استقبال رمضان (5)
من سبق الى الجنة والمعالي لم يكن عنده شيء لا تملكه، بل عنده نفس بشريتك وضعفك، وآمالك وآلامك.. كان نفس الإنسان، وافترقتما في القرار والإرادة..
آن تجديد البدايات.. قبل أيام رمضان ولياليه نذكر إخواننا أن المسلم لن يجد شيئا أفضل من تجديد البدايات.. لا أقصد بهذا التوبة فقط، بل التوبة جزء منه..
ما دامت الحياة مستمرة فإنه ليس من شيء أنفع من محاولة أن تعيد رؤية موقعك بين الدنيا والآخرة، وأن تحدد طريقك ومأخذك، وتقصيرك وعيبك، وسقطاتك المتكررة.. فإنك في سفر دائم غير منقطع.
ليس من شيء أنفع من أن تحدد الأفق الذي تريد أن تصل اليه، وأن تُعيد جمع عزمك عليه، وتلمّ ما فرط منك من عزم مهدر وإرادة مشتتة وقوى ضائعة أو معطلة، وأن تراجع سبب التأخر وتفرق العزم والتراخي عن الطريق..
هناك فرصة أن تحدد من أنت، وماذا تريد، وما الطريقة التي تريد أن تحيا بها، بل وما الصورة التي تريد أن تكون عليها إذ للإنسان صورتان: صورة ظاهرة لا حيلة له فيها، وصورة باطنة وهي خلقه وشخصيته وهذه يمكن أن تعيد تكوينها وصياغتها.. بل يجب ذلك.
للمؤمن أفق، لدنياه وأخراه.. ولا أنفع له من زمن يعود اليه فيقف ليراجع ما كان وما تبقى له وما يمكن أن يكون عليه بل وما يجب أن يكون عليه..
من العار أن تبقى حاملا لنفس العيوب على مدار عشرات السنين، هي هي، بنفس قبحها وآفاتها، ومن العار الأشد أن تبقى تُؤتَى من نفس العيوب ويدخل عليك الشيطان من نفس الأبواب ويسرق منك نفس السرقات وأنت في حال استسلام ثم تنتظر القيامة لتندم؟! هذا ضعف عجيب وتفريط لا مبرر له.
أعِد صياغة نفسك.. كن ما تريد أن تكون عليه، إلْمس الأفق الذي يراود حلمك..
لا تترك نفسك لصدفة عابرة ولا تحلم بموقف طاريء أو بتغيير سحري؛ فإن التوكل على الله أعظم من كل سحر تتصوره أو خيال ترنو اليه..
اعلم أنك لن تبيت ليلة فتصبح شخصا صالحا تنمحي عنك العيوب وتتحلى بالفضائل وترتفع الى الأفق الذي تريد...! بل هو قرار تأخذه هنا ويرسو بك في الجنة، أو تتراجع فيكون غير ذلك...!!
من سبق الى الجنة والمعالي لم يكن عنده شيء لا تملكه، بل عنده نفس بشريتك وضعفك، وآمالك وآلامك.. كان نفس الإنسان، وافترقتما في القرار والإرادة..
ولهذا فثمة فرصة جديدة سانحة اليوم؛ فجدد بداية أمرك وطريقك وسلوكك، ولعل الله تعالى أن يحسب لك عملك وأجرك بأحسن مستوى وصلت اليه {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 35].
- التصنيف: