في هزيمة الإخوان وتراجع حماس
"المصالحة الفلسطينية" حدث هام اصطفوا حوله يؤيدون ويعارضون.. يدفعون ويصدون. ودعهم وتعال نطوف حولهم ونتأمل حالهم.. نصعد أعلى ننظر في الدوافع وننظر في السياقات وننظر في المآلات، نحاول استخلاص فكرة نراها مهمة نبرزها عظةً لأنفسنا وغيرنا.
في كل حدثٍ ذي بال يقف الناس حوله فريقان: فريق يؤيد ويدافع وفريق يدفع ويعارض؛ وكالعادة: يشتد الجدال بين المؤيدين والمعارضين، حتى يتغير الحدث ويأتي حدث جديد يعودون للجدال حوله مؤيدين ومعارضين. دوامة لا تكاد تنقطع!!
والآن "المصالحة الفلسطينية" حدث هام اصطفوا حوله يؤيدون ويعارضون.. يدفعون ويصدون. ودعهم وتعال نطوف حولهم ونتأمل حالهم.. نصعد أعلى ننظر في الدوافع وننظر في السياقات وننظر في المآلات، نحاول استخلاص فكرة نراها مهمة نبرزها عظةً لأنفسنا وغيرنا.
وأظن أن أهم ما نمسك به في هذا المشهد هو أثر الجمهور في الحدث الفلسطيني وغير الفلسطيني، فهذا المتغير (الجمهور) شديد الأهمية. وأحاول في هذه العجالة أن أنثر بعض الحقائق حول الجمهور بما يناسب المقام:
أولها: مستقل:
حينًا يكون الجمهور فاعل يحرك المشهد وحينًا يكون مفعول به يستخدم أداة لإحداث تحولات في المشهد، وفي الحالتين الجمهور كائن مستقل: له عقل وتفكير مستقل، وله أهداف خاصة يبحث عنها.
ومما يدعم هذه الحقيقة (أن الجمهور مستقل) ما قام به من التحرك بين ضدين في وقتٍ قصير؛ فقد دعم الإسلاميين ودعم أضادهم في أشهرٍ معدودة. تكرر هذا الأمر عدة مرات في واقعنا المعاصر؛ آخرها في مصر حيث اصطف الجمهور خلف الإسلاميين بعد ثورة يناير 2011 وظهر ذلك في استفتاء مارس 2011 وانتخابات مجلس الشعب 2012، حيث حصل مجموع الإسلاميين على أكثر من ثلثي الأصوات، ثم تحرك الجمهور للمعسكر المعادي للإسلاميين سريعًا في 2013.
ثانيًا: له أهدافه الخاصة:
الجمهور له أهدافه الخاصة به، وتكاد تنحصر فيما يتعلق بتحسين ضروريات الحياة من الأكل والشرب والمسكن ونحو ذلك، ويتحرك خلف من يظن أنه سيأتيه بهذه الضروريات.
ثالثها: الهوية تصنع:
هوية الجمهور تصنع.. عقل الجمهور يشكل؛ بأدوات الإعلام وبالقيادات الجماهيرية التي تصنعها أدوات الإعلام، فعامة المتبوعين جماهيريًا من صنيعة الإعلام ولو تحولت عنهم الكاميرا أو توقف تمويلهم أو سحب ترخيصهم ومنعوا رسميًا فلن تراهم، فالصانع –وكله بمشيئة الله وقدره- هو نخبة السلطة والمال، تصنع الجمهور وتشكل وعيه. وهذه الصناعة.. وهذه القيادة مستمرة لا تكاد تنقطع، وتطور نفسها في اتجاه تصاعدي؛ وبدهي أن نسأل: ماذا عن امتلاك الإسلاميين لأدوات صنع الهوية وحرفية الاستخدام؟. بل: ماذا عن وعيهم ابتداءً بأن الهوية تبنى، وأن الدولة القومية جزأت الناس ثم شيدت أمما هويتها الحدود الجغرافية المصطنعة حتى صار كل يُعرِّفُ نفسه بوطنه؟
رابعًا: ليس إسلاميًا:
نعم ينتمي للإسلام جملة، وعندي أن عامة الناس مسلمون، ولكن ما أقصده أن الجمهور منفصل عن أهداف الإسلاميين الكلية. عقلهم علماني.. دنيوي..يبحث عن ضروريات الحياة ولا يبالي بالقضايا الأيدلوجية. وخطامه في يد النخبة العلمانية: نخبة المال والسلطة وما اتصل بهما من النخبة المثقفة.
خامسًا: تسويق الهوية:
أخطأنا حين تحدثنا للناس عن أشخاصنا لا قضيتنا. أخطأنا حين تحدثنا للجمهور على أننا الأقدر على تنفيذ طلباتهم، وكان علينا أن نسوق الهوية الإسلامية. أن نبين للناس أن صلاح دنياهم ثمرة لتحقيق عبوديتهم لله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]، { فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} [ العنكبوت: 17]، وأن الفساد مقرون بالكفر والكافرين والمعصية والعاصين {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، {مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30].. كان علينا أن نربطهم بالإيمان بالله لا بالمؤمنين بالله. نبين لهم أن صلاح حالهم في أن يؤمنوا هم لا أن يثقوا فيمن آمن وفقط. ولا يكفي الشعارات لابد من فعل احترافي ضمن رؤية كلية وخطة استراتيجية تستخدم الإمكانات في تحقيق الأهداف الكلية.
وشيء في غاية الأهمة، هو: أنه لا يصلح أن نتعامل مع الناس بأدوات النخبة العلمانية- نخبة السلطة والمال وما اتصل بهما من النخبة المثقفة- التي تدغدغ مشاعرهم وتعدهم وتمنهيهم ثم تركبهم لأهدافها الخاصة؛ نحن نحمل رسالة الله للناس {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ}، فحالنا كما وصف ربعي بن عامر: (الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة الناس لعبادة الله ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان لعدل الإسلام)، وإن هم فعلوا صلحت دنياهم وأخراهم، وإن رفضوا فالحياة ضنك والآخرة عذاب {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه: 124].
الدرس لم ينتهِ!!
أخطأنا في مصر حين ظننا أن تأييد الجمهور لنا أمارة على إيمانه بقضيتنا ولم نسوِّق له هويتنا.. ولم نسعَ لامتلاك أدوات صنع الهوية.
أخطأنا حين غفلنا عن أدوات العلمانية الشرسة المدعومة دوليًا وإقليميًا والتي صنعت الجمهور الذي اغتررنا به ولم نفهمه وصنعت رموزنا نحن وشكلت قضايانا نحن: فعامة رموزنا من صنع إعلامهم وأموالهم وعامة قضايانا إجابة على أسئلتهم هم وليست طرحًا حرًا حددناه نحن.
أخطأنا حين ظننا أن نخبة السلطة والمال وماا تصل بهما من نخبة الثقافة المدعومة إقليميًا ودوليًا ستتركنا نصلح للناس دنياهم كي يؤمنوا بما آمنا به.
أخطأنا حين لم ننتبه إلى أن الإصلاح السياسي ضرورة لابد منها أولًا.. حين لم ننتبه أن البناء لابد أن يكون على قواعدنا الخاصة بنا المستدمة من ديننا وتاريخنا، فالحسم السياسي لابد منه أولًا، واستقلالية البناء لابد منها أولًا!!
لذا ركبوا الناس وجاءونا واستحلوا حرامنا وحرموا حلالنا وأهانوا كبراءنا وعذبوا شبابنا ولم يرقبوا فينا إلا ولا ذمة.
وقد وعت حماس الدرس، فحاولت مع الجمهور أن تصنع هويته، أن تسلمه الراية، ووقفت نخبة السلطة والمال والنخبة المثقفة على الجانب الآخر تقلب الجمهور على حماس لينفجر المشهد من الداخل، وحين لم تستطع حماس أن تكمل ألقت بالجمهور للعلمانيين. والسؤال: هل يكفي إلقاء الجمهور للعلمانيين؟
لا يكفي مطلقًا: الصراع عندهم يستهدف القضاء على المناهج البديلة وخاصة تلك التي تمتلك رؤية كلية عن الحياة قابلة للتطبيق وتنجح إن أتيحت لها الفرصة مثل منهجنا. ولذا قضيتهم الأولى هي الحسم السياسي وليس الإصلاح الاقتصادي والتمكن من السلطة والمال لا خدمة الناس. ولذا لن يتوقف الأمر بترك الجماهير لهم. مازلنا في الميدان. التدافع سنة باقية لا تنقطع حتى نلق الله. فعلى من ينسحب وينظر للانسحاب أن يعلم أنه في معركة مفتوحة والدرس في مصر لم ينته فما تفعله نخبة الحكم والمال وأوليائهم من المثقفين بالعامة والإسلاميين هو الدرس الأكبر والأهم، وهو ما قال الله عنه: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا } [النساء:53].
إن تشخيص خطأ الإسلاميين في مصر على أنه تحمل لمسئولية الجماهير مبكرًا تشخيصٌ لربع الحقيقة، وثلاثة أرباعه افي أننا لا نملك أدوات صنع الهوية وتوطينها، وفي أن نقطة البدء عند نخبة المعارضين لنا هي القضاء على المناهج البديلة ومن يؤمنون بها، وأنهم في خدمة ذواتهم لا في خدمة الناس، وأننا بلا أدوات تمكننا من الفعل.