المهمات في صفات القدوات من القرآن الكريم (8) (71-80)
أيمن الشعبان
همسات تربوية وخواطر قرآنية من هداية كلام رب البرية.
- التصنيفات: التصنيف العام - تربية النفس - تزكية النفس - محاسن الأخلاق -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه همسات تربوية وخواطر قرآنية من هداية كلام رب البرية؛ عبارة عن فوائد وإرشادات مقتضبة، ووصايا وتوجيهات مختصرة، وبرقيات عاجلة، تنير الطريق وترسم المعالم، مستقاة من أخلاق الكبار وصفات العظماء، من الأنبياء والأصفياء، لصناعة وإيجاد قُدوات عملية ونماذج ربانية.
71- نشر الطمأنينة في النفوس: سيما في الظروف الحرجة والاستثنائية وأوقات القلق؛ صفة مهمة وعظيمة للقدوات والقادة المتميزين، قال يوسف لأخيه يطمئنه {إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[1]، وقال الرجل الصالح لموسى عليه السلام {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[2]، وقال سيد القدوات عليه الصلاة والسلام لصاحبه {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[3].
72- كمال التجرد في النصيحة: بعيدا عن حظوظ النفس والهوى وردود الأفعال الشخصية؛ صفة عزيزة من صفات الرمز والقدوة المتميز، فعندما طلب الذي نجا من السجن من يوسف عليه السلام تأويل رؤيا الملك {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا} [يوسف:46] ، لم يقل له لِمَ لَم تخبره بحالي! بل أجابه مباشرة {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} [يوسف:47]، بعيدا عن شخصنة الموضوع لمنفعته الخاصة.
73- رفع معنويات الأتباع: وتثبيتهم عند توجيههم ونصحهم وتحذيرهم من بنيات الطريق، ولا تكتفي بأسلوب النهي والنفي لتوقي المخاطر، وهذا ما فعله يعقوب عليه السلام مع يوسف {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف:6]، أي سيكون لك شأنا ومكانة ومنزلة عظيمة رغم الابتلاء الذي سيكون بسبب حسد إخوته.
74- صلاح المعتقد: صفة أصيلة للقائد والرمز لما لها من أُثر وانعكاس كبير على صحة عقيدة ودين الناس، لتأثرهم الكبير بقدوتهم، قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] ، يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقول ويعلن بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم: الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، والأعمال الصالحة.[4]
75- الاستقامة: على أمر الدين وديمومة الطاعة واستمرارية الصلة بالله تجعل من القدوة مثلا أعلى يُحتذى به، قال تعالى موجها نبيه عليه الصلاة والسلام بلزوم هذا الطريق الذي سار عليه إخوانه من الأنبياء صلوات الله عليهم {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:112] ، قال ابن كثير: يأمر تعالى رسوله والمؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة، وذلك من أكبر العون على النصر.
76- الاستقلالية: في شخصية القائد سمة بارزة وصفة مهمة من صفات القدوة، بعيدا عن التبعية في المواقف والسذاجة في الآراء والتقليد الأعمى، فيكون مؤثرا لا متأثرا، لذلك قرر القرآن هذه الحقيقة بصراحة كاملة، وصدح بها نبينا عليه الصلاة والسلام {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] .
77- الوسطية والاعتدال: في جميع أمور الحياة من أهم صفات القائد الناجح، وخير الأمور أوسطها، كما قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:29] ، أي الوسطية في الاعتدال، وترك الإسراف والتقتير.[5]
78- تحمل المسؤولية: الملقاة على عاتق القدوة والقائد بمختلف المجالات، والجدية في أداء المهام على الدوام سمة بارزة في القيادي الناجح، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الأنبياء وحثنا على الاقتداء بهم لتحقيقهم ذلك على أتم وجه، قال تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] .
79- الفصل بين المسؤولية والعاطفة: في مصالح الأمة والقضايا المهمة والمواقف الحرجة، وعدم المحاباة والقرابة والمجاملة، فعندما رجع موسى ورأى قومه قد عبدوا العجل، لم تمنعه قرابته ومحبته لهارون من التدقيق معه والاستفصال والاستبيان، {قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه:92-93] .
80- قوة الإيمان: سلاح عظيم للقائد الناجح، لما يترتب عليه من الحياة الطيبة والاستخلاف في الأرض والتمكين والعزة، والثبات في المواقف وتحقيق الأهداف، قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور:55] ، وقال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] .