من ينهي الحكاية - مذكرات مرابطة (4)
سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).
جيل_الفتح:
كعصافير التحرير كانوا يجوبون ساحات المسجد الأقصى بلا كللٍ ولا ملل، تسمع أصواتهم تردّد ما حفظوه من القرآن في هذه الناحية، وأصواتُ أناشيد النصر تصدح من حناجرهم الغضّة في الناحية الأخرى، وأصوات تكبيرٍ يتسابقون برفع أصواتهم لتصل لأبعد مدى، كان الأقصى بهم سعيداً مبتهجاً.
كنتُ أتجوّل طوال الوقت سعيدةً بين حلقات الأطفال في ساحات الأقصى التي أقمناها في عطلتهم الصيفية، أردنا أن نكسر شوكة الاحتلال رغم كلّ التضييقات، ونحيي التواجد الإسلاميّ في مكانه الحقيقي أكثر، فأقمنا لهم أنشطةّ صيفيّة متنوّعةً قمنا بتدريب 60 طالبةً من طالبات العلم في المصاطب للعمل كمرشداتٍ في هذه الأنشطة من خلال دورة مكثفة.
لم يرُق هذا التواجد الإسلاميّ الكثيف متنوع الأعمار لجنود الاحتلال، فقد بلغ عدد الأطفال في هذه الأنشطة قرابة ال1000 طفل، فبدؤوا باحتجازهم على الأبواب ومنعهم من الدخول إلا بشرط واحد، "الي بحكيلنا اسم مرشدتهم بدخل"، ولكنّهم كانوا يستمرّون بالتكبير على الأبواب دون البوح بأي كلمةٍ ترضي الجنود أو تشبع فضولهم حتى يضطر الجنود لإدخال أخيراً.
استشاط الاحتلال غضباً من هذا الصمود الطفوليّ والتواجد الإسلاميّ، كانوا يحاولون حصر أعداد الأطفال الذين كانوا يدخلون كل يومٍ من باب ويخرجون من بابٍ آخر، أذكر أن جندياً اقترب من مجموعة أطفال يسألهم: "من أي باب دخلتو؟"
فأجابوه بصوتٍ واحد متناغم: من بوابة السماء، تلوّن وجهه واحتقن ثم ابتعد غاضباً.
كانت صورتهم مبهجةً وهم منتشرين يجلبون أكبر عددٍ من التواقيع في مشروع تصحيح الخطأ في المفاهيم المقدسية، كانوا ينشرون المعلومة الجديدة التي تعلموها بكتابتها على ورقةٍ والانتشار بين الناس للتوقيع عليها، ولعلّ أجمل تلك التواقيع تلك التي كانوا يجبرون جنود الاحتلال على توقيعها عنوةً في أن المسجد الأقصى ١٤٤ دونم، هو كامله حقّ خالص للمسلمين.
كانت تلك تجربةٌ في عام ٢٠١٢ لكنها لا زالت مطبوعةٌ على قلبي أستذكرها في كلّ حين، أراهم في قلبي يتقاذفون الماء في ساحة الألعاب المائية، ويركضون في ساحات الأقصى ببلالينهم كيوم عيد.
يتبع...