حديث: إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار
- التصنيفات: التصنيف العام - شرح الأحاديث وبيان فقهها -
من الأحاديث التي يطعن فيها الطاعنون في صحيح البخاري: ما رواه البخاري برقم (2858) عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ»، قالوا: فيه مآخذ عقدية بتقريره اعتقاد ما يضر وما ينفع من دون الله، وذلك لازم هذا التشاؤم!
وفي الجواب عن هذه الشبهة نقول:
أولاً: هذا الحديث لم يتفرد بروايته البخاري، فقد رواه أيضاً مسلم (2225) وأحمد (4927) وأبو داود (3922) وغيرهم من حديث عبد الله بن عمر، وجاء أيضا من حديث غيره من الصحابة كسهل بن سعد الساعدي كما في صحيح البخاري (5095) ومسند أحمد (22836).
ثانياً: لا شك أن هذا الحديث من المتشابه الذي يحتمل معنى حق ومعنى باطل، والواجب في المتشابه أن يُرد إلى المحكم ليتبين معناه الحق، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7].
ومن الأحاديث المحكمة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أثنى على الخيل وأثنى على المرأة الصالحة والبيت الواسع.
وروى البخاري في صحيحه (2852) من حديث عروة البارقي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ».
وروى البخاري أيضاً (5971) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ!» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ!» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».
وروى البخاري أيضاً (3662) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا».
وروى مسلم في صحيحه (1467) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة».
وروى أحمد (1445) وصححه الأرناؤوط عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح، ومن شقوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء».
قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث: «الشؤم في ثلاث»: "قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته، فإن ذلك خطأ، وإنما عنى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره. قلت: وقد وقع في رواية: ذكروا الشؤم فقال: «إن كان في شيء ففي..»، ولمسلم: «إن يك من الشؤم شيء حق..»، وفي رواية عتبة بن مسلم: «إن كان الشؤم في شيء»، وكذا في حديث جابر عند مسلم، وهو موافق لحديث سهل بن سعد ثاني حديثي الباب، وهو يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف رواية الزهري، قال ابن العربي: معناه: إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء. قال المازري: مجمل هذه الرواية: إن يكن الشؤم حقا، فهذه الثلاث أحق به بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها، وقد يكون سبب هذه الإباحة التي ذكرها القرطبي هو حتى لا يقع في النفس شيء من علائق التشاؤم، فيكون ذلك بمثابة سد الذريعة، كما في الحديث «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ»". فتح الباري لابن حجر (6/ 61) باختصار يسير.
ولابن القيم رحمه الله كلام طويل في شرح هذا الحديث في كتابه مفتاح دار السعادة أكتفي بنقله هنا باختصار لنفاسته، ولذكره أقوال العلماء في توجيهه:
قال ابن القيم: "الواجب بيان معنى الحديث ومباينته للطيرة الشركية، فنقول وبالله التوفيق: هذا الحديث قد روي على وجهين: أحدهما: بالجزم، والثاني: بالشرط، فأما الأول فرواه مالك عن ابن شهاب عن سالم وحمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيهما أن رسول الله قال: «الشؤم في الدار والمرأة والفرس» متفق عليه، وفي لفظ في الصحيحين عنه: «لا عدوى ولا صفر ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار». وأما الثاني ففي الصحيحين أيضا عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله: «إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن» يعني الشؤم، وفي صحيح مسلم عن جابر مرفوعا: «إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس»، وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا: «إن يكن من الشؤم شيء حقا ففي الفرس والمسكن والمرأة»،.. وقالت طائفة أخرى: لم يجزم النبي بالشؤم في هذه الثلاثة، بل علقه على الشرط فقال: «إن يكن الشؤم في شيء»، ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من مفرديها، فقد يصدق التلازم بين المستحيلين، قالوا: ولعل الوهم وقع من ذلك، وهو أن الراوي غلط وقال: «الشؤم في ثلاثة»، وإنما الحديث: «إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة»، قالوا: وقد اختُلف على ابن عمر، والروايتان صحيحتان عنه، قالوا: وبهذا يزول الإشكال، ويتبين وجه الصواب.
وقالت طائفة أخرى: إضافة رسول الله صلى عليه وسلم الشؤم إلى هذه الثلاثة مجاز واتساع أي: قد يحصل مقارنا لها وعندها، لا أنها هي أنفسها مما يوجب الشؤم، قالوا: وقد يكون الدار قد قضى الله عز وجل عليها أن يميت فيها خلقا من عباده كما يُقدِّر ذلك في البلد الذي ينزل الطاعون به، وفي المكان الذي يكثر الوباء به، فيضاف ذلك إلى المكان مجازا، والله خلقه عنده وقدَّره فيه كما يخلق الموت عند قتل القاتل، والشبع والري عند أكل الآكل وشرب الشارب، فالدار التي يهلك بها أكثر ساكنيها توصف بالشؤم؛ لأن من كتب الله عليه الموت في تلك الدار حسن إليه سكناها وحركه إليها حتى يقبض روحه في المكان الذي كتب له كما ساق الرجل من بلد إلى بلد للأثر والبقعة التي قضى أنه يكون مدفنه بها.
قالوا: وكذلك ما يوصف من طول أعمار بعض أهل البلدان ليس ذلك من أجل صحة هواء، ولا طيب تربة، ولا طبع يزداد به الأجل وينقص بفواته، ولكن الله سبحانه قد خلق ذلك المكان وقضى أن يسكنه أطول خلقه أعمارا، فيسوقهم إليه ويجمعهم فيه ويحببه إليهم. قالوا: وإذا كان هذا على ما وصفنا في الدور والبقاع جاز مثله في النساء والخيل، فتكون المرأة قد قدَّر الله عليها أن تتزوج عددا من الرجال ويموتون معها، فلا بد من انفاذ قضائه وقدره حتى أن الرجل ليقدم عليها من بعد علمه بكثرة من مات عنها لوجه من الطمع يقوده إليها حتى يتم قضاؤه وقدره، فتوصف المرأة بالشؤم لذلك، وكذلك الفرس، وإن لم يكن لشيء من ذلك فعل ولا تأثير.
وقالت طائفة أخرى: شؤم الدار مجاورة جار السوء، وشؤم الفرس ألا يُغزى عليها في سبيل الله، وشؤم المرأة ألا تلد وتكون سيئة الخلق.
وقالت طائفة أخرى منهم الخطابي: هذا مستثنى من الطيرة أي: الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم، فليفارق الجميع بالبيع والطلاق ونحوه، ولا يقيم على الكراهة والتأذي به، فإنه شؤم، وقد سلك هذا المسلك أبو محمد بن قتيبة في كتاب مشكل الحديث له، لما ذكر أن بعض الملاحدة اعترض بحديث هذه الثلاثة.
وقالت طائفة أخرى: الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها، فيكون شؤمها عليه، ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤومة عليه، قالوا: ويدل عليه حديث أنس: «الطيرة على من تطير»، وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به.
قالوا: فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصا بمن تشاءم بها وتطير، وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فان الفرس والمرأة والدار لا يكون شؤما في حقه.
وقالت طائفة أخرى: معنى الحديث: إخباره عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز، يعني: أن المثير للطيرة في غرائز الناس هي هذه الثلاثة، فأخبرنا بهذا لنأخذ الحذر منها، فقال: «الشؤم في الدار والمرأة والفرس» أي: أن الحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها، فقال: الشؤم فيها أي: أن الله قد يقدره فيها على قوم دون قوم، فخاطبهم بذلك لما استقر عندهم منه من إبطال الطيرة وإنكار العدوى؛ ولذلك لم يستفهموا في ذلك عن معنى ما أراده كما تقدم لهم في قوله: «لا يورد الممرض على المصح» فقالوا عنده: وما ذاك يا رسول الله؟! فأخبرهم أنه خاف في ذلك الأذى الذي يدخله الممرض على المصح لا العدوى؛ لأنه أمر بالتوادد وإدخال السرور بين المؤمنين؛ وحسن التجاور، ونهى عن التقاطع والتباغض والأذى، فمن اعتقد أن رسول الله نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل أنه مؤثر بذلك دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله، وضل ضلالا بعيدا، والنبي ابتداهم بنفي الطيرة والعدوى ثم قال: «الشؤم في ثلاث» قطعا لتوهم المنفية في الثلاثة التي أخبر أن الشؤم يكون فيها فقال: «لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاثة»، فابتدأهم بالمؤخر من الخير تعجيلا لهم بالأخبار بفساد العدوى والطيرة المتوهمة من قوله: «الشؤم في ثلاثة». وبالجملة فإخباره بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشئومة على من قاربها وسكنها، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدا مباركا، يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدا مشئوما نذلا يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد ولاية أو غيرها، فكذلك الدار والمرأة والفرس، والله سبحانه خالق الخير والشر، والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة، ويقضي سعادة من قارنها، وحصول اليُمن له والبركة، ويخلق بعض ذلك نحوسا يتنحس بها من قارنها، وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة ولذذ بها من قارنها من الناس، وخلق ضدها وجعلها سببا لإيذاء من قارنها من الناس، والفرق بين هذين النوعين يُدرك بالحس فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون، والطيرة الشركية لون آخر". مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن القيم (2/ 254 - 257) باختصار وتصرف يسير.
فمن فهم وجه هذا الحديث فالحمد لله، ومن لم يفهمه فلا ضير عليه، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، وليس بالضرورة أن نفهم كل حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فكم من عالم يتوقف في بيان معنى حديث، لكن يجب علينا أن نؤمن بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق وإن لم نفهم معناه، ذكر البخاري في صحيحه (9/ 154) عن الإمام الزهري قال: «من الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم»..
حتى في القرآن توجد آيات يُشكل فهمها على كثير من العلماء، وكثير من المفسرين المتخصصين في التفسير يتوقفون في تفسيرها، ولا يجوز لمن لم يفهم آية أو حديثا أن يكذب به، فقد قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].
ومن الآيات التي لا يعلمها كثير من العلماء: الحروف المقطعة في أوائل بعض السور مثل: ﴿ الم ﴾ [البقرة: 1]، ﴿ الر ﴾ [يونس: 1]، ﴿ المر ﴾ [الرعد: 1]، ﴿ كهيعص ﴾ [مريم: 1]، ﴿ طسم ﴾ [الشعراء: 1]، ﴿ حم عسق ﴾ [الشورى: 1، 2].
ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34].
وقوله سبحانه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210].
وقوله عز وجل: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 9].
وقال القرطبي في تفسيره (10/ 356، 357): واختلف الناس في الرقيم، فقال ابن عباس: كل شي في القرآن أعلمه إلا أربعة: غسلين، وحنان، والأواه، والرقيم... وقال ابن زيد: الرقيم كتاب غم الله علينا أمره، ولم يشرح لنا قصته.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "أيها الناس من علم منكم شيئا فليقل، ومن لم يعلم فليقل لما لا يعلم: الله أعلم؛ فإن من عِلم المرء أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]. رواه ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله في باب ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم (1556).
وعن ابن عمر أنه سئل عن شيء، فقال: لا أدري، فلما ولى الرجل قال: نعما قال عبد الله بن عمر، سُئل عما لا يعلم فقال: لا علم لي به. رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1563).
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا عند مالك بن أنس، فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر حملني أهل بلدي مسألة أسألك عنها، قال: فسل، فسأله الرجل عن مسألة، فقال مالك: لا أحسنها، قال: فبُهت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء، فقال: فأي شيء أقول لأهل بلدتي إذا رجعت لهم؟! قال: تقول لهم: قال مالك: لا أُحسن. رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1573).
وذكر ابن وهب في كتاب المجالس قال: سمعت مالكا يقول: ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: لا أدري فإنه عسى أن يهيأ له خير. قال ابن وهب: وكنت أسمعه كثيرا ما يقول: لا أدري. رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1574).
وقال الشيخ بكر أبو زيد: جُنة العالم (لا أدري)، ويهتك حجابه الاستنكاف منها، وقوله: يُقال. وعليه، فإن كان نصف العلم (لا أدري)، فنصف الجهل (يقال) و (أظن). حلية طالب العلم لبكر أبو زيد (ص: 184).
الكاتب: محمد بن علي بن جميل المطري