لغة الشكر خير من لغة الشكوى 3
خالد سعد النجار
أول مراتب سعادة العبد أن تكون له أذن واعية، وقلب يعقل ما تعيه الأذن، فإذا سمع وعقل تذكر فضل الله عليه. كلما تجددت له نعمة جدد لها شكراً. فهذا على خير وإلى خير..
- التصنيفات: تربية النفس - تزكية النفس - الطريق إلى الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
نصائح لاكتساب فضيلة الشكر والتحلي به
6- أن ينظر الإنسان إلى من دونه في أمور الدنيا. فإذا فعل ذلك استعظم ما أعطاه الله تعالى وفضّله به على غيره، فلم يعب نعمة ولم ينتقص عطية، فقام بمحبة الله تعالى وشكره، وتواضع لربه، وفعل الخير، فكان من الشاكرين.
وهذا ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم»(سنن الترمذي: 2513).
إن الإنسان إذا وضع نصب عينيه هذا المعنى الجليل الذي اشتمل عليه هذا الحديث الشريف رأى أنه يفوق كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت بالحال، فيزول همه وقلقه، ويزداد سروره واغتباطه بما هو فيه من نعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها.
وما أحسن ما قاله بعض السلف: (لَنِعمُ الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها، وذلك أن الله لم يرضَ لنبيه الدنيا، فلأَنْ أكون فيما رضي الله لنبيه وأحبَّ له، أحبُّ من أن أكون فيما كرهه له وسخطه).
7- وما يساهم في علاج تقصير الناس في الشكر التواصي بشكر نعم الله والقيام بحقها، فإن تذكير الناس بالشكر أمر مطلوب، لاسيما من صاحب كلمة مسموعة، كخطيب جمعة وإمام مسجد وغيرهما من واعظ ومحاضر.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (تذاكر النعم شكر).
وقد كان السلف من هذه الأمة من الصحابة والتابعين يلهجون بشكر الله تعالى وحمده، والثناء عليه، عند كل لُقِيٍّ واجتماع.
وما ذلك إلا لاستنارة قلوبهم، ومعرفتهم لنعمة الله تعالى عليهم، بل إن بعضهم كان يتقصد لقاء أخيه، ويسأله عن حاله مع قرب العهد بينهما وما مقصده من سؤاله أو السلام عليه إلا أن يسمع منه حمد الله تعالى والثناء عليه سبحانه.
وقد جاء ذلك في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته الشريفة.. فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل: كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أحمد الله إليك يا رسول الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا الذي أردتُ منك» ومعنى (أحمد الله إليك): أحمد الله معك، أو أشكر معك أياديه ونعمه. فـ (إلى) بمعنى (مع)».
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سلم على رجل، فرد عليه السلام. وقال للرجل: كيف أنت؟ قال الرجل: أحمد الله إليك، قال عمر: هذه أردت منك.
وعن علقمة بن مرثد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إنْ كنا لعلنا أن نلتقي في اليوم مراراً، يسأل بعضنا بعضاً عن حاله، وإنْ نريد بذلك [أي ما نريد بذلك] إلا الحمد لله عز وجل.
وهذا العلاج الذي وصفناه إنما ينفع صاحب القلب المبصر الذي يتأمل في نعم الله تعالى. أما القلب البليد الذي لا يعد النعمة نعمة إلا إذا نزل به البلاء فسبيل صاحبه أن ينظر أبداً إلى من دونه، لعل الله تعالى أن يوقظه من رقدة الغفلة فيرى نعم الله ويقوم بشكرها.
وأول مراتب سعادة العبد أن تكون له أذن واعية، وقلب يعقل ما تعيه الأذن، فإذا سمع وعقل تذكر فضل الله عليه. كلما تجددت له نعمة جدد لها شكراً. فهذا على خير وإلى خير.
أقوال في الشكر
* قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله، حتى ينقطع الشكر من العبد».
* قال الحسن البصري: «إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر، فإذا شكروه كان قادراً على أن يزيدهم، وإذا كفروه كان قادراُ على أن يبعث نعمته عليهم عذاباً».
* قال مطرف بن عبد الله: «نظرت في العافية والشكر فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة، ولأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر».
* قال عون بن عبد الله: «قال بعض الفقهاء: إني نظرت في أمري، لم أر خيرا ً إلا شرا معه، إلا المعافاة والشكر، فرٌب شاكر في بلائه، ورُب معافى غير شاكر، فإذا سألتم الله فاسألوهما جميعا».
* قال مخلد بن الحسين: «كان يقال: الشكر ترك المعاصي».
* قال ابن رجب: «كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدا فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر».