التواضع زينة الأخلاق (1)

منذ 2017-11-29

قال -صلى الله عليه وسلم-:  «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغ أحد على أحد»   وقال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»

عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال -صلى الله عليه وسلم-: 
 « ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك ، فإذا تواضع قيل للملك : ارفع حكمته و إذا تكبر قيل للملك : ضع حكمته»  (1) ‌

من أعظم النعم التي ينعم الله بها على عبده «نعمة التواضع» .. أن يألف ويؤلف .. أن يكون هينا لينا قريبا سهلا .. سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى. وللتواضع تأثير عجيب في تماسك المجتمع، فلا يدعه حتى يصير كل أفراده على قلب رجل واحد، لا يشقى بينهم يتيم، ولا يضيع وسطهم محروم، ولا يظلم في جوارهم ضعيف.
قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} [الفرقان:63] .. أي يمشون بسكينة ووقار، متواضعين غير أشرين، ولا مرحين ولا متكبرين.
قال سيد قطب -رحمة الله-: ها هي ذي السمة الأولى من سمات عباد الرحمن، أنهم يمشون على الأرض مشية سهلة هينة ليس فيها تكلف ولا تصنع وليس فيها خيلاء ولا تنفج ولا تصعير خد ولا تخلع أو ترهل، فالمشية ككل حركة تعبير عن الشخصية وعما يستكن فيها من مشاعر، والنفس السوية المطمئنة الجادة القاصدة تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها، فيمشي مشية سوية مطمئنة جادة قاصدة، فيها وقار وسكينة وفيها جد وقوة. (2)
وقال -صلى الله عليه وسلم-:  «إن الله أوحى إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغ أحد على أحد»  (3)
وقال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» (4)
ويعلق المناوي على حديثنا هذا بقوله: ( ما من آدمي ) من زائدة وهي هنا تفيد عموم النفي، وتحسين دخول ما على النكرة ( إلا في رأسه حكمة ) وهي بالتحريك: ما يجعل تحت حنك الدابة يمنعها المخالفة كاللجام، والحنك متصل بالرأس ( بيد ملك ) موكل به ( فإذا تواضع ) للحق والخلق ( قيل للملك ) من قبل اللّه تعالى ( ارفع حكمته ) أي قدره ومنزلته، يقال: فلان عالي الحكمة، فرفعها كناية عن الإعزاز ( فإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته ) كناية عن إذلاله، فإن من صفة الذليل تنكيس رأسه، فثمرة التكبر في الدنيا الذلة بين عباد اللّه، وفي الآخرة نار الإيثار، وهي عصارة أهل النار كما جاء في بعض الأخبار (5)
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إن الرجل إذا تواضع لله رفع الله حكمته. وقال: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبر العبد وعدا طوره، وهصه الله إلى الأرض، وقال أخسأك الله، فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس صغير (6)
يقول ابن حبان: الواجب على العاقل لزوم التواضع ومجانبة التكبر، ولو لم يكن في التواضع خصلة تحمله إلا أن المرء كلما كثر تواضعه ازداد بذلك رفعة لكان الواجب عليه أن لا يتزيا بغيره، والتواضع نوعان: التواضع المحمود ويكون بترك التطاول على عباد الله والإزراء بهم، والتواضع المذموم وهو تواضع المرء لذي الدنيا رغبة في دنياه. (7)
قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع. (8)
وقالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: إنكم لتغفلون أفضل العبادة: التواضع. (9)
وقال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: لن يبلغ العبد ذرى الإيمان حتى يكون التواضع أحب إليه من الشرف. (10)
وقال عروة بن الورد: التواضع أحد مصائد الشرف، وكل نعمة محسود عليها صاحبها إلا التواضع. (11)
وقال أبو حاتم: التواضع يرفع المرء قدرا، ويعظم له خطرا، ويزيده نبلا. (12)
وعبارات السلف الصالح في تعريف التواضع أشبه بصندوق الدرر التي تبهر العين وتمسك بتلابيب الفؤاد، فسئل الفضيل بن عياض يوما عن التواضع فقال: يخضع للحق وينقاد له ويقبله ممن قاله.
وقال الجنيد بن محمد: هو خفض الجناح ولين الجانب.
وقال أبو يزيد البسطامي: هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا، ولا يرى في الخلق شرا منه.
وقال ابن عطاء: هو قبول الحق ممن كان، والعز في التواضع، فمن طلبه في الكبر فهو كطلب الماء من النار.
وقال حمدون القصار: التواضع أن لا ترى لأحد إلى نفسك حاجة لا في الدين ولا في الدنيا.
وقال صاحب ( المنازل) شيخ الإسلام الهروي: التواضع أن يتواضع العبد لصولة الحق .. قال ابن القيم معلقا: يعني أن يتلقى سلطان الحق بالخضوع له والذل والانقياد، والدخول تحت رقه، بحيث يكون الحق متصرفا فيه تصرف المالك في مملوكه، فبهذا يحصل للعبد خلق التواضع، ولهذا فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبر بضده، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس ) (13) فبطر الحق: رده وجحده والدفع في صدره كدفع الصائل، وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم. ومتى احتقرهم وازدراهم دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها (14)

المصادر والهوامش 
(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير 12/281 برقم 143532عن ابن عباس -رضي الله عنه-، والبزار عن أبي هريرة، وقال المنذري في الترغيب 4/16 والهيثمي في مجمع الزوائد 8/82:إسنادهما حسن،ورواه البيهقي في شعب الإيمان 6/277 برقم 8143 ورواه أيضا السيوطي في الجامع الصغير  (حسن) انظر حديث رقم: 5675 في صحيح الجامع للسيوطي / الألباني .‌وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 535 
(2) الظلال ص 2577 (3) رواه مسلم عن عياض بن حمار / كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها برقم 5109 4689 (4) رواه مسلم عن أبي هريرة / كتاب البر والصلة والآداب برقم 4665   (5) فيض القدير / المناوي (2/548) (6) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ــ ابن حبان ص 60 (7) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ــ ابن حبان ــ مكتبة السنة المحمدية ــ القاهرة ص 56 (8) موسوعة صلاح الأمة في علو الهمة / العفاني ج5 ص 420 (9) حلية الأولياء ــ أبو نعيم الأصبهاني ج7 ص240 (10) الزهد ــ ابن المبارك ج1 ص52 (11) تنبيه الغافلين / السمرقندي ص139 (12) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ــ ابن حبان ص 60 (13) تخريج السيوطي رواه مسلم  عن ابن مسعود ــ كتاب الإيمان برقم 131 (صحيح) انظر حديث رقم: 7674 في صحيح الجامع.‌السيوطي / الألباني (14) انظر هذه التعريفات في مدارج السالكين ــ ابن القيم ط دار الحديث القاهرة ج 2 ص 346

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 7
  • 1
  • 28,302

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً