من مقاصد العلم الشريف
يجب على الداعية بعد تصحيحه للعقائد لابد أن يتحسس الأمراض الأخلاقية الأخرى في المجتمع لتبلغ يده موضع المرض فتعالجه بالحكمة وبالرفق وللين وبالموعظة الحسنة.
- التصنيفات: التصنيف العام - تربية النفس - تزكية النفس - طلب العلم -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
اعلم - أيها العبد المؤمن رحمني الله وإياك - أن مقاصد العلم الشريف متنوعة وكثيرة كما يلي-:
أولاً: منه مقصد العلم بالنسبة للعالم.
ثانياً: منه مقصد العلم بالنسبة لخلق الله.
ثالثاً: منه مقصد العالم بالنسبة للعلم.
أما مقصد العلم بالنسبة للعالم فكما يلي:
أولا: أن يعرف به ربه وخالقه والإيمان ليدخل في دين الإسلام إن لم يدخل بعد أو ليترقى في معارج الإيمان ومقاماته بعد دخوله فيه.
ثانياً: أن يكون ملتزماً شرع الله بمعنى ذلك أن يتقي ربه حق تقواه.
ثالثا: أن يكون قدوة للناس في التقدم في أعمال البر والخير.
رابعا: أن يُحذِّر الناس بعد تفقهه.
خامسا: أن يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم وأن لا يكون في صدره حرج في ذلك أبدا.
أما مقصد العلم بالنسبة لخلق الله فكما يلي:
المقصد الأول المجمل هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور كما قال تعالى { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ } .
وقال تعالى {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} الآية.
وقال تعالى { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
أما وجه إفراد النور وجمع الظلمات ففيه و جهان حسب تقديري كالآتي:-
الوجه الأول: لأن نور الوحي وهو الحق واحد ويخرج من مكان واحد من لدن آدم إلى آخر الأنبياء والظلمات ذو شعب كثيرة ولا تتناهى وتخرج من أماكن كثيرة متفرقة.
الوجه الثاني: لأن النور له صفاء فإذا ازداد فإنما هو نعمة على نعمة وهو العلم والإيمان والظلمات ضرر على ضرر فإذا ازدادت فإنما هي مصيبة على مصيبة وهي الجهل كما قال تعالى {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} وقال تعالى { نُورٌ عَلَى نُورٍ }.
أما المقاصد الأخرى للعلم للخلق بالتفصيل فكما يلي:-
المقصد الثاني: تعبيد الناس إلى خالقهم وتحريرهم من عبادة بعضهم بعض الآخر إلى عبادة رب العباد.
المقصد الثالث: محاربة الأخلاق الرديئة في الناس وكل الفساد.
وقد كان كل رسول أرسله الله يحذر قومه من مساوئ الأخلاق والمعاملة السيئة بعد دعائهم إلى توحيد خالقهم بالعبادة وتقوى الله عزَّ وجلّ, وتفصيل ذلك مبثوث في القرآن الكريم ومعروف.
وقد قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ} الآية.
ولذلك على الداعية بعد تصحيحه للعقائد لابد أن يتحسس الأمراض الأخلاقية الأخرى في المجتمع لتبلغ يده موضع المرض فتعالجه بالحكمة وبالرفق وللين وبالموعظة الحسنة.
المقصد الرابع: توجيه الناس إلى الدار الآخرة والجنة وتربيتهم على حبها أكثر مما يحبون الدنيا.
ولنا في ذلك رسول الله أسوة حسنة حيث لما وقعت البيعة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنصار قالت: وما لنا إن فعلنا ذلك فقال لهم كلمة موجزة: الجنة فقالوا إذا لا نقيل ولا نستقيل.
فأنت ترى وتلاحظ هنا لم يقل لهم مثلاً رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون لكم ملك العرب والعجم في بلادكم ولا إنكم تخرجون من التناحرفيما بينكم إلى السلامة ولا غير ذلك من المصالح الدنيوية وإن كانت ستندرج لهم تحت المقصد النبيل الأول ألا وهو مقصد الجنة.
وهكذا لما كان يمر ببعض أصحابه كأبي عمار وعمار وأمه كان يقول لهم صبرا يا آل ياسر فموعدكم الجنة لكونه المقصد الأعظم الشريف فكان يربيهم على أصحابه بحب الدار الآخرة أو الجنة بأبي هو وأمي.
ويدخل ضمن ذلك المقصد الزهد من الدنيا والتورع عن المشتبهات أوكذلك من الشبهات أو الشكوك.
المقصد الخامس: أن يكون الناس ربانيين أي يعلمون الكتاب ويدرسون كما قال تعال {وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} .
قال البخاري أي يعلمون صغار العلم قبل كباره ولكن ما فسَّره الله بالربانيين هو الأولى والأشمل والأصح في تفسير الآية ولكن ما ذكره االبخاري إنما هو كيفية تعلم العلم فحسب.
أما مقصد العالم بالنسبة للعلم فكما يلي:
أولاً: أن يكتسب به الإخلاص لئلا يكون من الأوائل الذين يسعر به جهنم والعياذ كما في الصحيح: «أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله تبارك وتعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي صلى الله عليه وسلم قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله تبارك وتعالى له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذاك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة له كذبت ويقول الله بل إنما أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له في ماذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتي فقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة».
أما من ابتغى العلم للتكسب بحطام الدنيا الفانية فلا خلاق له في الآخرة وقد خاب وخسر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا . رواه أبو داود وصححه الألباني.
ثانياً: أن يكتسب به تقوى الله وزيادة إيمانه كما قال تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وذلك بأن يتقي به لينجوا من المزالق الدنيوية والأخروية.
ثالثاً:أن يأمر به المعروف بالمعروف وينهي به عن المنكر بلا منكر لينجوا من الخسارة الدنيوية والأخروية.
رابعاً: أن يكتسب منه زهداً وبعداً من فتن الدنيا ما ظهر منها وما بطن ويتقرب به ربه خالقه ومولاه نعم المولى ونعم النصير.
فقد دعا الإمام الشافعي الإمام أحمد بمنصب القضاء في اليمن فقال له: لولا ترددي إليك بهذا العلم ما كلمتك وإنما نتعلم هذا العلم لنكتسب منه زهدا. أو قال كلمة نحوها..
إذن لابد للعالم القصد بمثل هذه المقاصد الحسنة الشريفة للعلم حتى يتسنى للناس أن يتبعوا رضوان الله ويتمسكوا بمنهج الحق بالكامل وليخرجوا من الظلمات إلى النور وليهتدوا إلى الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السموات والأرص.
ألا وهو صراط الذين ألذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
الكاتب: أبو عبدالله عبد الفتاح بن آدم المقدشي