نعمٌ منسية - الحلقة الثانية: نعمة الخلق والإيجاد
مثنى الزيدي
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن
شَيْئًا مَّذْكُورًا}
- التصنيفات: الطريق إلى الله -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن
والاه.
من النعم المنسية هي نعمة الخلق والإيجاد...
نعم، هي نعمة لا بُد علينا أن نتذكرها.. وكيف لا نتذكر نعمة إيجادنا
بعد أن كنا عَدَما؟ لم نكُ شيئاً.. فأوجدنا الله تعالى..
قال تعالى: {
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ
لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}
[الإنسان:1].
فلم نكن في عالم الذكرى.. ولم نكن في عالم الوجود.. وكنا لا شيء..
واللاشيء هو أخس الشيء إذا نفع.
وبماذا منَّ الله تعالى على نبيه زكريا عليه السلام؟ منَّ عليه بهذه
النعمة فقال له: {
وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا
} [مريم:9].
فمفهوم النعمة الأولى هو وجودنا على غير مثال سابق، لا أناساً آخرين،
ولا أشياء أخر، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ
مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا
بَصِيرًا} [الإنسان:2].
فلم يكن يعلم الإنسان -وهو يتكبر على الخلائق- أنه لا شيء كان.
فهي النعمة، وهي السر الإلهي الداعية نبي البشر للتأمل إذا
عقلوا.
{
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن
نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ
لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} [غافر:
67]. فهو سر في الخلق عجيب وفي التدرج في هذا الخلق شيئاً فشيئاً؛
ليدل على عظيم الاعتناء الإلهي بمَن خلق.. ورعاية الخالق العظيم
بطريقة الأطوار الفريدة لدلالة الاهتمام.
وكم من نعمة سبقت مرحلة الخروج إلى عالم الحياة؟ ونحن في الأحشاء
بعد؟
سخر لك أماً.. طلق ومخاض وتأوُّهٌ وتململ ووقوف وقيام وانزواء ورقاد
واصفرار واحمرار، وغيبوبة.
سخر لك أباً، شدَّة الموقف ما بين يأس ورجاء، وخوف وهلع، وانتظار
واستبشار، وترح وفرح، تحوم الخواطر بالساعات قبل أن يأتي
البشير.
وسخر أحبةً من أهل الإيمان، يدعون ويستبشرون.
سخر بشراً لا نعرفهم، يعتنون بك بتخصصهم، يظلل كل هذا عناية الله
سبحانه وتعالى.. حتى إذا خرجت لعالم الكون توالت عليك النعم متقاطرة
أو منهمرة.. فبدأت عناية الله.. أمُّ تبر وثدي يدر.. ولك حرية ولست
مكلفاً حتى ترشد.. وبعد الإرشاد تبقى النعم تزداد ولا تنحسر.
فنسأل الباري تعالى المنعم سبحانه أن لا يجعلنا من الناسين نعمه
والمتناسين فضله بل من الذاكرين.. آمين.
والحمد لله رب العالمين..