقدر يتواءم مع انتشار الأفكار الخاطئة والتي تؤدي بدورها إلى سلوكيات غير رشيدة، مستخدمين نفس وسائل النشر، والتي من أبرزها مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم أن مواقع التواصل كان لها أثر كبير في تبادل الأفكار إلا أنها كغيرها من وسائل الإعلام لا تراعي الأهلية غالبا وتفتقر كذلك للتوثيق، فمن حق أي إنسان أن يكتب منشورا أو رسالة عامة أو ينشىء قناة يبث فيها أفكاره دون كفاءة ولا توثيق المعلومات التي يذكرها، وهذا يضاعف المسؤولية على الاتجاه الذي يريد النفع العام - والديني بالأخص -، إذ علينا أن نواجه كل ذلك بكيفية متقنة يراعى فيها جذب الناس والطرق المؤثرة فيهم مع عدم الإخلال بالمحتوى سواء في صحة الأفكار أو توثيق المعلومات أو طريقة العرض، وقد يبدو هذا صعبا - وهو كذلك - لا سيّما مع وجود طرف ثالث يبعث أفكارا دينية في قالب مخالف للدين تماما إما تمييعا أو تشددا، يجانب في طرحه العلم والحكمة، لكنه مع صعوبته ليس مستحيلا، والخير باق في هذه الأمة إلى يوم القيامة..
وسأعرض هنا طرقا عشرة رأيتها مناسبة لاستخدام مواقع التواصل في هذه المهمة المحورية في حياة المسلمين اليوم..
- أولا: إنشاء صفحات متخصصة في تبسيط الأحكام الشرعية التي تخص جميع المسلمين كالصلاة وأحكام البيع وغيرها، وذلك عن طريق صور مبسطة أو منشورات أو مقاطع مسموعة ومرئية، يراعى فيها القصر وسهولة الأسلوب.
- ثانيا: تعزيز الحديث عن أصالة الوحدة الإسلامية وأخوّة الإسلام في مواجهة النزعة الفردية المنتشرة، وكسر الحاجز الذي يقسم الناس إلى "ملتزم" و "غير ملتزم"، وذلك بنشر مقاطع مسموعة ومرئية تقرّب المسافات بين أفراد المجتمع المسلم بتقديم النصائح الدينية والدنيوية بأسلوب يجذب الأقران ويؤثر فيهم.
- ثالثا: انتقاء معان مبسّطة لآيات القرآن الأكثر حضورا في حياة المسلمين كجزء عم وسورة الفاتحة، وذلك بتغريدات مختصرة تقرّب فهم الآيات.
- رابعا: اقتباس القصص ذات الأثر من كتب السير والتاريخ الموثوقة والتي لا يقتنيها عوام المسلمين في العادة، مع ذكر الفوائد منها بأسلوب مبسط لا يفقد النص المنقول جلالته مع توثيق المصادر.
- خامساً: إنشاء مجموعات ترعى العمل التطوعي في محافظات البلد الواحد، وتبادل الأفكار والأخبار عن طريقها.
- سادسا: الإرشاد إلى عظمة الدين وحرمة الكلام فيه بغير علم وحرمة نشر الشائعات، وذلك بنشر النصوص الشرعية المتعلقة بذلك مع شرحها شرحا مبسطا.
- سابعا: استغلال حرية النشر في مواقع التواصل بالنشر الواعي المترابط والمستمر من قِبل مختصين وطرح الفكرة الواحدة بعدة أساليب، لأن ما تكرر تقرّر، ولا تثبت الفكرة بشيء بمثل تكرارها على الأسماع والأذهان.
- ثامنا: إرساء قواعد للحوار بين المغردين أو المعلقين ومن أبرزها حرمة الكذب والابتعاد عن التراشق والبذاء ومراقبة الله فيما يسمع الأفراد ويقرئون ويشاركون.
- تاسعا: تحويل العالم الافتراضي الذي غرق فيه الكثير إلى وسيلة تنظيم للواقع، بالدعوة إلى لقاءات أو ندوات مفيدة في شتى المجالات ومشاركة أهم أفكارها على هذه المواقع، لتصبح امتدادا للواقع بدلا من مقابلته والانفصال عنه.
- عاشرا: تنظيم دورات علمية شرعية عبر مواقع التواصل لإتاحة الفرصة لعدد أكبر من الراغبين في طلب العلم الشرعي أن يدرسوا ويتناقشوا ويذاكروا المسائل بسهولة.
ولعل هذا يُسهم في رفع مستوى التدين لدى المجتمع المسلم وتقوية وشائج الإخاء بين فئاته، وإعادة تأسيس الوعي الإسلامي المنضبط.