الثواب العظيم والأجر الكريم للحجاج والمعتمرين
عبد اللطيف محمد النمر
توافد المسلمون إلى مكة وإلى بيت الله الحرام ليؤدوا فريضة من فرائض الله عليهم، وركنا من أركان الإسلام. فالحج دعامة من الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام، ففي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» (صحيح البخاري: 8).
- التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الأيام يتوافد المسلمون إلى مكة وإلى بيت الله الحرام، ممن أرادوا الحج والعمرة، يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا.
توافدوا إلى مكة وإلى بيت الله الحرام تنفيذا لأمر الله عز وجل: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} [آل عمران: 97].
وتلبية لنداء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وقد أمره ربه عز وجل بذلك فقال له: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ (29)} [الحج].
توافد المسلمون إلى مكة وإلى بيت الله الحرام ليؤدوا فريضة من فرائض الله عليهم، وركنا من أركان الإسلام. فالحج دعامة من الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام، ففي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» (صحيح البخاري: 8).
وجاء في صحيح الإمام مسلم (في باب فرض الحج مرة في العمر) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ". فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فســكت (رســول الله صلى الله عليه وســلم) حتى قال (السائل) ثلاثا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم. ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».
وفي الســــنة المطهرة بيان منزلة هذه الفريضة العظيمة، ومكانتها عند الله عز وجل، وما وعـد به أربابها من الثواب العظيم والأجر الكريم.
ففي صحيح البخاري – في باب فضل الحج المبرور – عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله». قيل ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله». قيل ثم ماذا قال: «حج مبرور».
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، لَـكُنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور».
وفي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
فالحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، كما قال تعالى: {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}{سورة البقرة: 197}.
قوله عز وجل: (فلا رفث) يطلق الـرَّفَثُ على عدة معانٍ، فهو يطلق على الكلام القبيح، وفي الحديث: إنّ أخًا لكم لا يقول (الرفث)، يعني بذلك عبد الله بن رواحة.
ويطلق الرفث كذلك على الكلام في شـؤون النساء، وقال الأزهري: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.
كما يطلق الرفث على الجماع، وذلك في قوله تعالى: " {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}{سورة البقرة:187} وكل ذلك مراد في الآية في قوله تعالى: {فلا رفث}.
أما الفسوق فيشمل الكفر بالله عز وجل، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}{سورة الكهف: 50}.
هذا وقد أمر الله عز وجل باجتناب هذه الأمور الثلاثة (الرفث والفسوق والجدال) في الحج بصفة خاصة، وإنْ كان منهيا عنها بصفة عامة، لأنها في الحج أشد قبحا وأبعد عن التقوى.
وبعد أن نهي الله عز وجل عن هذه الأمور الثلاثة، أوصى عباده بفعل الخيرات. وكما أمرهم بالتزود للحج أمرهم بالتزود للآخرة، وبيّنَ لهم أن التقوى هي خير زاد يَقْدُمُ به العبد على ربه عز وجل، فقال سبحانه:{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.
وخص أولى الألباب بالخطاب تشريفا لهم، ولأنهم أسرع الناس استجابة لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم.
هذا وقد جاء النهي عن هذه الأمور الثلاثة مع (لا) النافية للجنس ليشمل جنسَ هذه الأمور: أيْ لا يقع منها شيء البتة مهما كان صغيرًا أو قليلا، وإلا انتفى الجزاء المترتب على اجتنابها، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشــيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ".
وفي البخاري، في باب فضل الحج المبرور، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
وفي صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه. قال عمرو فقبضت يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا عمرو؟ قلت أردت أن أشترط. قال تشترط بماذا؟ قلت أن يغفر لي. قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله».
وفي صحيح مسلم – في فضل يوم عرفة - عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ "، وفي رواية أنه سبحانه وتعالى يقول: " أُشْهِدُكُمْ أني غفرت لهم».
وفي كتاب فقه السنة، للشيخ سيد سابق، في فضل الحج والعمرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحجاج والعمار وفد الله، إنْ دعوه أجابهم، وإنْ استغفروا غفر لهم». رواه النسائي وابن ماجه (وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما) ولفظهما: «وفد الله ثلاثة الحاج والمعتمر والغازي».
كل هذه النعم العظيمة والخيرات الكثيرة، تفضل الله عز وجل بها على الحجاج والعمار الذين استجابوا لأمر ربهم، ولبوا دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام.