أبناؤنا (حديث وتوريت ) - التعامل في الغربة
مع تمنينا ورجائنا لزوال حالة الغربة لرفع البلاء ولعدم التعرض للفتنة ولتيسير الطريق إلى الله تعالى على الناس؛ لكن إلى أن يرفعها الله تعالى فالتعبد فيها يوصلك إلى درجات لا يبلغها غيرك..
إننا في حالة خاصة، مستثناة من التاريخ، حالة يحارَب فيها دينك ويطارَد، وتطارَد قيمك وعقيدتك، وتجتمع عليه أجهزة ودول وأموال ودراسات.. والحفاظ على النفس في هذا الحال صعب، والأصعب منها الحفاظ على الأبناء إذ إنك تربّي عكس التيار، بل والتيار يتعمد هدم ما تبني.. وهذه هي حالة الغربة.. لكن الكثير يفهمها خطأ ويستاء فقط، ولا يرى ما فيها من الفرصة.. ففي حالة كهذه لا بد من إدراك عدة حقائق..
- الأولى: أننا لسنا فقط من يواجه حالات يجتمع عليه فيها الكثير يواجهون عقيدتهم ودينهم، بل إن أمما وأعراقا وعقائد واجهت ظروفا مشابهة، وصمدت وورّثت أبناءها ما هي عليه، وأرضعتهم قيمها وقضيتها، حتى حمل الأبناء قضية الآباء، وساروا بها وتطورت بهم بل انتصرت على أيديهم، وقضاياهم كانت قضايا جانبية وقزمة بجانب قضية الإسلام، بل وبعضها قضايا باطلة.
فلئن كان أصحاب القضايا الهامشية أو العرقية أو الباطلة قد نجحوا في الحفاظ على إرثهم فأوْلى بذلك المسلم، وإرثه أغلى وأعلى.
- الثانية: الغربة لا تعني التعاسة و(الوَلْولة) والندب..! فالغربة لها ميزة خاصة، وهي دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الغربة بالسعادة إذ قال صلى الله عليه وسلم: «فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» (رواه مسلم)؛ يعني سعادة لهم، فهذا دعاؤه وهو يتحقق دائما كلما طرأت غربة؛ فمن التزم دينه في أي حال كان أسعد ولو كان بين أديان أخرى ومخالفين كُثر، بل ويصير محل مهابة واحترام من المخالف بسبب دعوة رسول الله، وبسبب جاذبية الحق في نفسه، وبسبب حب النفوس واحترامها للصادقين في قضاياهم.
- الثالثة: أن عموم الفساد يسمة (الهَرْج) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الاستقامة والطاعة في الهرْج لها فضل لا نبلغه لو كنا في زمن آخر.. قال صلى الله عليه وسلم: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» (رواه مسلم).
فانظر إلى استقامتك اليوم تساوي هجرة إلى رسول الله.. كيف تبلغ هذا بغير هذه الظروف؟ فمع تمنينا ورجائنا لزوال حالة الغربة لرفع البلاء ولعدم التعرض للفتنة ولتيسير الطريق إلى الله تعالى على الناس؛ لكن إلى أن يرفعها الله تعالى فالتعبد فيها يوصلك إلى درجات لا يبلغها غيرك..
ولا بد أخي أن تعلم هذه المعاني وتعلّمها لأبنائك وتوصيهم بها. فلا تعاسة ولا ندب ولا عويل؛ بل استقامة وصبر، تكاتف وتواصي، رجاء في الله وتوكلا عليه.. ووالله لينبلجن الفجر.