نعم المصلى (8) الذي باركنا حوله

منذ 2017-09-20

من بركة الشام، أن كثيرا من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله اختارها، مهاجرا لخليله، وفيها أحد بيوته الثلاثة المقدسة، وهو بيت المقدس.

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة "المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.

الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.

س8/ ما معنى قول ربنا سبحانه عن المسجد الأقصى " باركنا حوله"؟

فضائل المسجد الأٌقصى كثيرة، ومناقبه عديدة وخصائصه متنوعة ومكانته رفيعة، ومن الأوصاف التي لا تنفك عنه وملاصقة لذكره ومقترنة معه " البركة"، فقد جمعت تلك الأرض الطيبة والمكان المقدس كل أنواع البركة؛ المكانية والزمانية.. الحسية والمعنوية.. الدينية والدنيوية.


وصف الله عز وجل هذه الأرض بالبركة في خمسة مواضع من كتابه العزيز:

الموضع الأول: قوله سبحانه {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.[1]

فلو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة.[2]

أي: بكثرة الأشجار والأنهار والخصب الدائم، ومن بركته تفضيله على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه وأن الله اختصه محلا لكثير من أنبيائه وأصفيائه.[3]

الموضع الثاني: قال تعالى (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ )[4].

ومن بركة الشام، أن كثيرا من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله اختارها، مهاجرا لخليله، وفيها أحد بيوته الثلاثة المقدسة، وهو بيت المقدس.[5]

الموضع الثالث: قال تعالى {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}.[6]

الموضع الرابع: قال تعالى {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}.[7]

وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَجْرِي إِلَى الشَّامِ رَاجِعَةً عَنِ الْأَقْطَارِ الَّتِي خَرَجَتْ إِلَيْهَا لِمَصَالِحِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، مِنْ غَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ بِقَرِينَةِ أَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ لِسُلَيْمَانَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ سَائِرَةً لِفَائِدَةِ الْأُمَّةِ الَّتِي هُوَ مَلِكُهَا.

وَعُلِمَ مِنْ أَنَّهَا تَجْرِي إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ حَامِلَةً الْجُنُودَ أَوْ مُصَدِّرَةً الْبَضَائِعَ الَّتِي تُصَدِّرُهَا مَمْلَكَةُ سُلَيْمَانَ إِلَى بِلَادِ الْأَرْضِ، وَتُقْفِلُ رَاجِعَةً بِالْبَضَائِعِ وَالْمِيرَةِ وَمَوَادِّ الصِّنَاعَةِ وَأَسْلِحَةِ الْجُنْدِ إِلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَوَقَعَ فِي الْكَلَامِ اكْتِفَاءٌ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ.[8]

الموضع الخامس: قال تعالى {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}.[9]

وَالْمُرَادُ بِالْقُرَى الَّتِي بُورِكَتْ قُرَى بِلَادِ الشَّامِ فَكَانُوا إِذَا خَرَجُوا مِنْ مَأْرِبَ إِلَى الْبِلَاد الشامية قوافل لِلتِّجَارَةِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ سَلَكُوا طَرِيقَ تِهَامَةَ ثُمَّ الْحِجَازِ ثُمَّ مَشَارِفِ الشَّامِ ثُمَّ بِلَادِ الشَّامِ، فَكَانُوا كُلَّمَا سَارُوا مَرْحَلَةً وَجَدُوا قَرْيَةً أَوْ بَلَدًا أَوْ دَارًا لِلِاسْتِرَاحَةِ واستراحوا وَتَزَوَّدُوا. فَكَانُوا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَا يَحْمِلُونَ مَعَهُمْ أَزْوَادًا إِذَا خَرَجُوا مِنْ مَأْرِبَ.[10]

قال ابن تيمية: فَهَذِهِ خَمْسُ آيَاتٍ نُصُوصٍ. و " الْبَرَكَةُ " تَتَنَاوَلُ الْبَرَكَةَ فِي الدِّينِ وَالْبَرَكَةَ فِي الدُّنْيَا. وَكِلَاهُمَا مَعْلُومٌ لَا رَيْبَ فِيهِ.[11]

اكتسبت أرض بيت المقدس البركة الحسية لموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط آسيا بأفريقيا، وخصوبة أرضها وكثرة ثمارها وأشجارها وأنهارها وعذوبة المياه والسهول والجبال.

أما منشأ البركة المعنوية لبيت المقدس، فلقداستها وأنها أرض الأنبياء ومتعبدهم ومعدنهم ومسكنهم، ومهد الرسالات ومهبط الوحي، وملجأ ومأوى ومهاجر الأنبياء الذين اضطهدوا من أقوامهم، وفيها قبورهم، وأن الملائكة باسطة أجنحتها للشام، وأنها مسرى حبيبنا عليه الصلاة والسلام ومعراجه إلى السموات العلى، وأرض المحشر والمنشر وغيرها من الخصائص.

ومن ثمار كونها أرض مباركة:
دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لها بالبركة، وكونها محل الطائفة المنصورة، ورباط المجاهدين، وأن الدجال لا يدخلها بل يقتله عيسى عليه السلام في فلسطين، والإيمان عند ظهور الفتن فيها، ويجتمع فيها المسلمون لقتال اليهود وهزيمتهم، كما أنها أرض المعجزات.

إذا ما أرادت الأمة تحقيق البركة في أعمالها وأوقاتها ونتائجها وثمارها، فلابد من الحفاظ على الأرض المقدسة المباركة من العبث، وتخليصها من الاحتلال والاغتصاب، والحفاظ عليها والانتفاع من بركتها.

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 6
  • 0
  • 44,167

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً