صفحة من التاريخ... (قرار جمهوري بعزل شنودة)

منذ 2011-05-03

"إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2782 لسنـ1971ـة بتعيين الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريركا للكرازة المرقصية وتشكيل لجنة للقيام بالمهام البابوية من خمسة من الأساقفة وهم: -وذكر أسماء خمسة من الأساقفة- وذلك لكي لا تبقى الكنيسة بدون من يمثلها لدى الدولة".



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

وقف "رئيس جمهورية مصر العربية" في "مجلس الشعب" مقررًا عزل الأنبا شنودة، وقام بقراءة القرار التاريخي ونصه كالتالي:

"إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2782 لسنـ1971ـة بتعيين الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريركا للكرازة المرقصية وتشكيل لجنة للقيام بالمهام البابوية من خمسة من الأساقفة وهم: -وذكر أسماء خمسة من الأساقفة- وذلك لكي لا تبقى الكنيسة بدون من يمثلها لدى الدولة".

وقد جاء هذا القرار نظرًا لتهديد البابا شنودة للسلام الاجتماعي والأمن القومي وبث سموم الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، الذي ظل متماسكًا على مر العصور، وخروجه بالكنيسة عن روح التسامح والمحبة، بحسب قول "رئيس الجمهورية".

ثم ذكر الرئيس في تفسير سبب اتخاذ هذا القرار ما نصه: "أجريت هذا بعد أن استشرت المخلصين للبلاد والكنيسة. وعلى هؤلاء الأساقفة سرعة معالجة الشعور القبطي العام في الداخل والخارج لكسر حاجز التعصب والحقد والكراهية وبث روح المحبة والتسامح.

وعلى هذه اللجنة أن تتقدم للحكومة بكل الاقتراحات المناسبة لإعادة الكنيسة إلى وضعها التقليدي الأصيل كنسيج حي في جسم الدولة، وترسيخ روح الحب والوداعة والصبر والحكمة تجاه جميع الطوائف والناس والتي كانت فيه رائدة لكل كنائس العالم.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين" انتهى بنصه صوتا وصورة .


وقد لوحظ أن القرار قوبل بعاصفة قوية جدًا من التصفيق في "مجلس الشعب"، ولوحظ من تلاوة الرئيس للقرار أن اثنين ممن اختارهم الرئيس للجنة الخماسية كانا قد حصلا على أصوات أعلى من شنودة في التصويت على اختيار البابا، لكن لعبة "الطفل" إياه مكنت البابا شنودة صاحب الأصوات الأقل من انتزاع الكرسي .

عذرا أخي القارئ اسمح لي أن أقطع فرحتك بهذا الخبر فهذا الخبر الذي تتعطش لسماعه في هذه الأيام رغم أنه خبر صادق وقد سمعته بالصوت والصورة وقمت بتفريغه بنفسي وليس أضغاث أحلام أو من نسج الخيال، ولكن الذي يعكر صفو فرحتك به هو تاريخ صدوره وهو شهر سبتمبر لسنـ1981ـة مـما يعني أنه قبل قرابة 30 عاما، فهل يمكن أن يعيد التاريخ نفسه؟!

وقد لجأ شنودة إلى قضاء مجلس الدولة بعد وفاة "السادات" متظلمًا من هذا القرار الجمهوري الذي أصدره "السادات" وقضى بعزله، إلا أن حكمًا تاريخيًا صدر من "محكمة مجلس الدولة" أيد قرار "السادات" بعزل شنودة، ورفض تظلم شنودة من العزل، وأكد على أن المبررات التي استند إليها "رئيس الجمهورية" في قراره بعزل شنودة كانت صحيحة وثابتة ومبررة، وذلك بعد أن استعرضت المحكمة مختلف الوثائق والأوراق المقدمة والتي أدانت شنودة بكل الاتهامات المنسوبة إليه ووقف "القضاء المصري" له بالمرصاد لعلمه بأن هذا الشخص في أقصى درجات الخطورة على أمن وسلامة واستقرار البلاد والنسيج الوطني.

وقد استللنا هذه الفقرات بنصها من حيثيات حكم مجلس الدولة؛ حيث إنها طويلة جدا، وما حذفناه في الغالب إنما يتعلق بالمقدمات التقليدية لمثل هذه الأحكام، وذكر نصوص الدستور المتعلقة بالقضية، مما يغني عن إيرادها هنا، وإلا فالحكم بحيثياته الكاملة مشهور ومنشور.


