لله تعالى دعوة الحق.. فاطمئن
كل من تعلق بالأسباب زيادة عما أمر الله به من القيام بها تعبدا، فلام الأسباب أوتعلق بها أو اطمأن اليها أو كان لها شعبة من توكل القلب عليها، فله نصيب من خذلان من دعا ماء بعيدا ليصل اليه، وكذا كل من تعلق بسواه تعالى وسأل غيره..
عندما تقرأ قوله تعالى { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} .. فاعلم أن هذه الآية الكريمة تسكب في قلب المؤمن طمأنينة لا حدود لها، وثقة ويقينا يملأ جوانحه، ولذا فمن الخير معرفة معناها وتدبر ما دلت عليه ورؤية معطياتها ومصداقها في واقعك وواقع الناس حولك..
فقوله تعالى { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} يشمل معنيين:
حق الوجوب وحق الوجود..
1) أما (حق الوجوب)، فهو أن التوجه الحق للدعاء يجب أن يكون لله تعالى وحده، ويدخل في هذا الدعاء دعاء المسألة ودعاء العبادة..
- أما دعاء المسألة فهو وحده الذي ينبغي أن يُسأل «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله».. ويجب ألا يُسأل إلا هو.
- وأما دعاء العبادة فالعبادة لا تنبغي إلا له، وهذا هو معنى لا إله إلا الله.. وسُميت العباد دعاء لأنه أظهرمفرداتها، ولأن العابد يطلب النجاة والثواب بعبادته لله، فهذا سؤال عظيم بل هو أعظم السؤال، ولأنه يدعو الله إلها.
ولهذا قال من قال من العلماء { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} هي لا إله إلا الله.
2) وأما (حق الوجود) فهو أنه لا تحصل إجابة لمن دعا غيره تعالى؛ فهو مالك الأسباب ومسببَاتها وواضع قوانينها ومُجرِي عاداتها، وهو مكمل الأسباب وصارف الموانع، ومُبلّغ العبد ما سأل.. فمن الله تعالى الإعداد والإمداد والإيجاد.. وما تفعله من سبب فهو جزء بسيط ضمن نظام كامل لا يُنتج فيه السبب بمفرده، ولهذا فلا غناء عن الله تعالى طرفة عين.. حتى ما تراه من الأسباب أمام عينك واعتدته فإنما كان وجوده بالله واستمراره بالله.
ولهذا قال تعالى عقبها مبينا خيبة سعي وسؤال من سأل سواه {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} حين وتركوا الحق الواجب، فمع هذا خاب سعيهم؛ فلا يجدون ما سألوا ولا ما سعوا اليه، فقد دعوا عاجزا وبعيدا لا يصلون اليه ولا يصل اليهم منه شيء؛ فقال {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} ثم أوضح تعالى عجزهم فقال ـ في استثناء منقطع عما قبله ـ { إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ } فالماء غائر في البئر وهو يدعوه ليصعد اليه ولا يصعد الماء الى الداعي، والداعي لا يصل اليه، وهذا العجز هو حال دعاء كل من دعا غيره تعالى { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} .
وما يجده المشركون من إجابة يتوهمونها عند شركهم فليس بإجابة ولكن هو قدر الله تعالى (عند) هذا الدعاء (وليس به)، وذلك فتنة لهم { كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.. وقد تقضي لهم الشياطين أمورا تافهة أو تخبرهم بكذبٍ نصيب الصدق فيه واحد من مائة، وفي أمور تافهة لا تفيد، وذلك فتنة من الله تعالى لهم وإمهالا، ليزدادوا تعلقا بما تعلقوا به إذ قد سقطوا من عينه تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}.. الى أن يتوب منهم تائب.
وكل من تعلق بالأسباب زيادة عما أمر الله به من القيام بها تعبدا، فلام الأسباب أوتعلق بها أو اطمأن اليها أو كان لها شعبة من توكل القلب عليها، فله نصيب من خذلان من دعا ماء بعيدا ليصل اليه، وكذا كل من تعلق بسواه تعالى وسأل غيره..
ولهذا كانت الحقيقة الكبيرة أن لله تعالى دعوة الحق.. فاطمئن.
- التصنيف: