عقيدة الظهور عند الشيعة

منذ 2017-06-05

أكدت الروايات الشيعية هذه العقيدة، ومنها:"عن أبي عبدالله بن صالح وأحمد بن النضر، عن القَنْبَرى-رجل من ولد قنبر الكبير- مولى أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: جرى حديث جعفر بن علي فَذَمَّهُ، فقلت له: فليس غيره فهل رأيته؟ فقال: لم أره ولكن رآه غيري، قلت: ومن رآه؟ قال: قد رآه جعفر مرتين وله حديث"

إن عقيدة الظهور هي الأخرى من العقائد التي اختص بها الاثنا عشرية، واعتنقها المهديون واعتقدوا بها، فقد حذوا حذوهم في معظم عقائدهم، ونهجوا نهجهم في دعوتهم وأفكارهم، فاتفقوا معهم في القول بالإمامة والمهدوية والعصمة والغيبة والرجعة والتقية والبداء والطينة ثم الظهور، ومنها ما صُرف وقُصد به اليماني وهي الإمامة والعصمة والمهدوية، وما لم يُصرف إلى اليماني، فصار من معتقدات المهديين.

أولاً: التعريف بعقيدة الظهور[1]:

لغة: يقال:"ظَهَرَ يَظْهَرُ ظُهُوراً، فَهُوَ ظَاهِرٌ وظهِير، وظَهَر الشيءُ بِالْفَتْحِ، ظُهُوراً: تَبَيَّن. وأَظْهَرْتُ الشَّيْءَ: بَيَّنْته، والظُّهور: بُدُوّ الشَّيْءِ الْخَفِيِّ"[2]، فالظهور هو التبيان للشيء والإيضاح، والظهور بعد الخفاء.

اصطلاحاً: للوقوف على عقيدة الظهور عند الاثني عشرية، وتعريفهم بهذه العقيدة، حيث فسرها علماء الشِّيَعة بأن لها معانٍ، وهي:"المعنى الأول: يراد من الظهور: البروز والانكشاف بعد الاحتجاب والاستتار، وهذا ما يحصل فعلاً بالنسبة إلى الإمام المهدي، المعنى الثاني: أن يراد بالظهور: إعلان الثورة، في العصر الحاضر، أو القيام بالسيف في القديم، وهو صادق بالنسبة للإمام المهدي، المعنى الثالث: يراد بالظهور: الانتصار والسيطرة، يقال: ظهر عليه إذا انتصر ضده، وهذا المعنى يصدق عند استتاب الأمر للمهدي على العالم كله، وهو غير ما نريد من كلمة الظهور، إذن فينحصر معنى الظهور في لحظاته الأولى، بالمعنيين الأوليين"[3].

وهذا ما فهمه علماء أهل السنة، فوصفوا عقيدة الظهور بقولهم:"إن  الأئمة  يظهرون بعد موتهم لبعض شيعتهم في أي وقت، ثم يعودون إلى قبورهم، وهي غير الرجعة، فالرجعة تعني الرجوع بعد الموت، واستمرار الحياة فترة من الزمن، أما الظهور فيعني اللقاء العابر الذي ينقضي بانتهاء اللقاء"[4].

وقد أكدت الروايات الشيعية هذه العقيدة، ومنها:"عن أبي عبدالله بن صالح وأحمد بن النضر، عن القَنْبَرى-رجل من ولد قنبر الكبير- مولى أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: جرى حديث جعفر بن علي فَذَمَّهُ، فقلت له: فليس غيره فهل رأيته؟ فقال: لم أره ولكن رآه غيري، قلت: ومن رآه؟ قال: قد رآه جعفر مرتين وله حديث"[5].

ثانياً: عقيدة الظهور عند المهديين:

لما كان الاعتقاد السائد عند الشِّيَعة الإمامية هو إمكان رؤية الإمام المهدي في فترة الغيبة، كان ذلك معتقداً لدى المهديين كذلك، فقد قالوا:"إن إثبات إمكان رؤية الإمام المهدي  عليه السلام في عصر الغيبة الكبرى من البديهيات التي شاعت وانتشرت بين كافة طبقات المجتمع، ولا يجرؤ أحد على إنكار ذلك"[6].

وهذه العقيدة  تثبت عند الشِّيَعة بالظهور في فترة الغيبة الكبرى وقبل الرجعة، وهذا ما اعتقدوه وما نصت عليه الروايات المتعددة والمتواترة في كتبهم، فمنها:"عن عبدالله المسوري قال: دخلت في بستان بني هاشم، فرأيت غلماناً يسبحون في غدير ماء، وفتى جالس على مصلى واضعاً كمه على فيه فقلت لهم: من هذا؟ فقالوا: محمد بن الحسن العسكري، وكان في صورة أبيه  عليه السلام"[7].

ومثل هذه الخرافات التي قامت عليها عقائد الشِّيَعة بالمشاهدات كثيرة، بل  معتمدة لديهم ودين يدينون به، وينسبونها كذباً للأئمة وافتراءً عليهم، فبعد أن ذكر محمد الحسن الحر العاملي في كتابه (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) عدداً من الروايات في هذا الشأن، قال:

"وتأتي أحاديث متعددة في هذا المعنى"[8].

فتلك العقيدة من العقائد المتفق عليها بين المهديين والاثني عشرية،وعند المهديين أن رؤية الإمام المهدي أو الأئمة أمر متواتر، حيث كثرة المشاهدات والظهور، "فما عندنا من العلم فعلاً هو العلم الناشئ من التواتر، حيث قلنا بأن هذه الأخبار تفوق التواتر، إذن فنحن نعلم أن

أشخاصاً أخبروا عن مشاهدة المهدي وعاشوا شواهد قطعية عن ذلك"[9].

وأنكر المهديون على من قال بعدم رؤية الإمام، فقالوا:"وقولنا بعدم إمكان رؤية الإمام المهدي في عصر الغيبة الكبرى هو بعينه قول من يقول بعدم انتهاء الغيبة الكبرى، وأن الإمام سيبقى غائباً إلى الأبد ولن يظهر؛ لأن في بداية ظهور الإمام لا بد له من الاتصال ببعض المخلصين الناجحين في التمحيص الإلهي في عصر الغيبة الكبرى، ويرشدهم إلى التمهيد لقيامه، وهذا ما أشارت إليه عشرات الأحاديث الواردة عن الرسول محمد والأئمة الأطهار"[10].

وقد وضعت الاثنا عشرية أعمالاً يستطيع الشيعي عن طريقها أن يرى الإمام المهدي، في المنام أو في اليقظة ومن هذه الأعمال:

-                   "المحافظة على جميع الفرائض والسنن والآداب، وترك المحرمات والمكروهات والمداومة على عمل حسن وعبادة مشروعة والتضرع في مدة أربعين يوماً.

-                   الذهاب أربعين ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة.

-                   الذهاب أربعين ليلة جمعة إلى الكوفة والاشتغال بالعبادة.

-                   زيارة سيد الشهداء  عليه السلامفي أربعين ليلة جمعة.

-                   مع إخلاص النية في المقام الأول وطهارة المأكل والمشرب والملبس.

-                   قراءة هذه الدعاء بعد كل فريضة:"بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم بلغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحينما كان من مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها، عني وعن والدي وعن ولدي وإخواني التحية والسلام،...فقد جاء عن الإمام الصادق: من قرأ بعد كل فريضة هذا الدعاء فإنه يرى الإمام(م ح م د) ابن الحسن عليه وعلى آبائه السلام

في اليقظة أو في المنام.

-                   من أراد رؤية أحد من الأنبياء والأئمة أو الناس أو الوالدين في نومه، فليقرأ: الشمس، والليل، والقدر، والجحد، والإخلاص، والمعوذتين، ثم يقرأ الإخلاص مائة مرة،

ويصلي على النبي مائة مرة"[11].

فالروايات والنصوص التي يستدل بها الشِّيَعة على إثبات وإمكان وقوع الرؤية والمشاهدة للإمام في زمن الغيبة، وهذا الأعمال والوسائل لرؤية الإمام المهدي، سواء في اليقظة أو في المنام، كلها تأكيدات بل يقينات في هذه العقيدة.

والمهديون متفقون في ذلك، لا يخالفون فيه، وعليه فإن عقيدة الظهور من العقائد المشتركة بين المهديين والاثني عشرية، إلا أن الاثني عشرية أنكروها في حق اليماني، وقالوا باستحالتها وعدم وقوعها لأي أحد، إلا لأئمتهم الاثني عشر، فجاءت فتوى السيد السيستاني فيمن ادعى رؤية الإمام المهدي، "إن الموقف الشرعي تجاه من يزعم اللقاء بإمام العصر- أرواحنا فداه- مباشرة أو عن طريق الرؤيا في زمن الغيبة الكبرى يتمثل في عدم تصديقه فيما يدّعيه، وعدم الأخذ بما ينسبه إليه  عليه السلام  من أوامر أو غيرها، بل والإنكار عليه فيما يحكيه عنه صلوات الله وسلامه عليه من الأمور المعلومة بطلانها كبعض ما ذكر أعلاه، ونحن نهيب بإخواننا المؤمنين وفقهم الله لمراضيه أن لا ينساقوا وراء مثل هذه الدعاوي ولا يساهموا في نشرها والترويج لها بأي نحو من الأنحاء وننصحهم بالتحرز عن أصحابها وأتباعهم ما لم يتركوا هذا السبيل ونتضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يعجل في فرج إمامنا صاحب العصر ويجعلنا من أنصاره وأعوانه"[12].

ورد المهديون هذه الفتوى وكل من أفتى بعدم صحة رؤية الإمام:

"أصدر السيد السيستاني فتوى ضد السيد أحمد الحسن رسول الإمام المهدي، وأكد فيها على تكذيب كل من ادعى رؤية الإمام المهدي، سواء كانت الرؤيا في المنام أو في اليقظة، وقد قمت بالرد عليها؛ لأني وجدتها مجردة عن الدليل الشرعي والعقلي ومخالفة لما ثبت واشتهر في الواقع من مشاهدة كثير من العلماء وسائر الناس للإمام لمهدي، وهذه حقيقة لا يقوى على إنكارها أي أحد إلا على سبيل إنكار المبصر للشمس في رابعة النهار"[13].

والواضح مما سبق: أن المهديين قد جانبهم الصواب باعتبار أدلة المشاهدة واللقاء بالإمام المهدي، المتوافرة في مصادر ومراجع الشِّيَعة، والتي امتلأت بها كتبهم، فقد بوب علامتهم المجلسي في كتابه بحار الأنوار:  باب (أنهم يظهرون بعد موتهم ويظهر منهم الغرائب ويأيتهمم أرواح الأنبياء، وتظهر لهم الأموات من أوليائهم)، وباب (ذكر من رآه صلوات الله عليهـ)، وباب (خبر سعد بن عبدالله ورؤيته للقائم ومسائله عنهـ)، وباب (نادر في ذكر من رآه  عليه السلامفي الغيبة الكبرى قريباً من زماننا)[14]، وما جاء أيضاً: في كتاب إعلام الورى بأعلام الهدي، باب(ذكر من رآه عليه السلام)، وباب(ذكر أسماء الذين شاهدوهـ)[15]، لكن اليماني خرج وادعى لقاءه بالإمام المهدي، وفي ذلك أقوى دلالة على تناقض القوم وتخبطهم في عقائدهم.

ثالثاً: اليماني هو الممهد للإمام في زمن الظهور:

يرى اليماني أنه صاحب الراية والولاية والإمامة وكل شيء في فترة الظهور، فما اعتقده أنصاره في ذلك هو أن "الإمام أحمد الحسن  عليه السلام وصي ورسول الإمام المهدي عليه السلام ، وهو الممهد له والقائم بأمره، وهو صاحب الدور الرئيسي في التمهيد لدولة العدل الإلهي، والابتلاء في زمن الظهور يكون به"[16].

واعتبر المهديون هذه الفترة وهي زمن رؤية اليماني للإمام واللقاء به مرحلة من مراحل التمهيد للإمام المهدي،"وهي بمثابة ظهور أصغر للإمام، حيث يلتقي الإمام بمجموعة من المؤمنين المخلصين الممحصين، لكي يوجههم إلى طريقة التمهيد، والأخذ بأيد الناس إلى مناصرة الحق، وإنقاذهم من الفتن التي تسبق ظهور الإمام المهدي عليه السلام ، وأكدت الروايات على أن راية اليماني أهدى راية؛ لأنها تهدي إلى صاحب الزمان، ولأنها راية حق وتهدي إلى صراط مستقيم والمتخلف عنها في نار جهنم، ومن كان بهذه الصفات لا بد أن يكون على اتصال بالإمام المهدي حتى يكون المتخلف عنه كالمتخلف عن الإمام عليه السلام"[17].

 


[1] لمن أرد المزيد، انظر: الإمام المهدي المصلح العالمي المنتظر، ص65، وانظر: عصر الظهور، ص11، وانظر: الرجعة بين الظهور والمعاد، ص64.

[2] انظر: لسان العرب، باب الظاء، مادة(ظهر)، ص2769.

[3] راجع: تاريخ ما بعد الظهور، ص206(باختصار).

[4] انظر: أصول مذهب الشِّيَعة الإمامية الاثني عشرية، ص931، وانظر: دراسات في الفرق الإسلامية، ص344 بتصرف.

[5] أصول الكافي، كتاب الحجة، باب في تسمية من رآه  عليه السلام ، ص245.

[6] إيقاظ النائم لاستقبال القائم، الشيخ ناظم العقيلي، ص27، ط2/1433ه = 2012م، إصدارات أنصار الإمام المهدي عليه السلام ، العدد(3).

[7] انظر: ينابيع المودة، الباب الثالث والثمانون، في بيان من رأى صاحب الزمان المهدي عليه السلام  بعد غيبته الكبرى، ص521.

[8] ص224.

[9] إيقاظ النائم لاستقبال القائم، ص32.

[10] المرجع نفسه، ص40.

[11] فائدة جامعة من كتاب النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب، تأليف: آية الله الشيخ حسين الطبرسي النوري، ترجمة: السيد ياسين الموسوي، تجميع: ندى الخرس، ص62وما بعدها باختصار، مكتبة تسجيلات العذراء.

[12] انظر: الرد القاصم على منكري رؤية القائم، الشيخ ناظم العقيلي، ص13، الطبعة الثانية، 1433ه، 2012م، إصدارات أنصار الإمام المهدي، العدد(16)، وانظر: نص الفتوى: على صفحة مركز الأبحاث العقائدية على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، ورابطها: Www.aqaed.com، وكانت بتاريخ: 21 رمضان 1424ه، مكتب السيد السيستاني بالنجف الأشرف، وقد اطلعت عليها بتاريخ: 19/5/2014م، في تمام الساعة الواحدة ظهراً.

[13] الرد القاصم على منكري رؤية القائم، ص23.

[14] انظر: ج27/302 وما بعدها، ج52، من أول الكتاب .

[15] انظر: إعلام الورى بأعلام الهدى، ص410 وما بعدها.

[16] دلائل الصدق ونفض غبار الشك، الدكتور: توفيق المغربي، ص43، ط1/1434ه = 2013م، إصدارات أنصار الإمام المهدي عليه السلام ، العدد(180).

[17] انظر: إيقاظ النائم لاستقبال القائم، ص75(بتصرف).

  • 0
  • -1
  • 126,701

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً