أم معبد تصف الرسول صلى الله عليه وسلم
ربيع عبد الرؤوف الزواوي
فهذا وصف امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن، لمحته عينيها فجاشت لزوجها عند رجوعه آخر النهار بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم.
- التصنيفات: التصنيف العام - السيرة النبوية - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
أعتبر أن من عجائب الاتصال البشري؛ ما وصفت به أم معبد الخزاعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى مروره وجماعة من أصحابه بخيمتها واستراحتهم عندها برهة من الوقت، في رحلة لهم يطلبون الماء من خيمتها.
قالت أم معبد الخزاعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصفه لزوجها: (ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثُجْلة، ولم تزر به صلعة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن، رِبعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفَنَّد. (سيرة ابن هشام، زاد المعاد. الرحيق المختوم)
فهذا وصف امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن، لمحته عينيها فجاشت لزوجها عند رجوعه آخر النهار بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم. إن المرأة عبرت بما أحست ولمست من كمال جماله، وحسن مظهره، وبهجة طلعته صلى الله عليه وسلم، ولو أخذنا نحن بدورنا في شرح كلامها لقلنا:
قولها ظاهر الوضاءة: أي أن جماله صلى الله عليه وسلم وحسن منظره يظهر لكل من رآه سواء كانت هذه الرؤية عن قُرب أم عن بعد، والرجل الوضيء: أي حسن المنظر. قال في لسان العرب: الوضاءة مصدر الوضيء وهو الحسن النظيف، والوضاءة: الحسن والنظافة، والوضاءة الحسن والبهجة. قال عمر لحفصة: لا يغرك إن كان جارتك هي أوضأ منك، أي أحسن. (لسان العرب لابن منظور: [15/ 322])
وقولها أبلج الوجه: أي مشرق الوجه، أبيض مضيء. قال في لسان العرب: البلج تباعد ما بين الحاجبين وقيل ما بين الحاجبين إذا كان نقيا من الشعر؛ بلج بلجا، فهو أبلج، والأنثى بلجاء، وقيل الأبلج الأبيض الحسن الواسع الوجه، يكون في الطول والقصر، … وقال الجوهري: البلجة نقاوة ما بين الحاجبين، يقال: (رجل أبلج بيّن البلج إذا لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبيصلى الله عليه وسلم: أبلج الوجه: أي مسفره مشرقه، ولم تُرِد بلج الحاجب لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا)، وقال ابن الشميل: بلج الرجل يبلج إذا وضح ما بين عينيه ولم يكن مقرون الحاجبين فهو أبلج… وشيء بليج: مشرق مضيء. (لسان العرب لابن منظور: [1/ 477]، [478])
وبليج: أي طلق بالمعروف، قالت الخنساء:
كأن لم يقل أهلا لطالب حاجة *** وكان بليج الوجه منشرح الصدر
وبليج: أي مشرق مضيء، قال الداخل بن حرام الهذلي:
بأحسن مضحكا منها وجيدا *** غداة الحجر مضحكها بليج
إذن فأم معبد أرادت أنه صلى الله عليه وسلم أبيض مشرق الوجه مضيء تكملة للفظ ظاهر الوضاءة وما أرادت أنه بعيد ما بين الحاجبين.
قولها لم تُعِبْه ثُجْلَة: أي لم يعبه ضخامة البدن، وعظم البطن واسترخاؤه، قال ابن منظور: الثجل: عظم البطن واسترخاؤه وقيل هو خروج الخاصرتين… إلى أن يقول: وفي حديث أم معبد في صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تزر به ثجلة أي: ضخم بطن، ويروى بالنون والحاء (نُحلة)، أي نحول ودقة.
قولها ولم تُزر به صلعة: الصلع صغر الرأس وقيل ذهاب الشعر من مقدم الرأس.
قال في لسان العرب: الصلع ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره وكذلك إذا ذهب وسطه… إلى أن قال: والصلعاء من الرمال: ما ليس فيها شجر، وأرض صلعاء لا نبات فيها. (لسان العرب لابن منظور: [7/ 387]، [388])
وقولها وسيم: أي حسن جميل، قال ابن الأعرابي الوسيم الثابت الـحُسن كأنه قد وُسم، وفلان وسيم أي حسن الوجه والسيما، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: وسيم قسيم، الوسامة: الحسن الوضيء الثابت. (لسان العرب لابن منظور: [15/ 303])
وأما قولها قسيم: فمعناه أيضا حُسن الوجه، كما قال ابن منظور وفي حديث أم معبد: قسيم… القسامة الـحُسن، ورجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال (لسان العرب: [11/ 166]) صلى الله عليه وسلم على حِدَة جميل حسن، فكل جزء منه صلى الله عليه وسلم حاز الجمال كله.، وهذا يعني أن كل جزء منه.
قولها في عينيه دَعَج: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين مع اتساعها، شديد بياض بياضها.
قال في لسان العرب:الدعج والدعجة: السواد، وقيل شدة السواد، وقيل الدعجة شدة سواد العين وشدة بياض بياضها، وقيل شدة سوادها مع سعتها، قال الأزهري: الذي قيل في الدعج إنه شدة سواد سواد العين مع شدة بياض بياضها خطأ، أراد بالأدعج المظلم السواد، جعل الليل أدعج لشدة سواده مع شدة بياض الصبح، وفي صفته صلى الله عليه وسلم في عينيه دعج، الدعج والدعجة السواد في العين وغيرها؛ يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، وقيل: إن الدعج عنده سواد العين في شدة بياضها. (لسان العرب لابن منظور: [4/ 351])
وقولها وفي أشفاره وطف: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل شعر الأجفان.
قال في لسان العرب:الشُّفْر بالضم، شُفْرُ العين وهو ما نبت عليه الشعر، وأصل منبت الشعر في الجفن وليس الشفر من الشعر في شيء. والجمع أشفار، وقال ابن منظور: شفر العين منابت الأهداب من الجفون (لسان العرب لابن منظور: [7/ 149]) صلى الله عليه وسلم: أنه كان في أشفاره وطف؛ المعنى أنه كان أهدب الأشفار أي طويلها (لسان العرب لابن منظور: [15/ 338]). وأما الوطف فهو كثرة وطول شعر الحاجبين والعينين. وقال ابن منظور: الوطف: كثرة شعر الحاجبين والعينين والأشفار مع استرخاء وطول…، وفي حديث أم معبد في صفته.
وقولها وفي صوته صَحَل: أي أنه صوته صلى الله عليه وسلم كان فيه بَحَّة ولم يكن حادا بل كان فيه بحة وخشونة.
قال في لسان العرب:صَحِل الرجل، بالكسر، وصَحِل صوته يَصْحَل صَحَلاً فهو أصحل؛ وصحل: بح؛ ويقال في صوته صحل أي بحوحة، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين وصفته أم معبد؛ وفي صوته صَحَلٌ، وهو بالتحريك كالبحة وأن لا يكون حادا، قال: الصحل: حدة الصوت مع بحح(لسان العرب لابن منظور: [7/ 291]، [292]).
وقولها وفي عنقه سَطَع: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان في عنقه طول.
قال في لسان العرب:السطع بالتحريك: طول العنق، وفي حديث أم معبد وصفتها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ قالت وكان في عنقه سطع. أي طول (لسان العرب لابن منظور: [6/ 258]).
وقولها أحور: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين شديد بياض بياضها وكانت عينه مستديرة.
قال في لسان العرب:والحور أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها، وقيل: الـحَور شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد. (لسان العرب لابن منظور: [3/ 385])
وقولها أكحل: أي أنه أسود أجفان العين، ويقال لكل أبيض شديد سواد العين أنه أكحل.
قال في لسان العرب:والكَحَل في العين أن يعلو منابت الأشفار سواد مثل الكُحْل من غير كحل، وقيل الكَحَل في العين أن تسود مواضع الكُحل، وقيل الكحلاء الشديدة السواد، وقيل وهي التي تراها كأنها مكحولة، وإن لم تكتحل… وفي صفته صلى الله عليه وسلم في عينيه كَحَل؛ الكَحَل بفتحتين: سواد في أجفان العين. (لسان العرب لابن منظور: [13/ 40]، [41])
وقولها أزج: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل الحاجب مع رقة فيه.
قال في لسان العرب:الأُزُوجُ: سرعة الشدة، وأزج في مشيته: أسرع، أَزَج العشبُ: أي طال(لسان العرب لابن منظور: [1/ 130] - [6/ 20])، وقال: وزججت المرأة حاجبها بالمزَجّ: رقّقته وطولته، وقيل أطالته بالإثمد.
وقولها أقرن: أي مقرون الحاجبين أو متصل الحاجبين.
قال في لسان العرب: (رجل أبلج بيّن البلج إذ لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أبلج الوجه أي مسفره مشرقه، ولم تُرد بلج الجاجبين لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا والبلج إذ لم يكن أقرن) (لسان العرب لابن منظور: [1/ 477]).
إذن فأم معبد أرادت بالبلج: أنه مشرق الوجه وليس بعيد ما بين الحاجبين بدليل أنها وصفته بأنه أقرن وهو قريب الحاجبين.
وقولها لا نزر ولا هذر: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان وسطا في الحجم لا قليل ولا كثير، فالنزر هو القليل التافه وهو القليل في كل شيء، والإنسان النزور هو قليل الكلام، والهذر هو الكثير الرديء، وهذر الرجل في كلامه أي أكثر الكلام بلا فائدة. فرسول الله r لم يكن لا هذا ولا هذا إنما كان وسطا بين ذلك وذلك صلى الله عليه وسلم.
قال في لسان العرب:النزر القليل التافه والنزر والنزير: القليل في كل شيء (لسان العرب لابن منظور: [14/ 104]). وقال: الهذر: الكلام الذي لا يُعبأ به، وهذر كلامه هذرا: كثر في الخطأ والباطل، والهذر: الكثير الرديء، وقيل هو سقط الكلام (لسان العرب لابن منظور: [15/ 65]).
وقولها محفود: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان محفودا من أصحابه أي معظما مكرما مخدوما، والحَفْد: هو الخِدمة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت وإليك نسعى ونحفد: أن نسارع في الخدمة والطاعة.
قال في لسان العرب:أصل الحفد الخدمة والعمل (لسان العرب لابن منظور: [3/ 235])، وقال: ورجل محفود أي مخدوم وفي حديث أم معبد: محفود أي يخدمه أصحاب ويعظمونه ويسارعون في طاعته.
وقولها محشود: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتمع عليه أصحابه فيحفون به ويحتشدون حوله.
قال في لسان العرب:حشد القوم يحشدهم ويحشدهم، جَمَعَهم… إلى أن يقول: ورجل محشود: أي عنده حشد من الناس أي جماعة، ورجل محشود إذا كان الناس يحفون بخدمته لأنه مطاع فيهم، وفي حديث أم معبد: محفود محشود أي أن أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه. (لسان العرب لابن منظور: [3/ 183]، [184])
وقولها لا عابس ولا منفد: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان باشّاً جميل المعاشرة لا يهجن أحدا أو يستقل عقله بل كان يوقّر الناس جميعهم صلى الله عليه وسلم وكان صاحبه كريم عليه.
قال في لسان العرب:العابس: الكريه المَلْقي، الجهم المُحَيَّا، والمفَنِّد: بكسر النون: الذي يقابل غيره بما يكره، ومعنى قولها ولا مفَنِّد: أي أنه صلى الله عليه وسلم لا يفند غيره، أي لا يقابل أحدا في وجهه بما يكره ولأنه يدل على الخلق العظيم. (لسان العرب لابن منظور: (هامش): [9/ 20])
وقيل مفَنِّد: أي لا فائدة في كلامه لكِبَر أصابه. (لسان العرب لابن منظور: [10/ 333])
وقيل المفَنِّد: الضعيف الجسم والرأي. ([لسان العرب لابن منظور: [10/ 232])
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن واحدا من أولئك.
أي أن أم معبد التي رأت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته بأنه:
- جميل حسن المنظر سواء تراه عن قرب أو عن بعد.
- أبيض الوجه وضيء.
- ليس له بطن عظيم.
- ليس به صلع، بل شعره من مقدمة رأسه.
- الجمال في وجهه في كل عضو على حدة.
- شديد سواد العين.
- واسع العينين.
- طويل شعر الأجفان.
- في صوته بَحَّة مع خشونة.
- طويل العنق.
- شديد بياض بياض العين، شديد سواد سوادها.
- أسود أجفان العين أكحل.
- طويل الحاجبين مع رقة فيه.
- متصل الحاجبين.
- متوسط حجم الجسم، لا تافه ولا كثير غليظ.
- معظّما مكرّما مخدوما من أصحابه.
- يلتفُّ حوله أصحابه.
- غير عابس ولا يحتقر أحدا.
وإنما انتقيت وصف أم معبد للرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت به في كتابي وصف الرسول كأنك تراه رغم وصف الصحابة رضي الله عنهم له؛ لكون وصفها جامعا ودقيقا، ولكون المرأة أحد نظرا في التفاصيل.
وقد ثبت معظم – إن لم يكن كل- ما قالته في وصفه صلى الله عليه وسلم عن مجموعة من الصحابة متفرقا…
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم مهتمين بوصف هديه وأوامره ونواهيه ومواقع نظره صلى الله عليه وسلم… بل بعضهم كان لا يحد النظر فيه صلى الله عليه وسلم احتراما له وهيبة له وتعظيما… ومنهم من قال ذلك صراحة… فرضي الله عنهم وجزاهم عنا خيرا…
أما هذه فامرأة بدوية واعية لا يشغلها هديه ولا أوامره ولا نواهيه… وإنما شدها معالم خلقته الكريمة وحفاوة أصحابه به… فكان منها ما قرأتم.