أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ
أبو الهيثم محمد درويش
{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } [الفرقان 45 – 46]
- التصنيفات: التفسير -
من آيات الله سبحانه و عجيب خلقه أن جعل الظل متحركاً على مدار تواجد الشمس و لو شاء أن يجعله ثابتاً دائما لجعله كذلك و لكن لحكمة يعلمها سبحانه و لمصالح قدرها جعله متحركاً , لينبت هذا في الظل و يستفيد هذا بالشمس , و لله الحكمة البالغة في خلقه و تدبيره .
{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } [الفرقان 45 – 46]
قال الطبري في تفسيره :
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} يعني: من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس.
قوله: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } يقول: ولو شاء لجعله دائما لا يزول, ممدودا لا تذهبه الشمس, ولا تنقصه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } يقول: دائما.
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال, ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } قال: لا تصيبه الشمس ولا يزول.
حدثنا القاسم. قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مجاهد { وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } قال: لا يزول.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا } قال: دائما لا يزول.
وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا } يقول جلّ ثناؤه: ثم دللناكم أيها الناس بنسخ الشمس إياه عند طلوعها عليه, أنه خلْق من خلق ربكم, يوجده إذا شاء, ويفنيه إذا أراد; والهاء في قوله: " عليه " من ذكر الظلّ. ومعناه: ثم جعلنا الشمس على الظلّ دليلا. قيل: معنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس التي تنسخه لم يعلم أنه شيء, إذا كانت الأشياء إنما تعرف بأضدادها, نظير الحلو الذي إنما يعرف بالحامض والبارد بالحارِّ, وما أشبه ذلك.
قال السعدي في تفسيره :
أي: ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك وسعة رحمته، أنه مد على العباد الظل وذلك قبل طلوع الشمس {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ } أي: على الظل { دَلِيلًا } فلولا وجود الشمس لما عرف الظل فإن الضد يعرف بضده.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } فكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل شيئا فشيئا، حتى يذهب بالكلية فتوالي الظل والشمس على الخلق الذي يشاهدونه عيانا وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما وتعاقب الفصول، وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك- من أدل دليل على قدرة الله وعظمته وكمال رحمته وعنايته بعباده وأنه وحده المعبود المحمود المحبوب المعظم، ذو الجلال والإكرام.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن