مذكرات مرابطة (25)
هنادي حلواني
سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية - قضايا إسلامية -
في المسكوبية:
كصيدٍ ثمين استقبلني أحدهم على باب المسكوبية وهو يقول: "إنتِ هنادي الحلواني؟ من عشرين سنة ما رح تطلعي من السجن" رمقته بنظرةٍ باردة وأنا أتابع طريقي للداخل كأنني أنا من أريدهم لا العكس دون أن أعير كلماته اهتماماً.
استقبلني ضابطٌ دُرزيّ واستدعى لي مجنّدةً قامت بتفتيشي تفتيشاً عارياً مذلاً دقيقاً، قامت بتفتيش حتى أطراف ملابسي، لا أدري ما الذي يمكن أن أكون قد خبأته ويخافونه في زاوية جلبابي الضيقة، ثم انتقلت لحقيبتي ونثرت محتوياتها وهي تتفحصها باهتمامٍ وأنا أراقبها ببرود!
انتقلتُ بعد هذا الإجراء الروتينيّ الشاق إلى غرفة التحقيق والضابط الدرزيّ يخبرني أنني سأبات الليلة على أقل تقدير، وأنهم أوقفوني ل24 ساعة، كان بانتظاري في غرفة التحقيق ضابط يهوديّ اسمه "ألعاد" وبرفقته ذلك الضابط الدرزي.
بدأ التحقيق بسياقٍ عنيف لا يبشر بخير، فقد بدؤوا يطلعوني على معلوماتٍ دقيقة جداً قاموا بإحضارها عني، فمن المطار حصلوا على عدد سفري من خلاله في السنوات الأربع السابقة، ومن الجسر كذلك عرفوا عدد مرات عبوري له، حتى تفاصيل حسابي البنكيّ المشترك مع زوجي راقبوا عدد مرات سحبي منه أو إيداعي فيه، بالإضافة لتفريغٍ لجميع اتصالاتي الهاتفية ورسائلي.
وكل تفصيلة من هذه التفاصيل ما ركضوا خلفها عبثاً إنما ليسألوني عنها فأجيبهم جواباً يرضيهم وإلا علت أصواتهم وصراخهم وبدأت الطاولة تتلقى الضربات العنيفة في محاولةٍ فاشلة لإخافتي، ولن يرضيهم إلا أن أجيبهم إجابةً تجرّمني فيلقون بي خلف القضبان سنواتٍ ويتفرّغوا لملاحقة غيري.
كان الضابط يسألني وعيناه معلقة بشاشة الحاسوب ليقوم بطباعة كل إجابة أجيبها على أسئلته، وإن استفزته إجابة يقوم الضابط الدرزي بمهمة الصراخ والعويل.
وفي غرفةٍ قريبة يجلس هناك ضابطٌ يراقب مجريات التحقيق من مكتبه، وكلما استفزّته إحدى إجاباتي يأتي راكضاً ويقتحم غرفة التحقيق يهذي ويصرخ ويهدّد ويضرب الطاولة.
رمقته بنظرةٍ متفحصةٍ وأنا أدركُ أنه أعلى شأناً من اللذين يحققا معي، واسترخيت في جلستي وأنا أقول له: "مش إنتَ الضابط المسؤول عن التحقيق معي وأنا ما بجاوب إلا ضابط واحد يا إنتَ يا هو".
ثم ألتفتُ للمحقق وأقول له: "إذا إنتَ شايف حالك مش قد التحقيق معي لا تستدعي حد أكبر منك ".
جنّ جنون الضابط وهو يصرخ ويخبرني أنّ من حقه التدخل، وأن عليّ أن أجيب بلا لفٍ ولا دوران، وأنا أرد عليه أن من حقي الصمت، وأني لن أجيب طالما هو في الغرفة يتدخل بمجريات التحقيق، وسألتزم الصمت حتى يعود لجحره الذي خرج منه!
يستمرّ بالصراخ وأستمرّ بتجاهله والحديث للمحقق إلعاد وأنا أقول له: " لو جاء أبرهة الأشرم يسألني ما رح أجاوب غيرك، ريحه واحكيله يطلع، خلينا نكمل شغلنا ".
استمرّ التحقيق على هذا المنوال دون انقطاع، وهم بلا كللٍ ولا مللٍ يحاولون تجريمي وإثبات تهمةٍ عليّ، وأنا أعاند وأنكر وأستفزهم بكل الطرق المتاحة ليعلموا أننا لا ننكسر ولا نخضع، مهما كان إصرارهم فإصرارنا أكبر، ومهما امتلكوا من الوسائل لقهرنا، فالله أعلى وأكبر وما دام معنا لن نهزم ولن نقهر.
لم ينتهي التحقيق بعد..
يتبع...