رئة دمشق الجنوبية

منذ 2017-08-25

نعم إنها رِئة الحياة لدمشق الأبيّة.. إنها ذاك المخرز الذي سيقتلع عين الفساد والظلم ... إنها جنوب الشام المحاصر.

   كيف تُسعفني الكلمات فأسطرها؟! وكيف تنقذني الأفكار فأنسجها؟! وكيف تدركني المعاني فأنعتها؟! وكيف لي أن أكتب عن بطولات إنسانية واقعية لا خيالية؟ وإرادات صلبة حقيقية لا وهمية؟ إنّها عظيمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وعظيمة بكل مقاييس الإنسانية والعطاء والتضحية والجهاد والصبر..

 نعم إنها رِئة الحياة لدمشق الأبيّة.. إنها ذاك المخرز الذي سيقتلع عين الفساد والظلم ... إنها جنوب الشام المحاصر.

          أستفتح بتحية طيبة معطرة بالتقدير والغبطة، إلى أبطال المنطقة الجنوبية في دمشق، الذين سطروا أروع ملاحم البطولة والشجاعة والشهامة والصمود. تحية إلى الذين ذاقوا مرارة العيش وضنك الجوع وبرد الشتاء، إضافة إلى حصار خانق كاد يودي بهم، لولا إيمانهم الراسخ وإرادتهم الصلبة وتوكلهم على الله تعالى.

          لقد ضَجَّ بها الإعلام برهة من الزمن، ثم صَمّ وعمي وبكم أو تغافل، أو لعله وَمَضَ إلهام خاطف بختم طهران باغته ليغض الطرف عنها ؟!

فلماذا يغض إعلام نظام بشار الطرف عنها ؟

والسبب في ذلك :

إن قرب المنطقة الجنوبية من مركز دمشق جعلها في أهمية إستراتيجية كبيرة، فموقعها لا يبعد عن مركز العاصمة أكثر من أربعة كيلو مترات فقط.

لِما سمعنا وعاينّا من شدة أبطالها، وعزيمتهم الماضية، وإصرارهم على دحر الظالم، واستعادة الحقوق، وإعلاء كلمة الله عز وجل، ونيل حريتهم المسلوبة.

لِما فيها من أهمية دينية سياحيّة حيث مقام السيدة زينب (حسب زعمهم)، وأهمية "تجميعيّة" حيث يتجمع شتات الشيعة فيها من كل بؤرة في الأرض.

تعتبر المنطقة الجنوبية بوابة درعا إلى الشام وبالعكس.

كثافة الإخوة الفلسطينيين في تلك المنطقة (مخيم فلسطين، شارع اليرموك، الحجر الأسود، التضامن، التقدم، شارع العروبة، حجيرة وغيرها من البلدات والقرى والأحياء المحيطة بها).

هي صلة الوصل بين الغوطتين الشرقية والغربية، وطريق المطار يفصل بينهما.

وقوعها غرب طريق المطار الذي هو عصب العاصمة، فمنه تأتي الإمدادات للنظام من إيران وروسيا والعراق ولبنان وبلاد أخرى تُصدّر الجنود المرتزقة.

الخوف من اتصال أبناء جبل العرب في السويداء غرباً مع المجاهدين جنوباً.

خشية إنهاء حكم الشيعة الفارسية على منطقة السيدة زينب.

الخوف من اتصال الجنوب الدمشقي بالجنوب السوري (درعا)، فمائة كيلو متر فقط تفصل المنطقة الجنوبية في دمشق عن الحدود السورية الأردنية.

أحفاد الأقصى وبنو أمية في خندق واحد:

          لقد امتزجت دماء السوريين والفلسطينيين الزكية الطاهرة، فتركوا قوميتهم وراءهم وانسلخوا منها ليقولوا للعالم أجمع: لقد وَحّدنا دينُنا وفرقتنا قوميتُنا، وها نحن في خندق واحد مع إخواننا وأهلنا السوريين لنا ما لهم وعلينا ما عليهم فذاق الفلسطينيون الأبطال أبناء الشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة مثلما ذاق السوريون فيها، فاقتسموا الألم والأسى مناصفة، وقد رضوا بقضاء الله وقدره، وأملهم كبير بتحقق نصر الله.

مرارة الحصار

          ثلاث سنوات مضت والحصار الظالم يذيق تلك المنطقة الصابرة الويلات (قبل المصالحات الوهمية)، وفي كل يوم يشتد الخناق حول رقبة الأهالي ليرفعوا الراية البيضاء، فلا طعام ولا شراب يدخل المنطقة فالحواجز اللعينة مغلقة، ولا علاج ولا حبة دواء، فتضطر النساء لإخراج الأولاد إلى مناطق النظام للعلاج بعد أن تدفع الغالي والرخيص لمافيات الحواجز، عدا ذل التفتيش والمضايقات، ولا كسرة خبز ولا حليب أطفال حتى التصقت بطون الرُضّع بظهورهم من شدة الجوع والمرض، ولا كهرباء ولا شبكات هاتف فضلاً عن شبكات الإنترنت، حتى أنهم تحكّموا بمناهل ماء الشرب فيقطعوها ساعات مديدة وأحياناً أيام كاملة، مما يدفع الأهالي لشراء صهاريج الماء بأثمان عالية.

ولا أي شيء يوحي إلى وجود الحياة فيها، وقد عانى الأهالي أسوء مراحل الجوع والكرب والهزال والأمراض والأوبئة، وقد وصلت بهم الفاقة إلى استباحة لحوم القطط والكلاب، وعاشوا شهوراً طويلة على حساء الماء والبهارات، أو حساء أوراق الشجر التي خرّشتْ أشداقَهم، أو خبز العدس إن وجد، وكل ذلك وأكثر وأهلها صابرون محتسبون، يُصدِّرون الدروس البطولية والعِبر الحية لكل شعب حرٍ أراد العيش بعزة وكرامة، ويُعلِّمون العالَم كيف يكون المؤمن صابراً قوياً دون يأس أو ملل ليبلغ هدفه في نيل حريته.

وبعد ذلك خذلتهم معظم الحكومات الإسلامية والعالمية والعربية إلا من رحم ربي، فهي بِدور المشاهد المصفق، أو المتعامي المتغافل، أو المحرض المغرض، أو المتباكي الذليل.

أساليب الظالم

          لقد جرب النظام النازي كل ما يملك من وسائل، وكل ما استورده من الأنظمة الهمجية في العالم، بأسلحته الثقيلة  والمحرمة لقهر هِمَم هؤلاء العمالقة الأبطال، فأثبتوا له أن سلاحهم أقوى وأمضى بكثير مما يُعده النظام المجرم.

ومن أدوات الفتك والإجرام المستخدمة من قبل نظام بشار:

القصف العشوائي الذي يستهدف الأطفال والشيوخ والنساء والمدارس والمشافي الميدانية والأسواق وأفران الخبز فهي عشوائية في الاسم فقط، ولكنها دقيقة الإصابة على الأرض لاستهدافها المدنيين تحديداً.

التهجير الممنهج الذي يطال أهل السنة حصراً دون غيرهم.

الاعتقالات التي ليس لها أي خطوط حمراء وليس لها أي حدود.

التجويع عبر إغلاق المعابر في وجه المواد الغذائية والضروريات.

الحصار الخانق الذي يحكم على عشرات الألوف بالإعدام البارد.

التشويه المتعمد لشخصيات نظيفة الكف مشهورة في المنطقة بشتى وسائل الدعايات المفتراة.

الاغتيالات الموجهة لقادة الفصائل والشيوخ والرموز المحبوبة التي تحظى بشعبية واسعة.

زرع الفتن بين المدنين والمجاهدين، وبث القلاقل بين الفصائل.

نشر جميع أنواع الفساد في المناطق المحررة، عبر شبكات من العملاء الذين يستغلون حاجات الناس.

الابتزازات وذلك بخطف الأقارب (وخاصة النساء) وطلب الفدية إما المال، أو أن يُسلِّم ذوي المختطف نفسه للنظام إن كان من المعارضين أو المجاهدين.

دعم الفصائل الإرهابية في المنطقة كتنظيم الدولة (داعش) وتحريضه على الفصائل المعتدلة.

الوعود كاذبة لأهالي المعتقلين. إلى غير ذلك من أساليب الوحشية.

لعنة المصالحات والهدن

          لقد فشلت جميع ممارسات النظام النصيري الاستئصاليّة في تركيع المنطقة بالقوة، إلى أن أخرج ورقته الأخيرة في أساليب المراوغة والكذب والخداع، فبعد فشله في البطش والتدمير أخذ يجرب سلاح المفاوضات العبثية، والهدن الخُلّبيّة، عبر أذنابه السماسرة من متمشيخين عملاء مرتزقة، وتجار خونة، ففشِل في البداية دون جدوى، فجميع من في هذه المنطقة خَبروا النظام أنه كاذب أفّاك. فقام بشد الخناق حول أعناق الأهالي في الحصار من جهة، وإرسال الوساطات من المتمشيخين المخادعين من جهة أخرى.

          فإذا بلغ الحصار غايته، ووصلت الروح إلى الحلقوم، وضاقت الأرض على أهلها بما رحبت، وقد بلغت المشقة ذروتها، قبلوا الدخول في مقامرة الهدن مجبورين، وبعدها دخلت المنطقة في جحر مظلم، دهليزه طويل منتن دون مخرج، جحر المصالحات أو الهدن، بعد أن مَصّ الحصار دماءهم، وفَتّ عظامهم، وآذاب لحومهم، وكوى قلوبهم، فأصبحوا كالأشباح بصورة إنسان، فكيف يرى الرجلُ أبناءَه يموتون أمامه أو يكادون وهو يعاين ذلك المشهد وليس بيده ما يُنجدهم إلا القبول بشروط المجرم المتفرعن وهاماناته المتمشيخين ؟!

ملاحظة:

          أيها الأخوة قد تستغربون من إنكاري لكلمة مصالحة أو كلمة هدنة أو كلمة مفاوضات، وهذه الكلمات التي تحمل في طيّاتها إيقاف القتل عموماً شيء مطلوب لحقن الدماء بالمفهوم الدولي والإنساني، واللجوء إلى التفاوض والمسالمة، ولكن إنكاري لها لا لذاتها بل لمن يستخدمها، فالنظام السوري شقيق اليهود في الغدر والخداع ونقض العهود والكذب، وأظنه أكثر خبثاً ونجاسةً وعهراً وصهينةً منهم، فلو قمت (مثلاً) بغسل النظام النصيري مائة مرة ثُلثها بالتراب لحصلت على بني صهيون. ولو أنك ضاعفت سياسة اليهود مئة مرة لحصلت في النتيجة على سياسة النظام السوري الخبيثة، وقد خَبِرَ السوريون هذا النظام من خلال طرقه وألاعيبه وخداعه، فلا يَصدق في كلمة ولا يفي بعهد ولا يؤمَن جانبه، وهذا هو سبب إنكاري لهذه المفاوضات والمصالحات والهدن الكاذبة.

الشيعة ومنطقة السيدة زينب

          لقد مرت فترة على الشيعة الغاصبين المحتلّين، باتوا في أمرِّ أيامهم وأشدها، وقد كَثُر عويلهم، والخوف كاد يقتلهم عندما علموا بانتصارات المجاهدين في درعا الأبية فسمعوا زئير أسود الإمام النووي، وهمهمة أبناء الإمام ابن كثير وأحرار درعا أخذوا يستجدون ويتوسلون نظام النصيرية وقادتهم في قم وكربلاء لنجدتهم مما سينزل بهم، فاستجاب لهم ذاك الروبوت النصيري، وأخذ يُحيك لعبة الكذب والعهر الإعلامي، فبدأ إعلامه البائس العاجز ببث التشويه والافتراءات حول المنطقة الجنوبية، مرة بإشاعة المفاوضات، ومرة الهدنة، ومرة الصلح، ومرة بتسليم المنطقة، إلى أن تحققت هذه الإشاعات بعقد مصالحة بين أهالي المنطقة الجنوبية والنظام.

          والآن ..الشيعة يعيشون عصرهم الذهبي بالرغم من أنهم ليس لهم أي تقدّم على الأرض لا من جهة الغوطة الشرقية ولا من جهة المنطقة الجنوبية المحاصرة، ولكن الأمان الذي حصلوا عليه بسلاح المصالحة جعلهم يتفرعنوا ويتنمردوا فالنظام بهذه الطريقة صَفّد المجاهدين وأطلق يد الشيعة. فباتت منطقة السيدة زينب اليوم مستنقعاً خصباً لجذب الشيعة من كل بلاد العالم وتجميعهم وتجهيزهم وتسليحهم.

أهل الرباط أوعى مما نتصور ....

          لكل جواد كبوة، وخسارة المعركة لا تعني فوات الحرب، مع أنني لا أعتبر أهل المنطقة الجنوبية قد خسروا المعركة فصلابة إرادتهم ما زالت تنبض بالحياة، وهم أحرص وأذكى من أن يمكر بهم خصمهم، ولم يتأثروا قيد أنملة بل قاموا بفضح النظام وشيعته، وهم الآن في استراحة المقاتل ولكن استراحة من نوع آخر في (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). والمجاهدون بهذه الاستراحة (وقد قام النظام ينقض العهود والمواثيق واحدة تلو الأخرى) تمرسوا واحتاطوا بعدما رأوا ما جرى لكثير من المناطق الـمُهادِنة والـمُصالِحة حيث انتهت بهم الحال بتهجيرهم بالحافلات الخضراء من بلادهم إلى الشمال السوري، ضمن خطة التغير الديموغرافي.

والنتيجة أن المجاهدين مرابطون وصامدون وباقون دون أدنى أشك، لنيل إحدى الحسنين إما النصر أو الشهادة.

سياسة النظام الطائفية الخبيثة:

          إن سياسة النظام مع المناطق المحررة باتت مفضوحة الآن، فهي تبدأ ببث الإشاعات المختلفة عن المنطقة لضرب المعنويات، ثم إرسال الوساطات العميلة لعقد جلسات تفاهم، ثم المفاوضات الماكرة، وبعدها الهدن المشروطة، وهذه الشروط لم يتحقق منها شيء (إلا فك الحصار فقط)، تليها المصالحات، ثم التنازلات، وبعدها التهجير الديمغرافي الطائفي، وأخيراً قصف المناطق التي هُجِّر إليها المجاهدون الذين قبلوا بالمصالحة لأول مرة سعياً لإبادتهم. والأدلة الواقعية نراها ظِهاراً نهاراً يومياً في كل بقعة من سوريا.



وأخيراً :

          أقول للنظام وأزلامه المتمشيخين المرتزقة حوله: لا تراهنوا على تلك المنطقة ولينفذ صبركم، ولتسحقوا أصابعكم عضاً عليها ندماً وحسرةً، فلن تنالوا منها إلا ما يُنكّل بكم، وستهزمون كرات ومرات والله مولانا ولا مولى لكم.

          وأقول للأصحاب المتعة واللطم: الطموا وجهوكم وأدباركم ما استطعتم، وعيشوا أيامكم الأخيرة، فالحق سيعود لأهله، وأنتم ستعودون إلى بلادكم في نعوش، أو ستكون في المنطقة الجنوبية قبوركم.

          وأقول لأشراف وكبراء وسادة تلك المنطقة الأسود: يا أحفاد أبي بكر وعمر وعلي وخالد والزبير، قد أكرمكم الله واجتباكم وفضّلكم بهذا الشرف العظيم، فزرع في قلوبكم حب الجهاد والرباط، وغرس في نفوسكم المروءة والشهامة، وألبسكم لباس الشجاعة والبطولة، فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون بإذن الله والله ناصركم، فلا تستكينوا لمخططات أعدائكم ولا لوعوده الزائفة، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واستمسكوا بالعروة الوثقى، وأزيلوا ما بينكم من خلافات لا مكان لها، وخالفوا أهواءكم فضعوا حظوظ النفس وزينة الدنيا وراء ظهوركم، ووحدوا رايتكم ورصوا صفوفكم، وتوافقوا على رجل واحد فالدنيا زائلة ونحن معها زائلون، وستبقى بطولاتكم منارة يهتدي بها الضال، وستبقى ذكراكم تاريخياً مجيداً لأجيال تتراً، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، وليكن أقوى سلاحكم إيمانكم، وذخيرتكم إخلاصكم، وعتادكم تقواكم، وهدفكم رضا الله عز وجل.

فو الله لقد أسستم بعزائمكم بعد إيمانكم الراسخ نموذجاً رائداً يُقتدى به في المنطقة الجنوبية الصامدة، وإن أبطال سوريا من شمالها الشامخ لجنوبها البطل ومن غربها المرابط لشرقها المغوار بل وكل أحرار العالم ليأخذون منكم الدروس والعِبر، فبارك الله مسعاكم وجهادكم، وثبّتكم وأيدكم بجنود أحد وبدر، وجعل كلمتكم هي العليا وكلمة الذين كفروا وفسدوا ونافقوا هي السفلى، والله الغالب على أمره وهو ولي التوفيق.

الكاتب: فراس السقال.

  • 2
  • 1
  • 3,124

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً