مع القرآن - وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
نعمة الأمن من أعظم نعم الله , و كثير ممن يتنعم بها لا يشكرها بل لا يدري بها إلا إذا رأى بعينه ما يقع لغيره من محن و اضطرابات .
و الأمن كل الأمن في التمسك بمنهج الله و رسالة السماء و تعاليم الشريعة التي تكفل الخير و السعادة للمؤمن العامل بها في الدارين , أما طريق الباطل فلا أمن فيه و لا أمان معه .
طريق الباطل لا يورث أهله إلا جهنم , و طريق الرسالة طريق الفلاح يورث أهله دار النعيم السرمدي , و المرء بين اختيارين إما مختار للباطل معرض لجهنم و إما مجتهد مجاهد عملاً و علماً موعود بالجنة , فأي الطريقين أولى بالسلوك ؟
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت 65 - 69]
قال السعدي في تفسيره :
امتن عليهم بحرمه الآمن، وأنهم أهله في أمن وسعة ورزق، والناس من حولهم يتخطفون ويخافون، أفلا يعبدون الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
{ { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} } وهو ما هم عليه من الشرك، والأقوال، والأفعال الباطلة. { { وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ } } هم { { يَكْفُرُونَ } } فأين ذهبت عقولهم، وانسلخت أحلامهم حيث آثروا الضلال على الهدى، والباطل على الحق، والشقاء على السعادة، وحيث كانوا أظلم الخلق.
{ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } } فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل إلى اللّه، { { أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ } } على يد رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم.
ولكن هذا الظالم العنيد، أمامه جهنم { { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } } يؤخذ بها منهم الحق، ويخزون بها، وتكون منزلهم الدائم، الذين لا يخرجون منه.
{ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } } وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته، { {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } } أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك لأنهم محسنون.
{ { وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} } بالعون والنصر والهداية. دل هذا، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه اللّه ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللّه، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: