نعمة إنجاب البنات
من جرب نعمة البنت عندما تكبر وتكون صالحة، بارة، مستقيمة، كريمة، عظيمة النفس، فرح بذلك واستروح له، وأدرك قدر نعمة الله عليه، ومن رأى ابنا عاقا يضرب أباه أو أمه؛ أدرك إن الأهم هو الصلاح والاستقامة، وليس ذكر أو أنثى، وليس الأمر بنت أم ولد!!!
من نعم الله عز وجل على عباده أن رزقهم البنين والبنات والأحفاد، يقول الله جل وعلا: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} ويقول جل شأنه: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فالبنون نعمة وزينة وتفاخر، والبنات نعمة وهبة، ولحكمة قدّم الباري سبحانه في الآية الثانية ذكر نعمة إيهاب الإناث على الذكور، فالآية الكريمة ذكرت أربعة أمور، ثلاث هبات، وابتلاء واحد، أو لعلها ابتلاءات أربع، فالله يبتلي بالخير والشر اختبارا لنا؛ {… وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً …} الهبة الأولى: الإناث، الهبة الثانية: الذكور، الهبة الثالثة: الذكور والإناث، الابتلاء: العقم…
وبعض العلماء يرى أن الهبات الثلاث ذُكرت في الآية من الأدنى للأعلى بالترتيب، ثم جاء ذكر العقم، ويرى البعض الآخر أن الترتيب جاء من الأعلى للأدنى، ويرد على الفريق الثاني: كيف يكون هذا والواقع يشهد بخلاف ذلك؟ فالكل يحب أن يكون لديه ذكور وإناث، ومن يوهب الذكور فقط يتمنى البنات، ومن يرزق البنات فقط يتمنى البنين، والعقيم يتمنى كليهما أو أحدهما!
وليس هذا محور مقالنا، إنما أردنا الكلام حول نعمة هبة البنات، ونبين كيف أنها نعمة يجد العبد ثمرتها في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا بسعة الرزق والتحنان والبر الذي يجده الآباء والأمهات من بناتهم، وفي الآخرة بالشفاعة ودخول الجنة بنص حديث المعصوم صلى الله عيه وسلم، بسبب تربيتهن حتى يبلغن سن الرشد أو يتزوجن، سواء كن ثلاث، أو اثنتين، أو واحدة.
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم متضافرة ببيان بره وفرحه وسعادته الغامرة، بالبنات صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه كان يهشّ لهن، وكيف أنه كان أحيانا ينضح الماء في وجه إحداهن وهو يتوضأ يداعبهن بذلك! وكيف كان يستبشر ويهش لفاطمة أو غيرها من بناته صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهن أجمعين.
وقد كان هذا لبناته أو بناتهن، يقول أبو قتادة رضي الله عنه بينما نحن على باب النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذ خرج علينا رسول الله يحمل أمامة بنت أبى العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى صبية فصلى النبي عليه الصلاة والسلام وهي على عاتقه، أي أمامة على عاتقه، يضعها إذا ركع ويعيدها على عاتقه إذا قام حتى قضى الصلاة!
وهذا عام في قلب كل من رزقه الله رقّة القلب، فإن هناك قلوبا أقسى من الحجارة نعوذ بالله من ذلك، يقول الشاعر الحكيم مصورا هذه المشاعر الرقيقة نحو البنات والبنين:
ولولا بنيات كزغب القـــطا **** حططن مـن بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع **** في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنــا بيننـا **** أكبادنا تمـشي على الأرض
إذا هبت الريح على بعضهم **** لامتنعت عيني عن الغمض
وقد كان من أسباب وأد البنات قديما عند العرب، أن بعض العرب لفرط حبهم للبنات يئدونهن خوفا عليهن من الأذى أو الأسر إن قامت الحرب وانهزم قومها، ويخاف إن زوّجها الغني لطم خدّها وسبّها، وإن زوّجها الفقير تحمل همّها، يقول الشاعر القديم مصورا ذلك أبلغ تصوير وأحسنه:
أحب بنيتي وودت أنى **** دفنت بنيتي في قـــاع لحدي
وما بي أن تهون علي **** لكن مخافة أن تذوق الذل بعدي
فإن زوجتها رجلا فقيرا **** أراها عنده والهـــمُّ عندي
وإن زوجتها رجلا غنيا **** سيلطم خدّها ويسب جــدي
سالت الله يأخذها قريبا **** ولو كانت أحـب الناس عندي
يقول د. علي أحمد الخطيب: (… ومع ذلك فقد كان للمرأة قدرها، ومنزلتها غير المنكورة لديهم، وقد كان رقي النساء يومذاك دليلا على ارتقاء العرب فكرا… )، ويقول: (… وأما المرأة الحرة فكانت أعلى شأنا، وأرفع قدرا، حيث كن مترفات مخدومات ينمن الضحى ولا ينتطقن عن تفضل… وكان للمرأة منزلتها المقدورة، وكان العربي يحبها فيناديها بالكنية، تقديرا لها، وإعظاما لشأنها، وكراهية للتصريح باسمها، غيرة منه عليها، ولسان حاله يقول:
أغار على حرف يكون من اسمها ***** إذا ما رأته العين في خط كاتب
ولذلك كان يناديها باسم ابنها أو باسم أخيها إن لم يكن لها ولد…
راجع كتاب: المرأة بين الجاهلية والإسلام – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر 2008م.
وأما ما سجّله القرآن الكريم من وأد للبنات في قوله جل وعلا: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} وفي قوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ} فقد كان ذلك في بعض القبائل وليس كلها، ولم تكن قريش على سبيل المثال ممن يئدون البنات، فقد كان من جهل بعض الرجال في بعض القبائل لغيرته الشديدة يئد البنات، وكان في بعض القبائل إذا أرادت المرأة أن تلد حفروا بالقرب منها حفرة، فإن وضعت أنثى دفنوها في تلك الحفرة وإن جاءت بذكر تركوه! ألا ساء ما يحكمون!
إن من جرب نعمة البنت عندما تكبر وتكون صالحة، بارة، مستقيمة، كريمة، عظيمة النفس، فرح بذلك واستروح له، وأدرك قدر نعمة الله عليه، ومن رأى ابنا عاقا يضرب أباه أو أمه؛ أدرك إن الأهم هو الصلاح والاستقامة، وليس ذكر أو أنثى، وليس الأمر بنت أم ولد!!!