من ينهي الحكاية - مذكرات مرابطة (19)
سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).
مسيرة من باب المجلس:
وإلى باب حطة ، مركزنا التالي وبؤرة الرباط الجديدة بعد أن مُنعنا أن نقترب من باب السلسلة أو حتى من الأبواب المؤدية إليه، كنّا هناك نرابط منذ ساعات الصباح الباكر رغم أنّ رسالتنا لم تعد تصل بالشكل المطلوب كما كنا في باب السلسلة.
فكرتُ يوماً في خطة بديلة أستطيع الوصول بها إلى باب المجلس مع مجموعةٍ من الأخوات دون أن يلاحظ الاحتلال مفارقتنا لباب حطة، تعاون معي اثنان من الاخوة وقفا على جانب الطريق ينتظران إشارةً مني ليكبرا بأعلى أصواتهما، وبدأت مع الأخوات بالتكبير بصوت منخفض وقراءة آيات من القرآن.
ثم أرسلتُ الإشارة، فكبرا بأعلى صوتٍ لتتحول أنظار الاحتلال إليهما، في تلك اللحظة اتفقت مع خمسة من الاخوات أن ينسحبن باتجاه باب المجلس وعلت أصواتنا بالتكبير، وأرسلت الإشارة مرة أخرى فكبرا لتتحول لهما أنظار جنود الاحتلال لتنسحب خمسة أخوات أخريات، حتى استطعنا جميعاً الانسحاب.
كنت قد اتفقتُ مع مرشدٍ سياحيّ أن ينظرنا باب المجلس مع مجموعة السياح التي برفقته، لأن الاحتلال لا يجرؤ على ايذائنا بوجود هؤلاء السياح، بقي بانتظارنا حتى وصلنا.
جنّ جنون الاحتلال وهم يروننا على باب المجلس نرفع لافتاتٍ ونهتف بأعلى أصواتنا، رغم أن العبارات المكتوبة كلها سبق واستشرت المحامي بها فأخبرني أنها مشروعة ولا يمنعها الاحتلال "من حقي أن أصلي بالأقصى"، "القدس في العيون"، وغيرها.
كان هدفنا من مسيرتنا في حواري القدس بدءً من باب المجلس أن نوصل رسالتنا أننا ممنوعون من دخول الأقصى، مبعدون عنه بلا ذنب، وبدأت أهتف والأخوات تردد من خلفي "يا أردان ويا أردان، إلنا الأقصى وما ينهان"، "يا يعلون ويا يعلون، عز الأقصى ما بيهون"، "يلي تكبر علي الصوت، وإلي بكبر ما بموت".
كنت طوال مسيرتي ألاحظ تربص جنود الاحتلال بي وانتظارهم للحظة المناسبة لاعتقالي، وكانت تحيط بي خمس أخوات حتى بعد أن انتهت المسيرة، توقفنا عند باب العمود فركض الجنود بأسلحتهم خلفي، ركضتُ باتجاه محلٍ لزوجي هناك وهم يركضون خلفي بإصرارٍ وبلا توقف!
دخلت المحل فوجدت ابني أحمد ياسين وأخٍ لزوجي في المحل ولم أجد زوجي، وما هي إلا لحظاتٍ حتى اقتحموا المحل وانهالوا عليّ ضرباً بأيديهم وأقدامهم ويشتمونني بأفظع الشتائم في محاولاتٍ من أخ زوجي أن يكفو عن ضربي بلا جدوى!
لم أكن أشعر بشيء، كانت عيناي معلّقتان بولدي الذي ندّت نظراته عن صدمةٍ تسع الكون وهو يراني أُشتم وأُضرب، دون أن يحرّك ساكناً، ثم اقتادوني لخارج المحل وقنابل الصوت تُضرب والجنود يملؤون المكان، وسياراتهم المدججة بانتظاري وكأنهم قبضوا على مجرمٍ خطير .
جرّوني بلا رحمة ولا أدنى إنسانية، ورموني في الجيب الذي اقتادني لمركز التحقيق وهم يحيطون بي من كل الجوانب، يضربون ويشتمون حتى وصلنا!
يتبع...