في ظلال رمضان - في ظلال رمضان.. (21) من (30)
وفي كل حال يذكر الله تعالى فيذكر من صفاته وأسمائه، ويذكر من حكمه وأمره، ويذكر من أمر الآخرة، ما يرى الأمر كما وضعه الله تعالى ويتناوله كما أمر الله تعالى، راغبا فيما عنده، رضاه والجنة..
(ذكر الله في كل حال بحسب هذا الحال)
للصائم الذاكر.. ذكر الله في كل حال بحسب ذلك الحال.. {والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} ..
وعندما تقرأ قول الله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فاعلم أن ذِكر الله تعالى يكون في كل حال بما يجب في ذلك الحال ..
فذكره تعالى عقب الصلوات بالتسبيح هو ذِكر ذلك الحال، وكذا في وظائف اليوم والليلة، والصباح والمساء.
وذِكره تعالى في مناحي الحياة يتحقق بذكر حكمه تعالى الواجب في ذلك الحال لطاعته والقيام بما أمر تعالى، فهذا ذكر ذلك الحال، وعلى هذا فسر الامام الطبري وغيره قوله تعالى {فاذكروني أذكركم} يعني (فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب)، ثم ذكر أن ذِكره تعالى بالتسبيح عموما هو القول الثاني للآية..
فذكره تعالى وقت الضيق والكرب ووقت الشدة وتكالب العدو وتخاذل الصديق وشدة الأمر.. فذِكره تعالى في ذلك الوقت هو بذكر حكمته وقدرته وأنه {قد جعل لكل شئ قدْرا} ، وأنه حكيم وأنه حميد؛ محمود على ما يفعل، وأنه قد جعل مع العسر يسرا، وبعد العسر يسرا، وأنه رفع عن الأمة الإصر والأغلال وما لا طاقة لها به شرعا وقدرا ما قامت بأمره تعالى، وذكر قربه ومعيته لأوليائه ودفعه عن المؤمنين، وأنه يثأر لأوليائه كما يثأر الليث الحرِب (يعني الغاضب)، وأن أمره (كن فيكون) وأنه يختبر عباده ويمحصهم ليصلحهم لا ليعنتهم، وأنه يضحك الى عباده وهم (أزِلين قنطين) وقد قرب فرَجهم.. فما أدرانا؟.. إن للسماء خطوها غير الأرض، وإن المقادير ليست بيد العبيد..
عند النعم يُذكر تعالى بذكر حقه وذكر الدار الآخرة وأنها أبقى وأن حال الدنيا فانٍ، فيزهد وهو يملك، ويشتاق للآخرة والدنيا بين يديه، ويلتزم حكم الله تعالى فيما آتاه الله من أمر الدنيا..
قال يوسف عليه السلام عند تجمع الأهل والملك والدنيا كلها بين يديه، مع النبوة والرسالة، فيشتاق للآخرة ويدعو {رب قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الأحاديث، فاطرَ السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلما وألحقني بالصالحين} ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أن داوود وسليمان من الأنبياء الأغنياء الملوك ومع ذلك فهما أزهد أهل زمانهما..
عند المعصية يذكر نهيه ووعيده وقدرته وسلطانه، فيرتدع عبد الله عن اقتراف ما يشتهي لمخالفته أمر مذكوره ومحبوبه تعالى.
عند مواجهة الإسلام مع عدوه يذكر أمر الله بالمواجهة {ولا تهنوا} وبالجهاد وبالثبات والاعتصام بالله وطلب الشهادة والبحث عن الدور المطلوب منه في موقعه والنصح للمسلمين وسد الثغرات وحفظ الأعراض والكف عن المعصية المسببة للهزيمة، وغير ذلك مما أمر تعالى.
وهكذا في أمر الوالدين، والزوجة والولد والجار والقريب والعدو والموافق والمخالف والمؤمن والكافر.. لله تعالى أمر وحكم في كل حال لا تغني عنه طقطقة المسابح وتحريك الشفاه، بل الذكر هنا بذكر الحكم وامتثاله، ولو ذكر بالشفاه ولم يقم بأمره ما أغنى عنه، كمن يستغفر بلسانه وهو مقيم على المعصية فهذا أقرب إلى الاستخفاف، وإنما ذكره تعالى حينها بترك ما نهى عنه.
وفي كل حال يذكر الله تعالى فيذكر من صفاته وأسمائه، ويذكر من حكمه وأمره، ويذكر من أمر الآخرة، ما يرى الأمر كما وضعه الله تعالى ويتناوله كما أمر الله تعالى، راغبا فيما عنده، رضاه والجنة..
وأما الذكر باللسان ومعاني التسبيح والتحميد فإنها روضة ونعيم يرافق المؤمن من الدنيا ويستمر معه في الجنة فلا ينقطع، ولمعرفة بعض معانيها يتبع غدا إن شاء الله تعالى..
- التصنيف: