(19) وان يقولوا تسمع لقولهم
محمد علي يوسف
المنافق يجيد الكلام ويتقنه، والناس تسمعه هذه حقيقة ينبغي أن نعترف بها لذا قيل في الحديث الصحيح «إن أخوف ما أخاف عليكم جدال منافق عليم اللسان».
- التصنيفات: التصنيف العام - قضايا إسلامية -
وللنفس بوابتان رئيستانالسمع والبصر، والمنافق يصر على ولوج البوابتينفبعد أن أثار الإعجاب بسمته واستطاع خداع الناس بمظهره انتقل لطرق الباب الآخر ...السمع... {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}.
المنافق يجيد الكلام ويتقنه، والناس تسمعههذه حقيقة ينبغي أن نعترف بهالذا قيل في الحديث الصحيح «إن أخوف ما أخاف عليكم جدال منافق عليم اللسان».
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة.. وكان أولهم منافق يقرأ القرآن لا يخطئ فيه واوا ولا ألفا، يجادل الناس أنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى؛ إذن فمن المنافقين من يجيد القرآن إجادة تامة لا تكاد تلحظ عليه خطئا في ضبطه وحسن تلاوتهشخص لَسِنٌ يجيد تزيين باطله وتحسن حرفه بضاعته... كلام ملحون... ليّ للألفاظ... تلاعب بالمعاني... تورية في الكلمات... جدال ومراء، وهنا تكمن خطورة المنافقين المتعدية.
والحقيقة أن المشكلة في المنافقين لم تكن أبدا قاصرة عليهم وليس منتهى خطورتهم إليهمالمشكلة أن ضررهم متعدي وخطرهم ممتد وفتنتهم مستشريةإنه ليس مرضا داخليا وحسب إنه سوس شرس ينخر جسد الأمة نفسه ويدمر مناعته من الداخل، وبوابته الرئيسية = السمع... { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ }، إنها الوسيلة والغاية تعرضهما الآية بوضوح كاشف فاضح لسبيل المنافقين، ولأوضعوا خلالكمتكسير لأواصر الأمة وتوهين للروابط بين المؤمنين، والمبتغى واحد والغاية واضحة... الفتنة... هكذا ببساطة حاسمة؛ لكن هذا ليس مستغربًا منهم بل هو متوقع وطبيعي من أمثالهم.
العجب الحقيقي فيمن يعطيهم الفرصة على طبق من ذهب حين يسلمهم أذنيه ومن بعدهما قلبه وروحه لقد ظلت وستظل حيل المنافقين تنطلي على الكثيرين، تنطلي على السماعين لهم الراضين بقبيح فعلهم وقولهم { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ }.
نعم فيكم ... في المؤمنين... أنتم أيها المؤمنون من تفتحون لهم أبواب أسماعكم وأبصاركم... أنتم أيها المؤمنون من تأذنون ليدخلوا حماكم وليبثوا سمومهم في أعز حصونكم...قلوبكم... {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} هذه هي المشكلة الحقيقيةبعد أن أعجبكم مظهرهم = فتنكم حرفهم بل وأعجبتم بكلامهم كما أعجبتكم صورتهم وأبهرتكم هيئتهم { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ }.
يعجبك قوله؟لازلتم تنخدعون... فكما انخدعتم آنفا بالصورة يخدعكم الآن الحرف، وكأنكم تتحرون سبل الإعجاب بهم ولتنسوا أو تتناسوا في نهاية الأمر تلك الحقيقة المحكمة التي طالما نبهكم إليها ربهم... حقيقة: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} هم العدو! هكذا تتم الجملة وقد عُرِّف خبرها بالألف واللام، وكأنه لا عدو غيرهم.
بالطبع هناك أعداء كثر ومحاربين من شتى صنوف أهل الكفر والشرك، لكن إتمام الجملة بهذا الشكل يفيد التنبيه الشديد لخطورتهم الرهيبة ووجوب الحذر منهمكيف لا وهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وفينا من يسمعهم، ويصدقهمبل ويجادل عنهممع وضوح العلامات وظهور القرائن الفاضحة هناك من لا يُعرض.
هناك من يجادل في المنافقين، هناك من يصر على الانخداع بهم، هناك من يظل في الفئة الأخرى من الفئتين اللتين يختلفان في المنافقين {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}، وجماع ذلك كله في تصديقهم وسهولة الانخداع بهم، وبوابة ذلك الانخداع = السماع... السماع لهم والإنصات للحن قولهم.
ترى.. من أولئك الذي أذنت لهم بولوج تلك البوابة العظيمة وأسلمتهم مفاتحها؟ من؟