أنا أكره إسرائيل!
تستعرض الكاتبة في مقالتها أسباب كرهنا لإسرائيل منذ نعومة الأظافر
- التصنيفات: الواقع المعاصر - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
منذ كنتُ طفلة لا تعرفُ كل الألفاظ، ولا تدرك سوى بعض المعاني، ولا تفقه الكثير الكثير خارج محيطها الصغير؛ رددت أنشودة تحكي عن اليهود الملاعين وعن أبطال فلسطين المقاومين. أعجبني وقع ترنيمها، حركت لساني لأحفظها، ثم رددتها وأنا أتمايل على لحنها، وأزداد تمايلًا وتبسمًا مع نظرات الإعجاب والتأييد التي يبعثها الكبار من حولي. فلسطين وإسرائيل: ليست كباقي الأناشيد التي كنتُ أحفظها؛ كانت نشيدًا يمنحني الحماس الداخلي الذي لا أعرف سببه والتأييد الخارجي ممن حولي دون أن أعرف السبب أيضًا. فقط أعرف أنني لا بد أن أكره شيئًا اسمه إسرائيل وأحب فلسطين.
وما إن انتقلتُ إلى مقاعد الدراسة الابتدائية حتى عادت إسرائيل تنساب حروف اسمها على لساني في غرفة الصف، أهتف مع صديقاتي وخلف معلمتي بكرهها، وأحيي أبطالا يقاومونها. نفس الحماس ونفس التأييد الملازمان لهذين الاسمين (إسرائيل وفلسطين).
أعود للبيت أردد أناشيدًا حفظتها عن الأم، عن الأب، عن الأسرة، عن المدرسة؛ لكن إسرائيل لها وقع مختلف.
وكم من مرة جربت أن أحفظ نشيدًا من خارج مقرر المحفوظات لأردده في طابور الصباح، وأيضًا عندما أهتف ضد إسرائيل وأحيي مقاومة فلسطين فإن الأداء مختلف، والتصفيق أيضًا مختلف. وكم هرعتْ نحوي معلمتي الفلسطينية لتحتضنني بافتخار وحب وسط ابتسامات التأييد من جميع المعلمات، أحببت حضنها وانتشيت بدعمها دون أن أتساءل عن سر تفاعلها، ما هي إسرائيل؟ لا أدري لكني أكرهها.
ومع التقدم في صفوف المرحلة الابتدائية اتسعت مداركي لأتعلم في مواد المطالعة والاجتماعيات عن بلد مسلم مسلوب اسمه فلسطين، عن المسجد الأقصى، وعن عدوٍ محتلٍ غاشم اسمه إسرائيل. نعم في غرفة الصف بدأت أدرك أني أكره إسرائيل فعلًا وأدرك لماذا أكرهها.
وعلى مائدة العشاء، والتلفاز السعودي عبر قناته الأولى يبث نشرة الأخبار التي لا تجذبني ولا أهتم بها؛ طالما كانت إسرائيل الكلمة الرنانة التي تستثير والدي ووالدتي (رحمهما الله) ليعطياننا الأمر بالسكوت ليتمكنا من سماع الأخبار. لم أكن أسمع تفاصيلها؛ لكن كنتُ أسمع مصطلحًا لا أنساه هو (الاحتلال الإسرائيلي الغاشم) إن هذا المصطلح مع تعابير وجه المذيع ومن يسمعه من أسرتي؛ أكد لي أكثر وأكثر أنني أكره إسرائيل.
عاصرت في طفولتي حملات التبرعات في المدرسة وعند المساجد وعبر التلفاز. علموني منذ صغري أن أضع ريالاتي لفلسطين. لماذا؟ لأنها محتلة من قبل إسرائيل. كانت أول دروس البذل التي تلقيتها وتربيت عليها لدعم فلسطين.
حتى المطربين الفنانين الذين خفضهم الفسوق واستهجنتهم الشعوب؛ ترفعهم اللحظة التي يهتفون فيها ضد إسرائيل. لكن الذين خفضتهم لحظة التأييد لإسرائيل أيًّا كانوا؛ سقطوا سقطة لم يرتفعوا بعدها أبدًا.
كبرنا وكبرت مداركنا، قرأنا، سمعنا، فهمنا، رأينا البطش، عايناه، نشأنا جيلًا مسلمًا يكره إسرائيل ويعي لماذا يكرهها.
إلى هنا قد يظن القارئ أن رؤية محمد الدرة وهو يموت بين يدي والده برصاص إسرائيل هي من أكبر مصادر الكراهية تجاه إسرائيل، والحقيقة هي أني اكتشفت أنني كل تلك السنين لم أكره إسرائيل كما أكرهها الآن.
نعم، أريد القول أن كل تلك الأناشيد والمقررات الدراسية والنشرات الإخبارية، كل ذاك الحماس والتصفيق والتأييد، كل الدماء التي رأيتها والقصص التي سمعتها، لم تجعلني أكره إسرائيل كما أكرهها الآن،
إني أكرهها لسبب اسمعوه مني (وأَسمِعوه) لمن يكره إسرائيل ولمن يحبها، أسمعوه لمن يصرح بحبها بوقاحة أو على خجل، ولمن يخفيه إلى أجل
أولا: قولوا لمن يتشدق بضرورة القضاء على خطاب الكراهية ضد اليهود، أنني أكره إسرائيل بناء على هذا الخطاب: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:٦٤].
{لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران : ١٨١].
كيف لا أكره قومًا قتلوا أنبياءهم وأفسدوا في الأرض، لا يحبهم الله، ولعنهم، وغضب عليهم!!
ثانيًا: خبِّروا كل متصهين يُلمّع في إسرائيل أننا أمة تلقت من التجارب ما يكشف لها غدر اليهود وعداوتهم وحقدهم، فبعد أن أُبرمت وثيقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود بعد الهجرة؛ ألم يغدر بنو قينقاع بالمسلمين عندما اعتدوا على حجاب امرأة مسلمة في سوقهم وكشفوا عن عورتها!! عندها حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عن المدينة. ألم يتلوهم في الغدر بنو النضير عندما دبروا مؤامرة لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في دورهم يكلمهم، فهمُّوا بإلقاء صخرة عليه من على سطح منازلهم!! فكشفهم الله له فحاصرهم بجيش من المسلمين حتى أجلاهم عن المدينة. ألم ينتهز يهود بني قريظة فرصة اجتماع الأحزاب لحرب المسلمين ورؤية ما نزل بهم من ضيق وكرب فانتهزوا الفرصة ونقضوا العهد والتحموا مع المشركين!! ففضح الله مكرهم وهزم الأحزاب وتفرغ بعدها النبي صلى الله عليه وسلم لهم فكانت نهايتهم بقتل رجالهم وسبي نسائهم. [الرحيق المختوم ٢١٦، ٢٦٨، ٢٨٢].
كيف يندثر غدرهم وقد حفظته نصوص القرآن والسنة ليبقى في ذاكرة الأمة!!
وأما حقدهم فقد حدثت عنه أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب (زعيم اليهود) فقالت رضي الله عنها: "كنت أَحَبُّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء، في بني عمرو بن عوف؛ غدا عليه أبي حيي بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب، مغلسين، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس فأتيا كالّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوين. فهششت لهما كما كنت أصنع فو الله ما التفت إلي واحد منهما، مع ما بهما من الغم. وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟، قال: نعم والله! قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال : عداوته والله ما بقيت" [سيرة ابن هشام ٥١٩_٥٢٠/ ١].
هذي مشاعرهم تجاه نبينا عليه الصلاة والسلام فمن يلومني في كرهي لهم!!
ثالثًا: قولوا لمن يؤمّل في استقرار إسرائيل وراحتها: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران:١١٢].
يقول ابن كثير في تفسيره: "(وضربت عليهم الذلة والمسكنة) أي: وُضعت عليهم وأُلزموا بها شرعًا وقدرًا، أي: لا يزالون مستذَلّين، من وجدهم استذلهم وأهانهم، وضُرب عليهم الصَّغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون" [تفسير ابن كثير ٢٨٣/١]. إن كرههم قدر، وذلتهم قدر، أقوى من آمال الصهاينة والمتصهينين.
رابعًا: أبلغوا من يريد صد المقاومة عنها أنه يواجه أمرا إلَهيًّا لا صمودًا بشريًا: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأعراف:١٦٧].
قال الطبري في تفسيره: "قيل: إن ذلك العرب، بعثهم الله على اليهود، يقاتلون من لم يسلم منهم ولم يعط الجزية، ومن أعطى منهم الجزية كان ذلك له صغارا وذلة" [الطبري٢٠٥/١٣].
فكيف وهم معتدون، مغتصبون لأرض إسلامية، مدنّسون للمقدسات، مستحلّون الأعراض والدماء!! وكيف ومن يقاومهم في فلسطين إنما يمارس حقه الذي شرعه له الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا . الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:٧٥، ٧٦].
يقول القرطبي في تفسيره: "أوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس. وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال" [تفسير القرطبي ٢٤٢/٥].
إن مقاومة إسرائيل ماضية لا تغذيها مشاعر يمكن انتزاعها أو إعادة تشكيلها بل يغذيها واقع ماثل يفرضها فرضًا.
خامسًا: من طمس مصطلحًا، أو ألغى جزءًا من مقررٍ دراسي، أو غيّر الخطاب؛ طمعًا في منع كراهيتها فقولوا له بيننا وبين يهود تاريخٌ مضى وتاريخٌ حاضر وتاريخُ قادم لا يملكون طمس ماضيه ولا منع مستقبله، إنه تاريخٌ قائمٌ لا محالة لا ينفك اليهود عن أحداثه، نؤمن به كما نؤمن بالساعة التي لن تقوم إلا بعد حدثين يدخل فيهما اليهود، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة» [مسلم ٢٩٤٤/٤].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ل «ا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبيء اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» [مسلم ٢٩٤٢/٤].
يقول النووي: "الغرقد نوع من شجر الشوك يكون ببلاد بيت المقدس وهناك يكون قتل الدجال واليهود"
[شرح النووي ٤/٢٩٢٢].
فكيف لا أكره إسرائيل وقد خبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن قتالها في فلسطين قبل أن يكون لهم وجود في فلسطين، إنها جزء من سنن الله التي أُنبئنا بها، وجزء من واقع ابتلينا به.
فلا والله لن يتبدل مكانها من قلوب المسلمين ما دام فيهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن يريد غرس كراهيتها فليعلم الأجيال آيات الله تعالى وأحاديث نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن أراد انتزاع كراهيتها فليهيئ نفسه لمغالبة نصوص الكتاب والسنة وليبشر بالخيبة والخزي.
ختامًا أقول: وإن غيّر الشاعر أبياته، وقلّب الإعلامي مصطلحاته، وبدّل الشيخ مواقفه، واستحسن السياسي سياساته، وتخلت الشعوب عن قضيتها؛ سأظل أكره إسرائيل.
منى الشهري