الخروج من التخلف والوجع المزمن
والى أن يعودوا أو يُسحقوا أو يسقطوا بمعاول القدر؛ فلا بد للأمة ـ ونخبتها ـ أن تعرف بوصلتها وتحدد موقفها وألا تقبل الخداع وأن تعرف من أين تبدأ المشاريع وأين يكمن المخرج.. ولو بعد حين، والله تعالى غالب على أمره.
مما هو واضح أن منطقتنا تعاني من تخلف وضعف وفساد وتبعية، ويرجو الكثير أن تنهض الأمة من خلال مشاريع تنموية فقط، وهذا لا يكون، ولن يكون، بهذه الطريقة.
حاول الملك فيصل إنشاء مدينة صناعية حديثة وجهّزها تماما، وأثنى عليها المتخصصون، لكن رفض الغرب مجيء الشركات اليها وبقيت أساسات لم تُفعّل ..
وبعد الثورة في مصر حاول مرسي استقلال البلاد بالغذاء الدواء والسلاح فوقف أمامه العالم ومنه (السعودية نفسها!)، وغيرها كثير.
والسبب في هذا أنه لا بد من أمرين لنجاح مشاريع التنمية؛ وهي:
اجتماع الأمة عليها وتكاتف المجتمع.
ولا بد من معرفة أنها لا تتم إلا من خلال تحدٍ للقوى الغربية الرافضة للانعتاق من تبعيتها والخائفة على إسرائيل والراعية لها..
وهذا ـ بدوره ـ لا يتم إلا بحضور مجتمعي قوي، في مشروع حضاري جامع، وهذا لا يتم بدوره إلا بهوية وقيمٍ وتحدٍ في تكاتف مجتمعي، وتبني السلطة لمشروع الأمة..
الغرب نفسه يدرك هذا فصنع فقاعة القومية العربية لتكون وَهْما لتحقيق المشروع وكان تحته سراب؛ إذ كان القيادات في جيبهم في النهاية، وكانت تريد زعامة فارغة لا أكثر، مع معاداة للهوية والدين واستبداد مفرغ للقوى ومهدر للطاقات.
والمعادلة في اختصار أنه لا بد من أمرين:
1) مشاريع جادة للقفزة الحضارية، وهي متوفرة في نماذج متعددة، ولكل دولة فرصة في أن تأخذ النموذج الأوفق لها، أو تعتمد توليفة خاصة، ما بين النموذج الكوري أو التركي أو الماليزي أو البرازيلي أو المكسيك أو نموذج سنغافورة وغيرها.. وليست هناك مشكلة في هذا، فمنذ ستين عاما كان اللحاق بالتكنولوجيا والحصول عليها وتوطينها وتطويرها والمنافسة عليها، كان ضربا من المستحيل. أما الآن فأصبح ممكنا، ما بين هذه النماذج.
2) والشرط الثاني والأهم، لأنه البداية، أنه مع التحديث والضعف والاختراق لا يتم هذا إلا بمرافقة مشروع حضاري وأن تتحقق التنمية في سياقه.
واستيراد أية مشاريع معادِلة للإسلام وبديلة عنه، مع حرب الإسلام نفسه بانتظام ! وارتفاع أي نعرات متعصبة.. كل هذا لن يحقق شيئا، بل سيأخذ دورته الفقاعية وتنفثيء على واقع مر ويخرج فائزا فقط ـ في تصورهم ـ من ربحوا من الفساد العريض من المتاجرين بها.. هذه تجربتنا منذ عام 1952.
وبقي الأمل الوحيد في الإسلام، الذي لا بد أن يرافق أي مشروع تنمية، وبدلا من وضعه فزّاعة للناس، وبدلا من عدائه من الأنظمة الوضيعة، يجب أن يعرف الناس عموما، والنخبة خصوصا، والأنظمة باختلافاتها؛ أنه عند رفع يد الغرب عنهم فلا مبرر لهم لعداء الإسلام، بل هو أملهم ليجمعهم بالأمة، ويخوضوا به التحديات، ويجدوا لأنفسهم موطنا على الأرض وتحت الشمس، قبل أن تسحقهم الخطى الثقيلة لإيران الصفوية الدموية أو خطى الحقد الغربي الصليبي والتاريخي.
والى أن يعودوا أو يُسحقوا أو يسقطوا بمعاول القدر؛ فلا بد للأمة ـ ونخبتها ـ أن تعرف بوصلتها وتحدد موقفها وألا تقبل الخداع وأن تعرف من أين تبدأ المشاريع وأين يكمن المخرج.. ولو بعد حين، والله تعالى غالب على أمره.
مدحت القصراوي
- التصنيف: