حديث أن النار لا تمتلئ حتى يضع عليها الجبار رجله فتقول: قط قط
من كان يطعن في هذا الحديث الذي فيه ذكر القدم لله تبارك وتعالى فليطعن في الآيات، أو ليؤمن بها كلها، ويمر آيات الصفات الواردة في القرآن أو في السنة الصحيحة كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
من ضمن ما اتخذه بعض المغرضين سبيلاً للطعن في صحيح البخاري الحديث الذي رواه الإمام البخاري برقم (4472) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتْ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي؛ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ؛ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا».
قالوا: لماذا خلق الله النار ضيقة وهو قادر على أن يخلقها بالحجم الذي يريد سبحانه؟ وذلك بأن يقول لها: كوني فتكون كما قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، ولماذا يضع فيها قدمه حتى تتسع وهو قادر أن يجعلها تتسع بقوله: كن؟
والجواب عن هذا أولاً: بأن البخاري لم ينفرد برواية هذا الحديث، بل قد رواه غيره من الأئمة كما تقدم في المبحث السابق.
ثانياً: قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، ولله حكم في خلقه منها ما نعلمها ومنها ما لا نعلمها، والسؤال لهذا المعترض هو: أليس الله بقادر سبحانه أنْ يدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار دون أن يحييهم في هذه الدنيا؛ لسابق علمه بمن يستحق الجنة ومن يستحق النار؟
الجواب: بلى؛ فإن الله على كل شيء قدير.
أليس الله بقادر على أن يقول للسماوات وللأرض: كوني سماوات وأرضاً فتكون بدلاً من خلقها في ستة أيام كما أخبرنا بذلك في قوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]، وقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] وغيرها من الآيات؟
الجواب: بلى؛ فإن الله على كل شيء قدير.
أليس الله بقادر على أن ينتصر من أعدائه، ويُمَكِّنَ لأوليائه بقوله: كن فيكون؟
الجواب: بلى؛ قال تعالى: {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].
إلى غير ذلك من الأسئلة التي إجابتها هي نفس الإجابة على سؤال هذا المعترض، فالله على كل شيء قدير، ولله حكم منها ما نعلمها ومنها ما لا نعلمها.
ثالثاً: أليس ما ذكره الحديث هنا من سعة جهنم هو ما قرره الله تعالى في القرآن الكريم فقال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]، فما تقول أيها المعترض على السنة النبوية في هذه الآية؟!
وبعضهم اعترض على هذا الحديث من وجه آخر، فقال: كيف يُذكر فيه الرِّجل لله عز وجل؟
وهذا من خبث عقيدة هذا المعترض، فقد ظن أنها رجل وقدم كأرجل وأقدام المخلوقين؛ ولذا أنكرها، ولو كانت عقيدته صحيحة وكان يؤمن بأن لله صفات ليست كصفات خلقه لما أنكر صفات الله المذكورة في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن الله يقول عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وقد ذكر الله لنفسه صفات كثيرة في كتابه كقوله سبحانه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1]، {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42].
فمن كان يطعن في هذا الحديث الذي فيه ذكر القدم لله تبارك وتعالى فليطعن في هذه الآيات، أو ليؤمن بها كلها، ويمر آيات الصفات الواردة في القرآن أو في السنة الصحيحة كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
الكاتب: محمد بن علي بن جميل المطري
- التصنيف:
- المصدر: