شرح حديث: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى
عبد الله بن حمود الفريح
الحديث فيه بيان عطايا أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، وحصلت بالذكر لأنها من أفضل ما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم وامتن الله تعالى عليه وعلى أمته به.
- التصنيفات: التصنيف العام - شرح الأحاديث وبيان فقهها -
عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود، قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ. فَيُقْبَضُ مِنْهَا. وَإِلَيْهَا يُنْتَهِى مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا. فَيُقْبَضُ مِنْهَا. قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِالله مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئاً الْمُقْحِمَاتُ (رواه مسلم) .
ترجمة راوي الحديث:
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في الحديث الحادي والثلاثين من كتاب الإيمان.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم، حديث (173)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في " كتاب تفسير القرآن" " باب ومن سورة النجم" حديث (3276)، وأخرجه النسائي في " كتاب الصلاة " " باب فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين في إسناد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه واختلاف ألفاظهم" حديث (450).
شرح ألفاظ الحديث:
• (وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ): قيل هذا وهمٌ من الراوي والصواب أنه في السماء السابعة كما تقدم في حديث أنس رضي الله عنه، وهو اختيار القاضي عياض، والقرطبي [انظر المفهم (1/ 394)]، وللنووي جمع بين الروايتين حيث قال:" قال القاضي: كونها في السابعة هو الأصح، وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى، وتسميتها بالمنتهى، قلت: ويمكن أن يجمع بينهما، فيكون أصلها في السادسة، ومعظمها في السابعة" [شرح مسلم (3/ 5)].
• (إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الأَرْضِ): أي يقف عندها كل ما يصعد من الأرض من أعمال العباد والأرواح.
• (فَيُقْبَضُ مِنْهَا): أي تقبضه الملائكة فتوصله إلى ما أمرت به.
• (فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ): أي يغشى السدرة فراش من ذهب، والفراش الحشرة التي تطير وتلقي نفسها في ضوء السراج.
• (خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ): من قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون} إلى ختام السورة.
• (الْمُقْحِمَاتُ): بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء، وهي كبائر الذنوب التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها" [شرح مسلم للنووي (3/ 6)].
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث فيه بيان عطايا أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، وحصلت بالذكر لأنها من أفضل ما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم وامتن الله تعالى عليه وعلى أمته به وهي:
• أعطي الصلوات الخمس وتقدم الكلام على فضلها، وهي خمس بالفعل وخمسون في الميزان.
• وأعطي خواتيم سورة البقرة، وجاء فضلها أيضاً في الصحيحين من حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه»
قال ابن القيم رحمه الله: " الصحيح أن معناه كفتاه من شر ما يؤذيه، وقيل كفتاه من قيام الليل وليس بشيء" [الوابل الصيب ص (131)].
ومما يدل على عظيم ما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخواتيم ما حوته من ثناء ودعاء [انظر المفهم (1/ 395)]، ثناء على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حيث قال الله عنهم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] فأعطاهم الله تعالى من التخفيف واستجابة الدعاء بقوله" {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
والله تعالى يقول بعد دعائهم (قد فعلت) كما ثبت في صحيح مسلم وتقدم الكلام على هذا الحديث.
• وأعطي النبي صلى الله عليه وسلم فضل التوحيد على الأمة ألا يخلد صاحب الذنب في النار ولو كانت ذنوبه من المقحمات وهي الكبائر.
قال النووي رحمه الله: " ومعنى الكلام: من مات من هذه الأمة، غير مشرك بالله، غفر له المقحمات، والمراد والله أعلم، بغفرانها أنه لا يخلد في النار، بخلاف المشركين، وليس المراد أنه لا يعذب أصلاً، فقد تقررت نصوص الشرع وإجماع أهل السنة على عذاب بعض العصاة من الموحدين.
الفائدة الثانية: الحديث فيه ذكر سدرة المنتهى مكانها ووصفها، وتقدم الكلام عليها، وتوجيه رواية أنها في السماء السادسة، والأظهر والله أعلم ترجيح رواية أنس رضي الله عنه وأنها في السماء السابعة، فهي الأصح والأكثر رواة.
الفائدة الثالثة: الحديث دليل على عاقبة الشرك وذمه وأنه يحرم أهله الخير كله ويُقحم صاحبه النار مخلداً فيها.
الفائدة الرابعة: الحديث رد على الخوارج الذين يقولون بتخليد صاحب الكبيرة في النار، ففي الحديث التجاوز عن صاحب المقحمات وأن مآله إلى الجنة.