يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ
أبو الهيثم محمد درويش
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ الروم 55 – 57]
- التصنيفات: التفسير -
كما كان الجهل و الإنكار شعار الرافضين لشريعة السماء المعاندين لتحويلها إلى واقع معاش في الدنيا , هاهم يوم القيامة يقسمون بأغلظ الأيمان أنهم ما لبثوا في الحياة الدنيا غير ساعة فقط و لم تكن لديهم المهلة الكافية للتفكر و الإيمان .
و كما كان ديدنهم في الدنيا التكذيب و الممانعة و تصديق أي ناعق و تكذيب الرسالة و الرسل و أتباع الرسل , هاهم يصدقون كذبتهم و يقسمون في عرصات القيامة أنهم ما لبثوا سوى ساعة , و رفضوا تصديق واقع عاشوه تفصيلياً.
و كما كان أهل الإيمان و العلم بالله و رسالته في الدنيا هاهم يتولون الرد عليهم في الآخرة بكل ثقة و يقين : لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
إنها ثقة المؤمن و يقينه .
في هذا المشهد لا تنفع معذرة و لا أي ادعاء كاذب و لا حتى مجرد عتاب فقد فات الأوان .
قال تعالى :
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ الروم 55 – 57]
قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى عن يوم القيامة وسرعة مجيئه وأنه إذا قامت الساعة { {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} } باللّه أنهم { {مَا لَبِثُوا} } في الدنيا إلَا { {سَاعَة} } وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر واستقصار لمدة الدنيا.
ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له قال تعالى: { {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} } أي: ما زالوا -وهم في الدنيا- يؤفكون عن الحقائق ويأتفكون الكذب، ففي الدنيا كذَّبوا الحق الذي جاءتهم به المرسلون، وفي الآخرة أنكروا الأمر المحسوس وهو اللبث الطويل في الدنيا، فهذا خلقهم القبيح والعبد يبعث على ما مات عليه.
{ {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ} } أي: مَنَّ اللّه عليهم بهما وصارا وصفا لهم العلم بالحق والإيمان المستلزم إيثار الحق، وإذا كانوا عالمين بالحق مؤثرين له لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع مناسبا لأحوالهم.
فلهذا قالوا الحق: { {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} } أي: في قضائه وقدره، الذي كتبه اللّه عليكم وفي حكمه { {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} } أي: عمرتم عُمْرًا يتذكر فيه المتذكر ويتدبر فيه المتدبر ويعتبر فيه المعتبر حتى صار البعث ووصلتم إلى هذه الحال.
{ {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} } فلذلك أنكرتموه في الدنيا وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا تتمكنون فيه من الإنابة والتوبة، فلم يزل الجهل شعاركم وآثاره من التكذيب والخسار دثاركم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن