نعم المصلى (10) مهاجر الأنبياء وأتباعهم
أيمن الشعبان
لبيت المقدس مكانة عظيمة في حياة الأنبياء والمرسلين؛ فهو قبلتهم ومنارة الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، فإما ولد فيها نبي أو مر أو مات أو دفن، أو صلى وتقرب إلى الله أو لجأ وهاجر إليها أو عاش.
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية معاصرة - قضايا إسلامية -
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.
الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.
س/ ما هي مهاجر إبراهيم؟
لبيت المقدس مكانة عظيمة في حياة الأنبياء والمرسلين؛ فهو قبلتهم ومنارة الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، فإما ولد فيها نبي أو مر أو مات أو دفن، أو صلى وتقرب إلى الله أو لجأ وهاجر إليها أو عاش.
إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، نشأ في بيئة اجتمع فيها كل أصول وأنواع الكفر والشرك بالله؛ من عُبّاد الأصنام وعبادة الكواكب، وعبودية الحاكم الطاغوت المتسلط النمرود، عند الكلدانيين في أرض بابل من العراق، حتى ثبت وصبر وابتُلي واختُبِر، فلم ييأس ولم يجزع واستمر بدعوة قومه إلى توحيد الله عز وجل فلم يستجب له إلا لوط ابن أخيه وزوجه سارة!
أول من هاجر في سبيل الله لأجل الدين هو إبراهيم عليه السلام، فخرج مع العراق إلى حرّان ثم إلى مصر، وحصلت معه وزوجه سارة القصة المعروفة مع ملك مصر ثم أهداها الأمة القبطية هاجر، ثم انتقل إبراهيم وسارة إلى فلسطين، ولوط هاجر إلى سدوم في الأغوار بين الأردن وفلسطين.
قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}[1]،أي إنه تعالى أتم عليه النعمة، فأنجاه وأنجى لوطا معه إلى الأرض التي باركها، بكثرة ما بعث فيها من الأنبياء الذين انتشرت شرائعهم، في أقاصي المعمور، وكثرة خصبها وأشجارها وثمارها وأنهارها، فهي أس الخيرات الدينية والدنيوية معا.[2]
والهجرة في سبيل الله وبحثا عن مكان آمن تؤدى فيه شعائر الله وتتحقق فيه العبودية كما أراد الله؛ لا تكون إلا من مكان مفضول إلى فاضل شرعا، ومن بيئة بعيدة عن التوحيد والصلاح إلى بيئة موحدة تقية نقية من شوائب الشرك.
والهجرة في سبيل الله عبادة من أعظم الطاعات وأجل القربات، لذلك قرنها الله سبحانه وتعالى بالجهاد فقال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[3]، وقال عز وجل (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[4].
قال ابن القيم مبينا أهمية الهجرة في سبيل الله: فَعُبُودِيَّتُهُ فِيهَا عُبُودِيَّةُ خَوَاصِّ الْعَارِفِينَ، وَهِيَ تُسَمَّى عُبُودِيَّةَ الْمُرَاغَمَةِ، وَلَا يَنْتَبِهُ لَهَا إِلَّا أُولُو الْبَصَائِرِ التَّامَّةِ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ مُرَاغَمَةِ وَلِيِّهِ لِعَدُوِّهِ، وَإِغَاظَتِهِ لَهُ.[5]
ارتفع رصيد تلك الأرض المقدسة، بعد أن وطأها خليل الرحمن، ثم ازداد هذا التعلق والترابط برسالة السماء، بعد أن وهب سبحانه له إسحق ويعقوب، (زيادة وفضلا من غير سؤال، ثم أشار إلى أن منشأ البركة فيهما الصلاح بقوله: "كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ" بالاستقامة والتمكين في الهداية ).[6]
يقول شيخ الإسلام: ومعلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطا إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والفرات.[7]
بعد أن امتن الله سبحانه وتعالى على موسى وقومه من بني إسرائيل بأن أنجاهم من فرعون وجنوده؛ قصدوا البقعة المباركة بيت المقدس بالهجرة، وعندما اقتربوا من الوصول ذكرهم موسى عليه السلام بنعم الله عليهم الدينية والدنيوية، وحثهم على جهاد الجبابرة الوثنيين، فتخاذلوا وعوقبوا بالتيه أربعين سنة!
أرض الإسراء تبقى مهاجر أتباع الأنبياء إلى آخر الزمان خصوصا عند ظهور الفتن، فينتقل أهل الإيمان والصلاح إليها فرارا بدينهم من الفتن وضعف الدين، قال عليه الصلاة والسلام: سَ «تَكُونُ هِجْرَةٌ بعدَ هِجْرَةٍ، فَخِيارُ أهلِ الأرضِ أَلْزَمُهُمْ مُهاجَرَ إبراهيمَ، ويَبْقَى في الأرضِ شِرَارُ أهلِهِا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ، وتَحْشُرُهُمُ النارُ مع القِرَدَةِ والخَنازِيرِ».[8]
قال الشراح: يعني ينتقل من الأراضي التي يستولي عليها الكفرة خيار أهلها، ويبقى خساس تخلفوا عن المهاجرين رغبة في الدنيا، ورهبة عن القتال، وحرصا على ما كان لهم فيها من ضياع ومواش ونحوهما من متاع الدنيا فهم لخسة نفوسهم، وضعف دينهم كالشيء المسترذل المستقذر عند النفوس الزكية، وكأن الأرض تستنكف عنهم فتقذفهم، والله سبحانه يكرههم فيبعدهم من مظان رحمته، ومحل كرامته؛ إبعاد من يستقذر الشيء وينفر عنه طبعه، فلذلك منعهم من الخروج. وثبطهم قعودا مع أعداء الدين.[9]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1](الأنبياء:71-72).
[2]تفسير المراغي.
[3] (البقرة:218).
[4] (النساء:100).
[5] مدارج السالكين (1/241).
[6]تفسير القاسمي.
[7]مجموع (27/506).
[8]السلسلة الصحيحة برقم 3203.
[9]مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/4040).