في ظلال رمضان وصيامه.. (12) من (30)
مدحت القصراوي
التوبة خير صاحب وخير مستصحب الى لقاء الله تعالى.. كان صلى الله عليه وسلم يعدّ له أصحابه في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة يقول «رب اغفر لي وتب عليّ، إنك أنت التواب الغفور»
- التصنيفات: فقه الصيام - ملفات شهر رمضان -
التوبة خير صاحب في أول الطريق، وخلاله، وآخره:
من أنفع ما يستحبه المسلم في بداية رمضان وخلاله ونهايته، وما يستحبه في أول عمره وخلاله وآخره، ومن أعظم نعم الله تعالى على العبد أن يتوب الى ربه تعالى، ويبدأ بالتوبة، ويكرر التوبة ويصبح أوابا منيبا رجاعا الى الله تعالى.
لا يخلو العبد من الذنوب، ولا من عيوب النفوس، وقبح الفِعال، والتقصير في الحقوق، وتعدي الحدود، والتفريط في الواجبات، وعدم إحصاء ما يجب أن يقوم به، وعدم إكمال وإتمام ما وجب عليه، ونسيان، وغفلة، وحظ نفس ووسوسة شيطان، وغضب لنفس، وسخط وأحقاد، وعيوب وشهوة تعمي، وقلق في غير محله، وتحقير كبير وتعظيم حقير.. إنها النفس.
وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يدعو بكلمتين ينفعانه فأمره أن يقول«اللهم ألهِمني رُشْدي وقِني شر نفسي» (الوابل الصيب: 199)، وعلّم النبي صلى الله عليه وسلم الصديق الأكبر، أبا بكر رضي الله عنه أن يدعو إذا أصبح وإذا أمسى وإذا أخذ مضجعه بهذا الدعاء «اللهم عالمَ الغيب والشَّهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيء ومليكة، أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجُرّه إلى مسلم» (مسند أحمد: 1/56)، وكان أبو بكر يقول (وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وذلك لأن الشيطان يوسوس والنفس تقبل.
وقد قال تعالى{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 79] يعني بسببك، أما الخير فالله تعالى سببه ومبدؤه ومتمة تعالى.. فمن خذله الله تعالى ووكله الى نفسه كان الشر، وكانت الذنوب.
يقول ابن تيمية رحمه الله (والذنوب هي أصل الشرور في العالم)، ومبدأ الذنوب هي النفوس، فمن وقي شر نفسه وقي الشر كله، فإن الذنوب تهلك وتمنع الرزق والخير والهدى، وتوجب الخذلان والهزيمة والفقر، بل وهلاك الأمم، قال تعالى {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: 6].. كما أن الذنوب هي التي تحول بين القلب وربه.
ولذا كانت التوبة خير صاحب وخير مستصحب الى لقاء الله تعالى.. كان صلى الله عليه وسلم يعدّ له أصحابه في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة يقول «رب اغفر لي وتب عليّ، إنك أنت التواب الغفور» (سنن الترمذي: 3434).
الذنوب توجب خللا في العلم واليقين، وتوجب خللا في الإرادة، ولهذا بيان قادم بإذن الله.