الإيمان والإسلام بين المسلمين واليهود والنصارى
وإذا سمعت قول الله تعالى {إن الذين آمنوا والذي هادوا النصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ، وشبيهتها الآية في المائدة ـ مع اختلافٍ مقصودٍ.. فاعلم أمورا:
وإذا سمعت قول الله تعالى {إن الذين آمنوا والذي هادوا النصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ، وشبيهتها الآية في المائدة ـ مع اختلافٍ مقصودٍ.. فاعلم أمورا:
(1) أن الآية لا تخرج عن معنيين:
أولهما أن كل من آمن في زمنه، فعبد الله وحده وقبِل، واتبع، الشريعة الناسخة في زمنه فهو ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وذكرت الآية أهل الملل أصحاب الكتب، رسالة موسى في زمنه، ورسالة المسيح في زمنه والصابئة المتبعين لكتابهم، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم الناسخة.
- ومما ينبغي معرفته أن الصابئة نوعان:
1) صابئة مشركة عبدة للكواكب والأصنام، وهم غير مقصودين هنا.
2) وصابئة منحرفين عن كتاب سابق، وللصحابة آثار في هذا عنهم، وهم المقصودون هنا.
قال السدي: الآية: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذْ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيًا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان، هم من أهل النار". فاشتد ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية، فكان إيمان اليهود: أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى، عليه السلام؛ حتى جاء عيسى. فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكًا. وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعْ محمدًا صلى الله عليه وسلم منهم ويَدَعْ ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل -كان هالكا. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا.
(2) والمعنى الثاني للآية، وهو أن كل من أدرك رسالة محمد من أهل هذه الانتماءات فآمن به واتبعه فعبد الله ووحّده بالشريعة الناسخة مع محمد صلى الله عليه وسلم فله أجره ولا خوف عليه فيما يستقبل من أمر الآخرة ولا حزن على ما خلف وراءه في الدنيا.
(3) لا يتم الإيمان بالله تعالى إلا إذا اعتقد وحدانيته تعالى في نفسه، بلا ولد ولا صاحبة.. وعبده وحده وقبل شريعته الناسخة في زمنه..
فمن اعتقد لله ولدا (كالعزير أو المسيح أو الملائكة) أو صاحبة (كمريم أو سروات الجن) فليس بمؤمن بالله وليس بمسلم..
ومن لم يقبل شريعة زمنه كمن رد رسالة المسيح من اليهود، أو من رد رسالة محمد من اليهود والنصارى، فقد رد رسالة الله الناسخة في زمنه ورفض طاعته، وأشرك بالله تعالى في الطاعة، وهو ليس بمؤمن بالله وليس بمسلم.
ولا يتم الإيمان بالله إلا إذا صدق بجميع الرسل، مع قبول الشريعة الناسخة في زمنه الخاص، لكن لا بد من التصديق بجميع الرسل، فمن كذب رسولا واحدا فقد كذب بالجميع وكفر بالله ورد أمره تعالى وكذب بخبره تعالى.. ولهذا قال تعالى {كذبت قوم نوح المرسلين} {كذبت عاد المرسلين} وكذا ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة، وذلك لأنه لا يتم الإيمان بالرسل إلا إذا آمن بالجميع، ولا يتم الإيمان بالله إلا إذا آمن برسله تعالى، ومن فرق بين الله ورسله {ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا} .
(4) ولهذا فالدين عند مطلقا هو الإسلام، ومعنى (مطلقا) يعني أنه دين الله الذي أمر به الأولين والآخرين، وجاء به جميع الأنبياء..فما من نبي إلا وكان مسلما.
ولهذا فنوح مسلم قال {وأُمرت أن أكون من المسلمين} وبلقيس اسلمت مع سليمان {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} ، وموسى وبنو اسرائيل مسلمون {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} والحواريون مع المسيح مسلمون {قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} وجميع الأنبياء مسلمون {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا} وغير ذلك من الآيات.
وهذا الإسلام العام المشترك بين الأنبياء.. وقعدته المطلقة في كل زمان (أن يُعبد الله وحده، وأن يُعبد بما شرع على ألْسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت).
(5) وعلى هذا فلا إسلام ولا إيمان بالله (اليوم) إلا خلف محمد صلى الله عليه وسلم، بإفراد الله بالعبادة وقبول شرعه الناسخ الأخير مع محمد صلى الله عليه وسلم
وهذا معنى ما جاء في سورة الإخلاص الأولى {قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} فنفى تعالى عن رسوله والمؤمنين معه عبادة غيره، ونفي عن من أشرك بالله أنه يعبد الله وكذبه في زعمه..
ولا بد من القيام بما وصف الله تعالى بما وصف به نفسه في سورة الإخلاص الثانية {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} .
(6) فمن زعم أن أحدا سمع بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به أنه يمكن أن يكون مؤمنا أو أنه يعبد الله أو أنه مسلم، من زعم هذا فهو كاذب بل كفر بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
(7) هذا بعض ما في الآية من المعاني، ولا يغرنك كلام من كذب على الله تعالى، ولو سُموا علماء أو بلغاء، بل هم لا يعْدو أن يكون (بُلغة) في قدم بغي أو داعر أو عميل خائن أو صاحب أجرة يرمي له لقمة فيلهث خلفها.. واسأل الله العصمة ما بقيت..
مدحت القصراوي
- التصنيف: