إستراتيجية الفتوى

منذ 2017-10-25

إذا استقامت الفتوى استقام الناس، وإن جنحت الفتوى عن الصواب أو كان فيها غلو وتجاوز للحد الذي رسمه الشرع، جنح الناس ومالوا عن شرع الله سبحانه.

لـمَّا ثبت وتقرَّر أن المنهج الصحيح للفتوى منضبط بقواعدِ أهل العلم في هذا الفن، ولما تبيَّنت ملامحُه وأن منهجيته التوسُّط،تبيَّن أن العالـِمَ الذي بلغ درجةَ الاجتهاد وصار مؤهلًا للاجتهاد والفتوى، عليه واجب كبير أن يجتهد قدر وسعه في تحقيق مقصد الشرع بتوجيه المكلفين إلى تعاليم الشرع دون إفراط ولا تفريط، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرق الانحلال والتفلُّت.

وهذا الحمل على التوسُّط هو المنهج الذي طبَّقه النبي صلى الله عليه وسلم والمفهوم من قوله عليه الصلاة والسلام: «عليكم من الأعمال ما تطيقون» (رواه الإمام مسلم).

والعمدة في هذا كله "رفع الحرج عن الناس" عملًا بهدي القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

فإذا استقامت الفتوى استقام الناس، وإن جنحت الفتوى عن الصواب أو كان فيها غلو وتجاوز للحد الذي رسمه الشرع، جنح الناس ومالوا عن شرع الله سبحانه.

وإن من أهم الأسباب لتعميم مفهوم الوسطية والسماحة في المجتمع المسلم هو التحصُّن بالعلم الشرعي عبر المؤسسات الرسمية المعترف بها والمشهود بعدالتها وأمانتها؛ إذ لا بدَّ من اتخاذ كافة الوسائل المتاحة لبث العلم الشرعي بين المسلمين وتوفير أسبابه لكل راغب فيه، فما ظهر التطرف والغلو إلا بسبب جهل كثير من المسلمين بدينهم، وعيشهم على عاداتٍ وتقاليدَ لا علاقةَ لها بالإسلام.

كما ويجب تسهيل اتصال عامة الناس بدور الفتوى ومجالس العلماء، فكلما ازداد الإنسان علمًا صحيحًا، ازداد بصيرةً وقربًا من المنهج الوسط الذي ارتضاه الله لعباده، والأصل في ذلك قول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: «من يُرِدِ اللهُ به خيرًا يفقهه في الدين» (رواه الإمام الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).

ضـوابط و تـوصيـات:

- التوجيه بضبط الفتوى والمصطلحات الشرعية لإزالة اللبس الحاصل بشأنها لدى بعض الناس.

- دعوة علماء الأمة لتقوية الصلة مع الشباب والناشئة من أبناء المسلمين، وتفقيههم بما يلزمهم من أمور الدين، مع إبراز الجانب المضيء لسماحة الدين ويسره.

- دعوة مجامع الفقه والكليات الشرعية للتعاون في تيسير ما يحتاج إليه أبناء المسلمين من كتب الفقه الإسلامية؛ بغيةَ تحصينِهم من الشذوذ الفكري والانحراف السلوكي والثقافي.

- مطالبة علماء الأمة بإعداد البحوث والدراسات التي تعالج الفكر المنحرف والغلو في الدين.

- تكثيف الاجتماعات الدورية للأئمة والخطباء لتوحيد الخطاب الديني.

وختامًا نسألُ الله تعالى ربَّ العرش العظيم أن يوفقَ علماءَ المسلمين للهدى والحق، وأن يثبتَهم عليه، ويعينَهم على نشره ودلالة الخلق إليه، وأن يردَّ المسلمين للحق ردًّا جميلًا.

ونـختم بما كان يدعو به الإمامُ المبجَّل أحمد بن حنبل رحمه الله في سجوده فيقول: "اللهم مَنْ كان مِنْ هذه الأُمَّة على غيرِ الحق ويظنُّ أنه على الحق، فرُدَّه إلى الحق ليكونَ من أهل الحق".

إعداد: الشيخ عبد اللطيف دريان

مفتي الجمهورية اللبنانية

  • 0
  • 0
  • 3,533

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً