ومن الجنون ما ليس كذلك..!
لا بد لمن يربي المجتمعات ويوجهها أن يحرص على أن يكون للمجتمع ثوابت تمنع من ضلاله وانحرافه.
قد يبدو الحق حينا مستنكَرا، حين يتعارف الناس على الباطل ويرسخ للباطل جذور في قلوب الناس؛ حتى إذا عُرض عليهم الحق قالوا أن صاحبه مجنون..
فقد قال الله تعالى عن رسوله {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} ثم أوضح تعالى الحقيقة {بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} فالأمر لم يكن جنونا ـ معاذ الله ـ بل كانت المشكلة ببساطة هي مجيء الحق قويا هادئا مدويا، فأقلق مضاجع الباطل وهدّد وجوده وجاء على أصله يقتلعه وتتبع وجوده ليستأصله..!
لا يمكن أن تُترك تقدير الأمور للمجتمعات وتغيرات الاتجاهات البشرية بل يجب أن تحاكَم المجتمعات الى ثوابت هذا الحق المتمثل في هذا الدين.. ولا بد للمجتمعات أن تتحاكم الى سلطة عليا وحق ثابت.. وإلا فلو تُرك لها الحبل على الغارب وابتكر كل منحرف ابتكارا وتُركت الأمور بلا ضوابط لوجد الناس أنفسهم يوما يقولون للحق وصاحبه { إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أو يقولون {مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} أو يبلغ الأمر أن يقول الله تعالى لصاحب الحق مدافعا عنه { مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } .. فيكون الناس في شق مقابل ومحادٍّ لجانب رب العالمين.
كما لا تنكسر أمام هجمات صاخبة مغرضة تقودها فئة، ويمولها فاسدون، ويخطط لها مستبدون ماكرون، وتنساق لها جماهير لا ثوابت لها ترفض بها الباطل.. لا يهولنك أمرهم ولا يكسرونك بل كن واثقا؛ فللحق طريق يُعرف به، وهو الوحي.. فمن فارقه فقد قال إذا شططا.
كما لا بد لمن يربي المجتمعات ويوجهها أن يحرص على أن يكون للمجتمع ثوابت تمنع من ضلاله وانحرافه..
لا بد من تنوع الأفكار وثرائها لتمنع التلقين والقولبة والعقم الفكري، لكن بضوابط من ثوابت تمنع الانفلات والضلال وتمنع من التلاعب بالجماهير التي قد يُحسن أخبث الناس وأقذرهم من التدسس الناعم والخطاب الكذاب ليصل به الى توجه فاجر وإهلاك الخلق.. ولا عجب أن تكون الآية التالية أن يقول تعالى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} ..