إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ
أبو الهيثم محمد درويش
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ * وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
- التصنيفات: التفسير -
خطاب من الله إلى رسوله صلى الله عليه و سلم في خواتيم سورة القصص يحمل الكثير من أوجه بيان الحق و التحذير من الباطل :
1- الملك جل جلاله لم يخلق الخلق عبثاً و إنما خلقهم لغاية واضحة أكدها سبحانه و بينها أوضح بيان و هي عبادته وحده لا شريك له , ثم هو رادهم جميعاً إلى موعد محدد ليحاسب الضال و المهتدي و هو أعلم بهم من أنفسهم فلا خفاء و لا نفاق يومها و لا مهرب .
2- نزل القرآن على محمد صلى الله عليه و سلم دون طلب مسبق منه أو حتى توقع , و إنما هي رحمة الله به و بالعالمين أن أنزل رسالته الأخير تحمل في طياتها طريق السعادة و تحذر بكل وضوح من طرق الشقاء .
3- لا تلتفت لوسائل الصد على سبيل الله بعد إذ وضحه لك و هداك إليه و لا تعاون أو توالي عدوا لله فتهلك مع من هلك من المشركين المعادين لله و جنده .
4- لا تدع مع الله إلها آخر (لا نبياً و لا ملكاً و لا ولياً و لا قانوناً و لا طاغية و لا منهجاً ضالاً تتبناه و تعتقده مجانباً منهج السماء ) فكل هذا هالك فان ناقص بينما البقاء السرمدي و الكمال المطلق لله وحده سبحانه .
{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ * وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص 85-88]
قال السعدي في تفسيره :
يقول تعالى { { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ } } أي: أنزله، وفرض فيه الأحكام، وبين فيه الحلال والحرام، وأمرك بتبليغه للعالمين، والدعوة لأحكام جميع المكلفين، لا يليق بحكمته أن تكون الحياة هي الحياة الدنيا فقط، من غير أن يثاب العباد ويعاقبوا، بل لا بد أن يردك إلى معاد، يجازي فيه المحسنون بإحسانهم، والمسيئون بمعصيتهم.
وقد بينت لهم الهدى، وأوضحت لهم المنهج، فإن تبعوك، فذلك حظهم وسعادتهم، وإن أبوا إلا عصيانك والقدح بما جئت به من الهدى، وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق، فلم يبق للمجادلة محل، ولم يبق إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة، والحق والمبطل. ولهذا قال: { {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } } وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي، وأن أعداءه هم الضالون المضلون.
{ { وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ } } أي: لم تكن متحريا لنزول هذا الكتاب عليك، ولا مستعدا له، ولا متصديا. { {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } } بك وبالعباد، فأرسلك بهذا الكتاب، الذي رحم به العالمين، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فإذا علمت أنه أنزل إليك رحمة منه، علمت أن جميع ما أمر به ونهى عنه، فإنه رحمة وفضل من اللّه، فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه، وتظن أن مخالفه أصلح وأنفع.
{ {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} } أي: معينا لهم على ما هو من شعب كفرهم، ومن جملة مظاهرتهم، أن يقال في شيء منه، إنه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة.
{ {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ } } بل أبلغها وأنفذها، ولا تبال بمكرهم ولا يخدعنك عنها، ولا تتبع أهواءهم.
{ { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ } } أي اجعل الدعوة إلى ربك منتهى قصدك وغاية عملك، فكل ما خالف ذلك فارفضه، من رياء، أو سمعة، أو موافقة أغراض أهل الباطل، فإن ذلك داع إلى الكون معهم، ومساعدتهم على أمرهم، ولهذا قال: { { وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} } لا في شركهم، ولا في فروعه وشعبه، التي هي جميع المعاصي.
{ {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} } بل أخلص للّه عبادتك، فإنه { {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} } فلا أحد يستحق أن يؤله ويحب ويعبد، إلا اللّه الكامل الباقي الذي { {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} } وإذا كان كل شيء هالكا مضمحلا، سواه فعبادة الهالك الباطل باطلة ببطلان غايتها، وفساد نهايتها. { {لَهُ الْحُكْمُ} } في الدنيا والآخرة { {وَإِلَيْهِ } } لا إلى غيره { {تُرْجَعُونَ} } فإذا كان ما سوى اللّه باطلا هالكا، واللّه هو الباقي، الذي لا إله إلا هو، وله الحكم في الدنيا والآخرة، وإليه مرجع الخلائق كلهم، ليجازيهم بأعمالهم، تعيَّن على من له عقل، أن يعبد اللّه وحده لا شريك له، ويعمل لما يقربه ويدنيه، ويحذر من سخطه وعقابه، وأن يقدم على ربه غير تائب، ولا مقلع عن خطئه وذنوبه.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن