المُهِمَّات في صفات القُدُوات من القرآن الكريم " 7 " (61-70)
أيمن الشعبان
مهارة مهمة وخُلُق رفيع للقدوة، لكسب القلوب وترك الأُثر الحسن في النفوس، فمع مخالفة الهدهد وغيابه من بين الجند، وغضب سليمان وتوعده له، إلا أنه استمع له شرحه وإسهابه ومبرراته، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه همسات تربوية وخواطر قرآنية من هداية كلام رب البرية؛ عبارة عن فوائد وإرشادات مقتضبة، ووصايا وتوجيهات مختصرة، وبرقيات عاجلة، تنير الطريق وترسم المعالم، مستقاة من أخلاق الكبار وصفات العظماء، من الأنبياء والأصفياء، لصناعة وإيجاد قُدوات عملية ونماذج ربانية.
61- الفهم الجيد: قدر زائد على العلم، لحاجة القائد والقدوة تحديد مواقف وإصدار قرارات وأحكام صائبة وسديدة، سيما في النوازل والمُلِمَّات، وقد أثنى الله سبحانه على سليمان بقوله {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبيا:79] ، أَيْ فَهَّمْنَاهُ الْقَضَاءَ الْفَاصِلَ النَّاسِخَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقِرَّ فِي النَّازِلَةِ. [البحر المحيط (7/455)] .
62- حُسن الاستماع والإصغاء الجيد: مهارة مهمة وخُلُق رفيع للقدوة، لكسب القلوب وترك الأُثر الحسن في النفوس، فمع مخالفة الهدهد وغيابه من بين الجند، وغضب سليمان وتوعده له، إلا أنه استمع له شرحه وإسهابه ومبرراته، {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:22] ، وما بعدها.
63- عدم الاستخفاف بالرعية: والأتباع واستجهالهم، لما فيه من القهر لهم واستحماق عقولهم، كما فعل فرعون النموذج القرآني للقائد الفاشل! { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [الزخرف:54] ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَعْنَى فَاسْتَجْهَلَ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ بِخِفَّةِ أَحْلَامِهِمْ، وَقِلَّةِ عُقُولِهِمْ. [فتح القدير (4/641)] .
64- حُسن الخُلُق: عماد شخصية القائد المؤثر، وعامل أساسي في القدوة العملية الفعالة، لذلك أثنى الله سبحانه على نبينا عليه الصلاة والسلام أعظم قدوة بقوله عز وجل {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم:4] ، وَالْخُلُقُ الْعَظِيمُ: هُوَ الْخُلُقُ الْأَكْرَمُ فِي نَوْعِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ الْبَالِغُ أَشَدَّ الْكَمَالِ الْمَحْمُودِ فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ، وهو أَرْفَعُ مِنْ مُطْلَقِ الْخُلُقِ الْحَسَنِ. ينظر التحرير والتنوير (4/564).
65- الصدق في الوعد: والوفاء بالعهد من أخلاقيات الكبار والعظماء، لما يترتب عليه من بناء الثقة بين الأفراد، وتوطيد أواصر التعاون في المجتمع، قال سبحانه عن إسماعيل عليه السلام { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } مريم:54، فَصِدْقُ الْوَعْدِ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ، كَمَا أَنَّ خُلْفَه مِنَ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ. [تفسير ابن كثير (5/239)] .
66- الإحسان بمختلف الأزمان: وتقلبات الدهر صفة ملازمة للقائد الثابت والقدوة الحسنة، فلا ينحدر بأخلاقه مهما تغيرت الظروف والأحوال، { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [يوسف:36] ، قيلت ليوسف مرتين: عندما كان في السجن، وثانية لما أصبح عزيز مصر! فالمحسن لا تغيره الدنيا ولا تبدله الأحداث.
67- يُحب لأتباعه الخير: كما يحبه لنفسه، وهذا قمة الإيثار والنُبل والعطاء، واقتلاع جذور الأنانية وحب الذات، قال تعالى عن الخليل إبراهيم {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة:124] ، وقد جرى إبراهيم على سنة الفطرة، فتمنى لذريته الخير في أجسامهم وعقولهم وأخلاقهم. [تفسير المراغي (1/209)] .
68- التفاؤل: وبناء روح الأمل والطموح وعدم اليأس والتشاؤم بكل الأحوال، فموسى عليه السلام في أحلك الظروف وأصعب الأزمات عندما قال له أصحابه {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أجاب بكل ثقة وأمل وتفاؤل { قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء:62] .
69- الإنصاف: في الحكم على الآخرين وإحسان الظن قبل الاستعجال صفة مهمة للقدوات، فقد اتَّهَم سليمان عليه السلام بصره أولا قبل أن يحكم بشكل نهائي على غياب الهدهد، قال سبحانه { وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ } [النمل:20] .
70- الإعتراف بمزايا الآخرين: وإبرازها وإظهارها خُلُق الأنبياء والعظماء، ولا يُنقِص من قدر القدوة ولا يقلل من قيمة الرمز، فهذا نبي الله موسى عليه السلام، كليم الله ومن أولي العزم من الرسل، يقول عن أخيه هارون { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } [ القصص:34] .