ومما ورد نصا في حيثيات حكم "مجلس الدولة" بخصوص هذه الدعوى ما يلي: "أما عن دور المدعي -أي البابا شنودة- في أحداث الفتنة الطائفية فقد وردت تفصيلا في مذكرة "مباحث أمن الدولة"، المقدمة بجلسة 4/1/1983 وأبدت إدارة قضايا الحكومة أن المحاور العامة التي ارتكزت عليها سياسة المدعي -أي شنودة- توجز في عدد من النقاط يلاحظ كل من تأملها التشابه الكبير الذي يصل إلى حد التطابق في كثير منها مع ما يحدث في هذه الأيام، مما يثير التساؤل عن موانع اتخاذ قرار يشبه قرار "السادات" لا سيما مع تضاعف مخاطر اليوم عن مخاطر الأمس. وكان أبرز النقاط التي جاءت في هذه المذكرة ما يلي نصا:

- محاولة فرض استقلال الكنيسة عن الدولة ومؤسساتها الدستورية.

- السعي نحو إضفاء الصفة السياسية على منصب البطريرك.

- محاولة تحدى القوانين القائمة في مجال بناء الكنائس.

- إقامة الكليات الإكليرية، وتوسيع الأديرة، واستثمار الخلافات الفردية والحوادث العادية لتصوير الموقف على أنه صراع طائفي.

- المطالبة ببعض المطالب الطائفية.

- إعلان الصوم للضغط على المسئولين.

- استغلال قنوات الاتصال بين الكنيسة وتجمعات الأقباط في الخارج كقوة ضاغطة على الرأي العام العالمي لتحقيق المطالب المذكورة.

- انتهاج أساليب الإثارة فيما أصدره من أوامر للكهنة من تأدية الصلاة بجمعية أصدقاء الكتاب المقدس بالخانكة وافتراش الأرض بأجسادهم عند التعرض لهم.

- قرر إرسال خطابات للمسئولين في الدولة لتمثيل الأقباط في الاتحاد الاشتراكي بنسبة عددية كبيرة.

- نشر الشائعات عن رفض "رئيس الجمهورية" مقابلة المدعي.

- عقد اجتماعات أسفرت عن رفض قانون الردة.

- إعلان الصوم الانقطاعي تعبيراً عن هذا الرفض.

- التشكيك في حيدة رجال الشرطة وسلطات التحقيق في وقت معاصر لمباحثات كامب ديفيد، كوسيلة للضغط على المسئولين للانصياع للمطالب الطائفية، ومنها منع تطبيق الشريعة الإسلامية .

- كوسيلة للضغط أيضاً، رفض المدعي الاحتفال بذكرى تقلده الكرسي البابوي يوم 14/11/1979 واعتكافه بدير الأنبا بيشوي .

- في 18/3/1980 افتعل حادث اعتداء على بعض الطلبة المسيحيين في المدينة الجامعية بالإسكندرية لتعبئة مشاعر المسيحيين ضد المسلمين.

- دعا المجمع المقدس إلى الاجتماع وأصدر قرارًا بعدم الاحتفال بعيد القيامة ورفض تهاني المسئولين وذلك في وقت معاصر لزيارة رئيس الجمهورية لأمريكا، وإيعاز تجمعات الأقباط هناك باتخاذ مواقف معادية له.

- رفض المشاركة في استقبال "رئيس الجمهورية".

- امتنع عن حضور الاجتماعات العامة التي دعي إليها بصفته الدينية.

- سرب الشائعات عن تكاثر أعمال التعدي على المسيحيين في مصر؛ للتشكيك في استقرار البلاد وإثارة الرأي العام العالمي لتشويه سمعة مصر في الخارج.

- حرض أبناء الطائفة على تخزين الأسلحة والاستعداد لمواجهة عزم المسلمين مهاجمتهم، وكان هذا من أبرز أسباب حادث الزاوية الحمراء في يونية 1981 والذي راح المدعي يبث الشائعات بأن الحكومة هي التي دبرت هذا الحادث للقضاء على شوكة المسيحيين.

- وهذا الذي صدر عن المدعي خروج منه على مقتضيات منصبه وعلى واجباته الأساسية، ويعتبر إثارة للفتنة الطائفية، فلم يكن أمام "رئيس الجمهورية" لتجنب البلاد ويلات الفتنة سوى إصدار القرار المطعون فيه.

- ثم انتقلت مذكرة إدارة قضايا الحكومة إلى الرد على بعض ما أثاره تقرير هيئة مفوضي الدولة قائلة بالنص: "إن "رئيس الجمهورية" طبقا للمادة 18 من لائحة ترشيح وانتخاب البطريرك هو الذي يصدر قرار تعيين البطريرك، ومن المسلم به أن من يملك إصدار القرار يملك إلغاءه، ولذا فإن "رئيس الجمهورية" لم يغتصب سلطة أحد، ولرئيس الجمهورية أيضاً -طبقا للائحة المشار إليها- تعيين القائممقام البطريرك، ولذلك فإن القرار المطعون فيه في شقه الثاني الخاص بتشكيل لجنة خماسية للقيام بالمهام البابوية والذي أقره المجمع المقدس في بيانه المؤرخ 12/9/1981 صحيحٌ قانونا، وأن تقرير لجنة تقصى الحقائق يؤكد ما جاء بتقرير مباحث أمن الدولة، فقد أجرى التحقيق فيما أسماه خطاب أمام "مجلس الشعب" في 14/5/1980 وكشف فيه ما نسب إلى المدعي من وقائع محددة في تواريخ محددة، مؤيدة بمستندات بعضها صادر من المدعي شخصيا، مثل المقالات والأخبار التي تنشرها مجلة الكرازة، والرسالة التي وجهتها البطريركية بالإسكندرية إلى طلبة الجامعة المسيحيين بها وغيرها، وما ورد في حافظة المستندات الثانية .


مذكرة حكومية تبين دور شنودة في إشعال الفتنة الطائفية

وقد قدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة تضمنت شرحًا للمستندات المقدمة منها التي تؤكد دور المدعي في إشعال الفتنة الطائفية، منها الدعوة التي وجهها المدعى إلى أعضاء المجمع المقدس لحضور اجتماع 26/3/1980 والقرار الصادر عن هذا الاجتماع، ونصه الآتي:

"بعد أن درس المجمع المقدس حالة الأقباط بالتفصيل والشكاوى العديدة التي وجهت منهم في كل المحافظات بمصر ومن الطلبة في المدن الجامعية وخارجها، وما يتعرض له الأقباط من إهانات وشتائم واتهام بالكفر وألوان من الإثارات، واعتداءات على أرواحهم وكنائسهم، وخطف الفتيات المسيحيات وتحويل البعض عن دينهم بطرق شتى، قرر المجمع المقدس إلغاء الاحتفالات الرسمية بعيد القيامة المجيد هذا العام والاكتفاء بالصلاة في الكنائس، مع عدم تقبل التهاني بالعيد؛ تعبيرا عن الآلام التي يعانيها الأقباط. كما قرر أعضاء المجمع المقدس الاعتكاف في الأديرة خلال العيد" وقام النصارى المصريون في الولايات المتحدة بمظاهرات أمام مقر الرئيس بواشنطن ومقر الأمم المتحدة مطالبين بالتدخل لحماية أقباط مصر من المذابح، ونشرت صور المظاهرات بمجلة الأقباط في أمريكا، ونشرت هذه المجلة أيضاً العديد من المقالات التي تتهم السلطات بالتواطؤ في تنفيذ مخطط إسلامي للقضاء على المسيحيين، كما نشرت مجلة الكرازة التي يصدرها المدعى العديد من المقالات التي تنطوي على تجريح الدين الإسلامي، وتصوير بعض الحوادث الفردية على أنها حوادث طائفية.

- وأشارت المذكرة إلى تقرير اللجنة العامة بمجلس الشعب في ردها على بيان رئيس الجمهورية مساء السبت 5/9/1981، وقد جاء به أن اللجنة تسجل أسفها عمّا تجمع لديها من قرائن ودلائل على أن بعض القيادات الكنسية ومنها رأس الكنيسة دأبوا على التشكيك في كل تصرف يصدر من العقلاء من القيادات الدينية والمدنية، يهدف إلى تهدئة الخواطر وإطفاء نار الفتنة، بل إنهم تمادوا في مسلكهم وأوغلوا بطبع منشورات وتسجيلات عن الأحداث دون تمحيص، وأوغلوا بنشرها في المجلات القبطية التي تصدر داخل البلاد وخارجها، وقد صور الطموح السياسي لقيادة الكنيسة أن تقيم الكنيسة من نفسها دولة داخل الدولة تستأثر بأمور المسيحيين الدنيوية، وخرجوا بالكنيسة عن دورها السامي الذي حدده لها المسيح عليه السلام.

- جدير بالذكر أن البابا شنودة الثالث -88 عامًا- قد تم عزله وحبْسه بالدير وتحديد إقامته في عهد "السادات"، نظراً لأن "السادات" اعتبره سبب الفتنة الطائفية في مصر، وأنه يسعى لتأسيس دولة قبطية في جنوب البلاد تكون عاصمتها "أسيوط" مسقط رأس شنودة، وقد ظل قرار "السادات" هذا ساريًا حتى بعد وفاته بسنوات، واستمر حتى العام 1984م، وقد تم إلغاء قرار الرئيس السادات القاضي بعزل شنودة وتمت إعادته لكرسي البابوية بقرار من الرئيس مبارك في العام 1985م، وقام البابا بعدها بتصفية عنيفة لأعضاء هذه اللجنة الخماسية ما زالت مرارتها مؤثرة حتى اليوم.


7-ذو القعدة-1431هـ 14-أكتوبر-2010 م
 

المصدر: البخاري إبراهيم - موقع صوت السلف
  • 206
  • 1
  • 8,972

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً