عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان - (27) حسن الخلق

منذ 2018-05-12

إنَّ أفضل النِّعم، وأجمل العطايا، وأغْلى المِنن، أن يمنَّ عليك ربُّك بخلُق حسَن؛ فبحسن الخُلُق تدخُل الجنة، وبحُسن الخلُق تدرك أعلى المراتب، وأسْمَى المنازل، وأعلى الدرجات..

(27) حسن الخلق

الوسيلة الثالثة والعشرون: حُسن الخُلُق:

 

قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 151]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في المسنَد: «إنَّما بُعثتُ لِأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق»، وسُئل -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يُدخِل الناسَ الجنة، فقال - كما روَى الترمذي -: «تقْوَى الله، وحُسْن الخلُق».

 

فالحمد لله الذي بصَّر النفوس مِن عماها، وأخْرَجَها مِن ظلماتٍ للجهل كانتْ تغْشاها، ورفَع مكانةَ الأخلاق في الدِّين وأعلاها، وجعَل أهل قُربه وحبِّه مَن تحلَّى بسجاياها، والصلاة والسلام على رسولِ الله محمَّد -صلى الله عليه وسلم- الذي أثْبَت للخَلْق منارةً وأعْلاها، وسبَق الخَلْق كلَّهم في الأخلاق حتى بلغ مُنتهاها.

 

يا بن الإسلام، الإسلام هو دِين الخُلُق، جاء رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بإصلاح الأخلاق وتهذيبها، وإرْساء دعائمِها وتقويمها، فليس للخُلُق مكانة عالية في الدِّين فحسب، بل هو الدِّين كلُّه، وقد حصَر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الغايةَ مِن بعثته، وأساس دعوته في قضيةِ الخُلُق الصالِح.

 

وإذا أردتَ يا بنَ الإسلام حبَّ الله لك، وكمالَ إيمانك، وانشراحَ صدْرك، وقُرْبك من ربِّك، ومجالسة رسولِ الله في الجنَّة، فعليك بحُسن الخلُق، تنلْ ما تتمنَّى؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الحاكم وصحَّحه الألباني: «إنَّ الله كريمٌ يحبُّ الكُرماء، جوَادٌ يحبُّ الجود، يحبُّ معالي الأمور، ويكْرَه سفْسافَها»، وفي صحيح سُنن الترمذي: «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يومَ القيامة أحاسنَكم أخلاقًا»، فمَن سبقَك في الأخلاق - يا بن الإسلام - فقد سبَقَك في الدين؛ ففي صحيح سنن أبي داود: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا».

 

وإنَّ أفضل النِّعم، وأجمل العطايا، وأغْلى المِنن، أن يمنَّ عليك ربُّك بخلُق حسَن؛ فبحسن الخُلُق تدخُل الجنة، وبحُسن الخلُق تدرك أعلى المراتب، وأسْمَى المنازل، وأعلى الدرجات؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سُنن أبي داود: «ما مِن شيءٍ أثقلَ في الميزان مِن حُسن الخلُق»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ المؤمنَ ليُدرك بحُسنِ خُلُقه درجةَ الصائِم القائِم»، وهو حديثٌ صحيح، رواه أحمد في المسند.

 

والمفلح حقًّا، والفائز حقيقةً، والسعيد فعلاً، مَن زكَّى نفْسه بأخلاق الإسلام، وربَّاها على هُدى رسولِ الله - عليه الصلاة والسلام - ولهذا أقْسَم الله -تعالى- أحدَ عشَرَ قَسمًا على أنَّ المفلح مَن زكَّى نفْسَه، وأنَّ الخاسر مَن أهلكها وأهملها، كما في سورة الشمس.

 

فيا بن الإسلام: حسِّن خلُقك؛ فإنَّها وصية الله لك، ووصية رسولِ الله لك؛ فقد قال تعالى:  {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سُنن الترمذي: «وخالِق الناس بخُلُق حسَن»، وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: "الدِّين كله خلُق، فمَن زاد عليك في الخلُق زاد عليك في الدِّين".

 

أخلاقُنا عنواننا، أخلاقُنا رؤوس أموالِنا، أخلاقنا عُدَّتنا، أخلاقنا هي الإسلام ذاته، فاعرِفْها، وعَضَّ عليها بالنواجِذ، اعرفْها واغْنَمها؛ فهي خيرُ كَنْز تكنزه، وخير صفات تتَّصف بها، فإذا فقدتَ الخُلُق الحسن فقدْ تعريتَ مِن الفضائل والخيرات، وحلَّت بك الهموم والحسرات، فلا تنفع الأعمالُ الصالحة مع سوءِ الخلُق؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني: «سوء الخُلُق يفسِد العملَ كما يفسد الخلُّ العسَلَ».

 

أخي يا بن الإسلام، إنَّنا نعيش في أزمةٍ شديدة في مجال الأخلاق، والأمَل معقودٌ علينا - نحن أبناءَ الإسلام - لنعيدَ في الناس الأخلاق الإسلاميَّة، أمَلُنا أن نرَى فينا وفي أبنائنا جيلاً طيَّبتْه الأخلاق الإسلامية، وزكَّتْه وربَّته وصنعتْ منه صورةً حية تشهَد لهذا الدِّين في واقِع الناس، فيرون الإسلامَ صورًا متحرِّكة بيْن الناس، يرون الإسلام نورًا ينبعث مِن سلوكياتنا، يرون الإسلام رحمةً ورفقًا يستميل قلوبَ الخلْق إلينا، يرَوْن فينا الإسلامَ صورةً للحبِّ الصادق والشفَقة البالِغة؛ فننصر دِيننا بأخلاقنا، فإنَّ أخلاقنا هي المغناطيس القويُّ الذي يجذبُ الخَلْق إلى دِيننا ودعوتنا.

 

يا بن الإسلام، صلاحُك في صلاحِ أخلاقك، سعادَتك وفلاحك في حُسن معاملتك، راحةُ البال، وقرَّة العين، وهُدوء الخاطِر، ولذَّة العيش، وصلاح الحال في حُسن الخلُق، أُريدك أن تَقتدي وتَهتدي برسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أُريدك أن تجعلَ مِن سُنَّته ينبوعَ هُدى تقتبس منه، وتترع أخلاقك مِن مَعينه الصَّافي، فهو أكملُ الخلْق خلُقًا، وأعظم الخلْق حالاً، هو المثال الذي جعَلَه الله لنا لنحتذيَه، وهو القُدوة التي جعلَها الله لنا لنتأسَّى بها، وأعظِم به مِن قُدوة! وأكرِم به من إمام - صلَّى الله عليه وسلَّم!

 

قال ربُّنا الذي اختاره واصطفاه، واصطنعه على عينه وربَّاه، وهَدى قلبه إلى أكمل الخلُق وأعلاه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4]، إنَّه الدِّين القويم، والصِّراط المستقيم، والأدَب العظيم الذي استقام عليه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- حتى لقِي ربه، بعدَ أنْ عاش مربِّيًا لأصحابه على أكملِ الأخلاق، وأنشأ جيلاً لم ولن تشهدَ الدنيا له مثيلاً؛ ملأتْ أخلاقه عليهم حياتَهم، وكان أحبَّ إليهم من أهليهم وأولادِهم، ومِن كل شيء، أحبُّوه لخلُقه، واتَّبعوه لصِدْقه - عليه الصلاة والسلام - كان خلُقه القرآن؛ يُرضيه ما يرضي ربَّه، ويسخطه ما يسخط مولاه، ما غضِب لنفْسه قطُّ إلا أن تنتهك حُرماتِ الله، كان أرحم الخلْق بالخلْق، وأحْرَص الخلْق على هداية الخلْق - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

هيا يا بن الإسلام: شمِّر عن ساعدِ الجِدّ، واعزِمْ على أن تتحلَّى بأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعرِفْ خُلُق الإسلام وتمسَّك به تربَحْ وتفلح، مُدَّ يدك، وخذْ هَدي النبيِّ بكلِّ عزْم وحب وصِدق، عَطِّرْ الكون بأخلاق رسولِ الله، واملأ الدنيا بنشْر طِيب حُسن الخلُق، عِش بالإسلام، وعِش للإسلام، وانوِ الخير تُوفَّقْ له، واسلك سبيلَ الهُدى تُسدَّد، واعمل تجِدْ ثواب عملك في الآخِرة، وبشراه في الدُّنيا، وخالِق الناس بخلُق حسن.

 

فاحرص على أن يكونَ خُلُقك حسنًا مع كلِّ الناس، فإنَّ ذلك أدْعى إلى قَبولهم منك ما تدْعوهم إليه، ولتقدِّم الدعوة على نفْسك، يُقدِّمْك الله على كلِّ الناس؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذيُّ وصحَّحه الألباني: ((إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يومَ القيامة أحاسنَكم أخلاقًا))، وقال فيما رواه أبو داود وحسَّنه الألباني: ((أنا زعيمٌ - كفيلٌ وضامن - ببيت في رَبضِ الجَنَّة - ما حولها - لمن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيت في وسطِ الجنة لمن ترَك الكذِب وإن كان مازحًا، وببيت في أعْلى الجنة لمن حسن خلُقه))، والأحاديث في فضل حسن الخلق كثيرةٌ كثيرة، والله المستعان.

 

وحسن الخلُق أمرٌ يسير على مَن يسَّره الله عليه؛ بأن يكونَ المسلم هيِّنًا ليِّنًا على إخوانه، يُقابلهم ببِشر، ويعاملهم برِفْق، يؤدِّي ما عليه، ولا يستوفي حقوقَه، ويسامِح ويصفَح؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما أخْرَجه الحاكِم في المستدرك وصحَّحه الألباني لغيره: ((مَن كان هيِّنًا ليِّنًا قريبًا، حرَّمه الله على النار))، وقال أيضًا فيما رواه الطبراني وصحَّحه الألباني لغيره: ((حُرِّمتِ النار على الهيِّن الليِّن السَّهْل القريب)).

 

قال البيهقي - رحمه الله - في بيان حُسْن الخلق: ومعنى حُسن الخلُق: سلامة النفْس نحو الأرْفَق الأحْمد مِن الأفعال، وقدْ يكون ذلك في ذات الله -تعالى- وقد يكون فيما بيْن الناس، وهو في ذات الله -تعالى- أن يكونَ العبد منشرحَ الصدْر بأوامِرِ الله -تعالى- ونواهيه، يفْعَل ما فرض عليه طيِّبَ النفْس به سلسًا نحوه، ويَنتهي عمَّا حرم عليه راضيًا به غير متضجِّر منه، ويرغَب في نوافل الخير، ويترك كثيرًا من المباح لوجهه - تعالى وتقدَّس - إذا رأى أنَّ ترْكَه أقربُ إلى العبودية مِن فعله، مستبشرًا لذلك، غير ضجِر منه ولا متعسِّر به.

 

وهو في المعاملات بيْن الناس أن يكون سمحًا لحقوقه لا يطالِب غيرَه بها، ويُوفي كلَّ ما يجب لغيره عليه منها؛ فإنْ مرِض ولم يُعَد، أو قدِم من سفرٍ فلم يُزَر، أو سلَّم فلم يُردَّ عليه، أو ضاف فلم يُكرم، أو شفَع فلم يُجب، أو أحسن فلم يُشكَر، أو دخَل على قوم فلم يُمكَّن، أو تكلَّم فلم يُنصَت له، أو استأذن على صديقٍ فلم يُؤذَن له، أو خطَب فلم يُزوَّج، أو استمهل الدَّين فلم يُمهَل، أو استنقَص منه فلم يُنقَص، وما أشبهَ ذلك - لم يغضبْ، ولم يُعاقِب، ولم يتنكَّر - يتغيَّر - من حاله حال، ولم يستشعرْ في نفْسه أنه قد جُفي وأوحش، وأنَّه لا يُقابل كل ذلك إذا وجَد السبيل إليه بمثله، بل يُضمر أنَّه لا يعتدُّ بشيء مِن ذلك، ويُقابل كلاًّ منه بما هو أحسنُ وأفضلُ وأقربُ إلى التقوى، وأشبه بما يُحمَد ويُرضى، ثم يكون في إيفاء ما يكون عليه كهو في حِفْظ ما يكون له، فإذا مرِض أخوه المسلم عادَه، وإنْ جاءَه في شفاعةٍ شفَّعه، وإن استمهلَه في قضاء دَين أمهله، وإنِ احتاج منه إلى معونتِه أعانه، وإن استسْمَحَه في بيع سمَح له، ولا ينظر إلى أنَّ الذي يُعامله كيف كانتْ معاملته إيَّاه فيما خلا، وكيف يُعامِل الناس، إنما يتَّخذ الأحْسن إمامًا لنفْسه، فينحو نحوَه، ولا يخالِفه.

 

والخلُق الحسَن قد يكون غريزةً، وقد يكون مكتسبًا، وإنَّما يصحُّ اكتسابه ممن كان في غريزته أمثل منه، فهو يضمُّ باكتسابه إليه ما يتمِّمه، ومعلومٌ في العادات أنَّ ذا الرأي يزداد بمجالسةِ أُولي الأحلام والنُّهَى رأيًا، وأنَّ العالم يزداد بمخالطة العلماء علمًا، وكذلك الصالِح والعاقِل بمجالسة الصُّلحاء والعُقلاء، فلا ينكر أن يكون ذو الخُلُق الجميل يزداد حُسنَ الخلُق بمجالسة أُولي الأخلاق الحَسَنة، وبالله التوفيق.

 

قال ابن القيم في "المدارج": "وحُسن الخلُق يقوم على أربعةِ أرْكان، لا يُتصور قيام ساقِه إلا عليها: الصبر والعفَّة، والشجاعة والعدْل:

فالصَّبر: يحمله على الاحتمال وكظْم الغيظ، وكفِّ الأذَى، والحِلم والأناة والرِّفق، وعدم الطَّيْش والعجَلة.

 

والعفَّة: تحمله على اجتنابِ الرذائل والقبائِح من القول والفِعل، وتحمله على الحياء - وهو رأس كلِّ خير - وتمنعه مِن الفحشاء، والبُخل، والكذِب، والغِيبة والنميمة.

 

والشجاعة: تحمله على عِزَّة النفْس، وإيثار معالي الأخلاق والشِّيم، وعلى البذْل والنَّدَى، الذي هو شجاعةُ النَّفْس وقوَّتها على إخراج المحبوبِ ومفارقته، وتحمله على كظْم الغيظ والحِلم؛ فإنَّه بقوَّة نفْسه وشجاعتها يُمسِك عِنانها، ويكبحها بلجامها عن النَّزْغ والبَطش، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس الشديدُ بالصُّرَعَة؛ إنَّما الشديد الذي يَملِك نفْسَه عندَ الغضب))، وهو حقيقة الشجاعة، وهي مَلَكةٌ يقتدر بها العبدُ على قهْر خصمه.

 

والعدل: يحمِله على اعتدالِ أخلاقه، وتوسُّطه فيها بيْن طرَفي الإفراط والتفريط، فيحمله على خُلُق الشجاعة الذي هو توسُّط بين الجُبن والتهوُّر، وعلى خلُق الحِلم الذي هو توسُّط بين الغضَب والمهانة وسقوط النَّفْس، ومنشأ جميع الأخلاق الفاضِلة عن هذه الأربعة.

 

ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أرْبعة أركان: الجهل والظلم، والشهوة والغضَب:

فالجهل: يُريه الحسنَ في صورةِ القبيح، والقَبيحَ في صورة الحسَن، والكمال نقصًا، والنقص كمالاً.

 

والظلم: يحمله على وضْع الشيء في غيرِ موضعِه، فيَغْضَب في موضِع الرِّضا، ويرْضَى في موضع الغضب، ويبخَل في موضِع البذْل، ويبذل في موضِع البُخل، ويُحجِم في موضع الإقدام، ويُقدِم في موضع الإحجام، وهكذا.

 

والشهوة: تحمله على الحِرْص والشُّح والبُخل، وعدم العِفَّة، والنهمة والجشَع، والذلِّ والدَّناءات كلها.

 

والغضب: يحمله على الكِبر والحِقد والحسَد، والعُدوان والسَّفَه، ويتركَّب مِن بين كل خُلقين مِن هذه الأخلاق أخلاقٌ مذمومة.

 

وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النفس في الضعْف، وإفراطها في القوَّة؛ فيتولَّد من إفراطها في الضعْف: المهانة والبُخل، والخسَّة واللؤم، والذُّل والحِرْص، والشُّح، وسفساف الأمورِ والأخلاق، ويتولَّد مِن إفراطها في القوَّة: الظلم، والغضب، والحدَّة، والفُحش، والطيش، ويتولَّد مِن تزوُّج أحد الخُلقين بالآخَر: أولاد غيَّة كثيرون، فإنَّ النَّفْس قد تجمع قوةً وضعفًا، فيكون صاحبها أجْبَر الناس إذا قدَر، وأذلَّهم إذا قُهِر، ظالِم عنوف جبَّار، فإذا قُهِرَ صار أذلَّ مِن امرأة؛ جبان عن القوي، جرِيء على الضعيف.

 

فالأخلاق الذميمة يُولِّد بعضُها بعضًا، كما أنَّ الأخلاق الحميدة يُولِّد بعضها بعضًا، وكل خلُق محمود مكتنف بخُلقين ذميمين، وهو وسطٌ بينهما، وطرَفاه خلُقان ذميمان؛ كالجود الذي يكتنفه خلقَا البُخْل والتبذير، والتواضُع الذي يكتنفه خلقَا الذلِّ والمهانة والكِبْر والعلو، فإنَّ النَّفْس متى انحرفتْ عن التوسُّط انحرفت إلى أحد الخُلُقين الذميمين ولا بدّ؛ فإذا انحرفَتْ عن خلُق الحياء، انحرفتْ إمَّا إلى قحة وجُرأة، وإما إلى عجْز وخَور ومهانة، بحيث يُطْمِع في نفْسه عدوَّه، ويفوته كثيرٌ من مصالحه، ويزعُم أنَّ الحامل له على ذلك الحياء؛ وإنَّما هو المهانة والعجْز وموت النفْس، وكذلك إذا انحرفتْ عن خُلُق الصبر المحمود، انحرفتْ إمَّا إلى جزَع وهلَع وجشَع وتسخُّط، وإمَّا إلى غِلظة كبد، وقَسوة قلْب، وتحجُّر طبْع، وكذلك طلاقةُ الوجْه والبِشر المحمود، فإنَّه وسط بيْن التعبيس والتقطيب وتصْعير الخدّ، وطي البِشر عن البِشر، وبيْن الاسترسال بذلك مع كلِّ أحد، بحيث يذهب الهَيْبة، ويُزيل الوَقار، ويطمع في الجانِب، كما أنَّ الانحرافَ الأوَّل يُوقِع الوحشةَ والبغضة والنفرة في قلوب الخلْق.

 

وصاحب الخلُق الوسط مهيبٌ محبوب، عزيزٌ جانبُه، حبيبٌ لقاؤه، وفي صفة نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَن رآه بديهةً هابه، ومَن خالطَه عشرةً أحبَّه" والله – تعالى - أعْلَى وأعْلَم.

 

وأما أرْكان حُسن الخلُق عند شيخ الإسلام الهروي، فقدْ قال - رحمه الله -: (جميعُ الكلام فيه يدور على قُطْب واحِد؛ وهو بذْل المعروف، وكفّ الأذَى، وإنَّما يدرك إمكان ذلك في ثلاثة أشياء: في العِلم، والجُود، والصَّبْر).

 

فأركان حُسن الخلُق عندَه - رحمه الله - ثلاثة: العِلم، والجود، والصَّبر؛ فالعِلم يرشده إلى مواقِع بذْل المعروف، والفرْق بيْنه وبيْن المنكَر، وترتيبه في وضعِه مواضعَه، فلا يضَع الغضَب موضع الحِلم ولا بالعكْس، ولا الإمساك موضِع البذْل، ولا بالعكس، بل يعرف مواقِع الخير والشرّ ومراتبها، وموضِع كلِّ خلُق أين يضَعه، وكيف يُحسِن استعماله.

 

والجود يبعثه على المسامَحة بحقوقِ نفْسه، والاستقصاء منها بحقوقِ غيره، فالجود هو قائِد جيوش الخير.

 

والصبر يحفَظ عليه استدامة ذلك، ويحمله على الاحتمال، وكظْم الغيْظ، وكف الأذَى، وعدم المقابلة، وعلى كلِّ خير، وهو أكْبر العون على نيْل كلِّ مطلوب من خيرِ الدنيا والآخِرة؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]".

 

فإن قلتَ - أخي ابن الإسلام -: هل يُمكن أن يقَع الخُلُق كسبيًّا أو هو أمرٌ خارجٌ عن الكسْب؟

قلت: جوابك فيما قاله ابنُ القيِّم في "المدارج": "يُمكن أن يقَع كسبيًّا بالتخلُّق والتكلُّف، حتى يصيرَ له سجيةً وملَكة، وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأشجِّ عبدِالقيس - رضي الله عنه -: ((إنَّ فيك لخُلُقين يحبُّهما الله: الحِلم والأناة))، فقال: أخُلُقين تخلَّقتُ بهما، أم جبَلني الله عليهما؟ فقال: ((بل جبَلَك الله عليهما))، فقال: الحمدُ لله الذي جبَلَني على خلُقين يحبُّهما الله ورسولُه؛ والحديث متَّفق عليه، وقدْ دلَّ على أنَّ مِن الخلُق ما هو طبيعة وجبلَّة، وما هو مكتسَب، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول في دُعاء الاستفتاح: ((اللهم اهدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يَهدي لأحسنِها إلاَّ أنت، واصرفْ عنِّي سيِّئَها، لا يصرِف عنِّي سيئَها إلاَّ أنت)) فذكَر الكسْب والقدَر، والله أعلم".

 

وأمَّا عن الأسباب التي يُنال بها حسن الخلُق، فقد ذكَر الغزالي - رحمه الله - في الإحياء اثنين، وأزيد هنا سببًا ثالثًا، قال - رحمه الله -: "أحدهما: جُود إلهي وكمال فِطري، بحيث يُخلق الإنسان ويُولَد كاملَ العقل حسنَ الخلُق، قد كُفي سلطان الشهوة والغضَب، فيصير مؤدَّبًا بغير تأديب، والثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهَدَة والرِّياضة، وحمْل النَّفْس على الأعمال التي يَقتضيها الخلُق المطلوب".

 

فالأخلاق الجميلة يُمكن اكتسابها بالرياضة، وهي تكلُّفُ الأفعال الصادِرة عنها ابتداءً؛ لتصير طبعًا انتهاء؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الدارقطني والخطيب، وحسَّنه الألباني: ((إنَّما العِلم بالتعلُّم، وإنما الحِلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومَن يتوقَّ الشر يُوقَه)).

 

وطالب تزكية النفْس وتكميلها وتحليتها بالأعمال الحسَنة لا ينالها بعبادةِ يوم، ولا يُحرَمها بمعصية يوم.

 

والسبب الثالث: هو مشاهَدة أرباب الأفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قُرناء الخير وإخوان الصَّلاح؛ إذِ الطبع يَسرِق من الطبع الشرَّ والخير جميعًا، فمن تظاهرتْ في حقِّه الجهات الثلاث، حتى صار ذا فضيلةٍ طبعًا واعتيادًا وتعلمًا، فهو في غاية الفضيلة، ومَن كان رَذِلاً بالطبع، واتَّفق له قرناء السوء فتعلَّم منهم، وتيسَّرتْ له أسباب الشر حتى اعتادَها، فهو في غاية البُعد من الله - عزَّ وجلَّ - وبيْن الرتبتين مَن اختلفتْ فيه من هذه الجهات، ولكلٍّ درجة في القُرْب والبُعد بحسب ما تَقتضيه صورته وحالته.

 

وأمَّا عن علامة حُسْن الخلُق، فقد قال يوسف بن أسباط: علامة حسن الخلق عشر خصال:

قلَّة الخِلاف، وحسن الإنصاف، وترْك طلب العثرات، وتحسين ما يبدو مِن السيِّئات، والتماس المعذرة، واحتمال الأذَى، والرجوع بالملامة على النفْس، والتفرُّد بمعرفة عيوب نفْسه دون غيره، وطلاقَةُ الوجه للصغير والكبير، ولُطف الكلام لمَن دونه ومَن فوقه.

 

والخلُق الحسن يتحقَّق بحقوقِ الأُخوَّة الإيمانيَّة التي تربط المسلمَ بجميع إخوانه المسلمين فعلاً وتركًا، وهي تبلُغ أكثر من سبعين حقًّا، فتأملها - أخي يا بن الإسلام - في الكُتب المعنية بذلك، وزِن نفسك بها؛ لترَى هل سلوكك يتَّفق مع السلوك الذي أراده الشَّرْع منَّا، والذي طبَّقه الصحابة ومَن تبِعهم مِن السلف - رضي الله عنهم - أم لا، فتعدِّل مسارك، وتصحِّح منهجك.

 

أُسس الخلُق:

اعلم يا بن الإسلام - رحِمك الله - أنَّ حسن الخلُق يقوم على أرْكان أربعة، ولا يُمكن أن يُوصَف مسلِمٌ بحُسن الخلُق إلا بهذه الدَّعائم والأسس، وهي: الصبر والعفَّة، والشجاعة والعدْل، ولكن لماذا كانتْ هذه الأصول الأرْبعة كذلك؟ ذاك لأنَّ الصبر يعلِّم كظْمَ الغيظ، وكفَّ الأذى، والحِلم والأناة، والرِّفق والتأني، أمَّا العفَّة فتكسب المسلِمَ الحياءَ، وتمنعه مِن الفحشاء، وتمنعه أيضًا مِن البخل والكذب، والغِيبة والنميمة، وتحمِله على اجتناب الرَّذائل والقبائح، وأمَّا الشجاعة فتحمِله على عِزَّة النفس، وإيثار معالي الأخلاق، وعلى البذْل والنَّدَى، والعدل يربِّي الإنسان على التوسُّط وعدَم الإفراط أو التفريط.

 

وهكذا يا بن الإسلام ترَى أنَّ أصول الأخلاق الإسلامية تنبثِق من هذه الأربعة وتتفرَّع عنها؛ ولذلك سوف أذكُر لك أمثلةً إن عملتَ بها جاءتك البقيةُ ساعيةً، فانتبهْ لتعمل، وانوِ الخير تُوَفَّقْ له - إنْ شاء الله.

 

1 - الصدق:

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: ((عليكم بالصِّدْق؛ فإنَّ الصِّدق يَهدِي إلى البِر، وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلى الجنة)).

 

أخي يا بن الإسلام، الصِّدق طُمأنينة، وخَصلة حميدة كريمة، والصادِق عزيز مكرَّم، ينال ثِقةَ الناس به، وحبَّ الناس له، وقبل ذلك ينال جنَّةَ الله.

 

والصِّدق هو: مطابَقة الكلام للواقِع بلا زيادةٍ ولا نقصان، وقيل: هو استواء الظاهِر والباطِن والسرِّ والعلانية، وليس الصِّدق في الكلام فحسبُ، بل في الحال كذلك.

 

والصِّدق يؤدِّي إلى الخير، ويدلُّ على الخير، وعاقبتُه خير؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21]، والعاقل اللبيب هو مَن يصْدُق في حاله ومقاله؛ لأنَّه يعلم أنَّ الله بكلِّ شيء عليم، يعلم ما يُخفيه وما يبديه، فباطِنه وسرُّه عندَ الله علانية؛ لهذا أمَر الله بالصِّدق بعدَ الأمر بالتقوى؛ لأنَّ مَن اتَّقى الله صَدَق، ولأنَّ الصِّدق ينبثق من التقوَى وينبُع منها.

 

الصدق يا بن الإسلام هو الذي ينفعك ويرْفعك يومَ القِيامة؛ قال تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119]، وبالصدق تحلُّ البَركة، وبالكذِب تُمحق البركة وتُمحَى؛ قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقَا، فإنْ صدَقَا وبيَّنَا بُورِك لهما في بيعهما، وإنْ كتَمَا وكذَبَا مُحِقتْ بركةُ بيعهما)).

 

وبالصِّدق تُكتب في السماء صدِّيقًا؛ قال -تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [الحديد: 19]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: ((عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يَهدي إلى البِر، وإنَّ البِر يَهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرجلُ يصدُق ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكتبَ عندَ الله صدِّيقًا))، وعندما تصدُق نيَّتك مع الله، فإنَّك تنال ثوابَ العمل وإنْ لم تعملْه، وتحصِّل أجْره وإن لم تنفذه؛ قال تعالى: ﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في سنن النَّسائي: ((إنْ تَصْدُقِ الله يصدقْك))، وسبَق معنا حديث مسلم: ((مَن سأل اللهَ الشهادةَ بصِدق، بلَّغه الله منازلَ الشهداء وإنْ مات على فِراشه))، فيا بن الإسلام: الصِّدقَ الصدقَ، اصدقِ الله يصدقْك.

 

2 - الحلم والأناة:

الحلم هو: مزجُ الصبر بالرِّضا؛ فيحصُل منه سكونُ القلْب، وعدم الاستعجال، واعلم - رحِمك الله - أنَّ التؤدة في كلِّ عملٍ خيرٌ إلا في عملِ الآخِرة، والحليم حبيبٌ إلى الله حبيبٌ إلى خلْقه، كما في حديثِ أشجِّ عبدالقيس: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله ورسوله: الحِلم والأناة))، وقد سبق.

 

وأشرفُ الخلْق وأكرمهم وأعقلهم مَن تحلَّى بالحِلم، فصار الحلم له حالاً دائمًا؛ ولذا وصَف الله -تعالى- خليله إبراهيم - عليه السلام - بهذا الوصفِ الكريم: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: 75]، وذلك نفْس وصف رسولِنا -صلى الله عليه وسلم-: ((ولا يَجزي بالسيِّئة السيِّئةَ، ولكن يعْفو ويصْفَح))، كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - الصحيح في التِّرمذي، بل إنَّه ما كانت تَزِيدُه شدَّةُ الجهل عليه إلا حلمًا - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وبهذا الحِلم تألَّف النبي -صلى الله عليه وسلم- قلوبَ أصحابه، بل وقلوب أعدائه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

قال ابنُ حِبَّان - رحمه الله -: ما ضُمَّ شيءٌ إلى شيءٍ هو أحسن مِن حلم إلى عِلم، وما عُدِم شيءٌ في شيء هو أقبح مِن عدم الحِلم في العِلم.

 

لذلك - يا بن الإسلام - أقولُ لك: ما كان الحِلم والرِّفق في شيء قطُّ إلا جمَّله وزانه، وما نُزع من شيء قط إلا عابَه وشانَه، فكن حليمًا رفيقًا، واحذر الاستعجال، واعلم أنَّ الحلم بالتحلُّم، والعِلم بالتعلُّم، والعاقِل مَن نظر في عواقب الأمور، وعلم بأنَّ كل شيءٍ مقدور، وأنَّ اختيار الله لعبده خيرٌ له في جميع الأمور.

 

فكن حليمًا يملأ الله قلبَك بالرِّضا؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سُنن الترمذي: ((مَن كظَم غيظًا وهو يستطيع أن ينفذه، دعاه الله يومَ القِيامة على رُؤوس الخلائِق حتى يخيِّرَه في أي الحور شاء))، فاغنمِ الرِّضا بالحِلم.

 

3 - الشجاعة:

عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس وأشجعَ الناس.

 

اعلم - وفَّقك الله لما يحبُّه ويرْضاه - أنَّ الشجاع يحبُّه كل أحدٍ حتى عدوُّه، والشجاعة هي: قوَّة القلْب في مواجهة المخاطر، وحقيقتها القلبيَّة: مَلَكة يقتدر بها العبدُ على قهْر خَصْمه.

 

وأولى الناس بالشَّجاعة هم المؤمنون؛ لأنَّهم يَعرِفون الله -تعالى- وأنَّ كلَّ شيء في الكون يجري بقضائِه وقدَره، وأنَّ كلَّ ما قدَّره ربُّهم سيكون؛ ولذلك كان أشجعُ الناس الأنبياء، فتجِد النبيَّ يقِف وهو فرد وحْده ليتحدَّى قومه جميعًا بحدِّهم وحديدهم؛ لأنَّه واثقٌ من موعود ربِّه، راجِع مثلاً وقوف هُود - عليه السلام - أمامَ قومه عاد بقوَّتهم التي لم يخلق مثلها في البِلاد، ووقوف موسى - عليه السلام - أمامَ فِرعون في قصرِه وبين جنوده وجيشِه، ويُرغم أنفه ويذل كبرياءَه.

 

بل راجِع وقوفَ السَّحَرة - رحمهم الله - أمامَ فرعون بشجاعةٍ عجيبة، وقولهم: ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72]، لعَمر الله هذه هي الشجاعة التي تَنال الإعجاب، وهي الشجاعة وثبات القلْب في المواقِف، سبحان الله! كم عُمر هؤلاء السَّحرة في هذا الدِّين؟! إنها لحظاتٌ ثم ينطقون بهذا الكلام القوي الذي يخرُج من قلوب عرَفَتِ الحق وآثرتْه، كذلك الإيمان إذا خالطتْ بشاشتُه القلوب.

 

في صحيح البخاريِّ عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس وأشجعَ الناس، ولقد فزِع أهلُ المدينة ليلةً فخَرَجوا نحوَ الصوت فاستقبلهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وقدِ استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طَلحة عُرْيٍ وفي عنقه السيف، وهو يقول: ((لم تراعوا لم تراعوا))، ثم قال: ((وجدْناه بحرًا))! إنَّها الشجاعة التي تنبض بها القلوبُ الواثِقة بوعْد ربِّها، المؤمِنة بقضائِه وقدَره، فما الذي يحمِل الإنسان على الجُبن والخور؟! وما الذي يدفعه إلى الانقِماع والانزواء في خَندق الخزي بعيدًا عن المواجهة؟! فهذا لن يزداد إلاَّ خزيًا وذلاًّ، ويجترِئ عليه كلُّ سفيه، ويطمع في ضرِّه كلُّ وضيع، فُكن شجاعًا تَمُت شجاعًا؛

 

وَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ

تَعَدَّدَتِ الْأَسْبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدُ

 

وإنك أنْ تلقَ الله وأنت تحمل الراية خيرٌ من أن تلقاه وأنت مولٍّ فارٌّ من الزحف، فكُن مع الحق بالحق، فاتِّخذ الشجاعة زادًا لك، فلن يصيبك إلا ما كتَب الله لك.

 

قال ربُّك - وهو حسبك ووكيلك -: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174 - 173]، ومن هنا تتعلَّم الشجاعة باعتقادك أنَّك تأوي إلى رُكن شديد، إنْ كنتَ لله وليًّا، فتقول حقًّا: ﴿ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 195 - 196].

 

4 - المروءة:

المروءة كمالُ الرُّجولة، وهي: قوَّة للنفس تصدُر منها الأفعال الحميدة، وتَمنع من فعل كلِّ خلُق قبيح؛ قال ابن القيِّم - رحمه الله -: وحقيقة المروءة تجنُّب الدَّنايا والرذائل مِن الأقوال والأخلاق والأعْمال.

 

أخي يا بن الإسلام، إنَّ المروءة هي الترفُّع عن دنَسِ الخطايا، والتنزُّه عن قذَر المعاصي، والتحليق في آفاقِ الطُّهر والنقاء، فصاحِب المروءة لا تذلُّه معصية، ولا تأسِرُه شهوة، ولا يسيطر عليه هوًى، بل هو نقِي القلْب، طاهِر النفس؛ لأنَّ المعاصي للإيمان كالمرَض؛ ولذلك قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -: لو علمتُ أنَّ الماء البارد يثلم مروءتي لما شربتُه، وقال معاوية - رضي الله عنه -: المروءة ترْك الشهوات وعصيان الهوى، وقال ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى -: إنَّ أغزرَ الناس مروءةً أشدُّهم مخالفةً لهواه، وقال بعضُ الحُكماء: أقلُّ ما يجبُ للمنعم بحقِّ نِعمته ألا يتوصَّل بها إلى معصيته، وسُئل الفُضيل - رحمه الله - عن الرَّجل التام الكامِل المروءة، فقال: الكامل مَن بَرَّ والديه، ووصَل رحِمَه، وأكرم إخوانه، وحسن خلُقه، وأحرز دِينه، وأصلح مالَه، وأنفق مِن فضْله، وحسن لسانه، ولَزِم بيته.

 

تلك المروءة لا يتَّصف بها إلا رجلٌ غُرِست في الرجولة أصولُه، فأثمرت تلك المروءة، والمروءة ثياب كرَم يَرتديها أهلُ الفضل والبِر، فتُضفي عليهم جلالةَ الإيمان، وتُبديهم للناس في رَوعة المهابة والإكبار، فتَرَى النفس لهم موقِّرة، منهم مستحيية، وبهم معجَبة؛ لأنَّ بواطنَهم ظهرتْ على وجوههم؛ فلمَع برق القلْب على الوجْه؛ فكسر أبصار الناظِرين، وأسكتَ ألْسِنة المتكلِّمين، إلا بالمدْح لهم والثَّناء عليهم.

 

فالمروءة مراعاةُ أدقِّ التفاصيل في جمال الخُلُق ومراقبة الربِّ - جل وعلا - فمروءة اللسان: حلاوته وطِيبه ولِينه، واجتناء الثمار منه بسهولة ويُسر، ومروءة الخلُق: سَعته وبسطه للحبيب والبغيض، ومروءة المال: الإصابة ببَذْلِه مواقعه المحمودة عقلاً وعرفًا وشرعًا، ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه، ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره وتوفيره، وعدم رؤيته حالَ وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه، فهذه مروءة البذْل.

 

وأمَّا مروءة الترْك: فترك الخِصام، والمعاتبة، والمطالبة والمماراة، والإغضاء عن عيب ما يأخُذه من حقِّك، وترْك الاستقصاء في طلبه، والتغافُل عن عثرات الناس، وإشعارهم أنَّك لا تعلم لأحدٍ منهم عثرة، والتوقير للكبير، وحِفظ حُرْمة النظير، ورِعاية أدَب الصغير.

 

5 - الصبر:

الصبر نِصف الإيمان؛ فالإيمان: نِصف صبر، ونِصف شُكر، وهو حبس النفس عما لا يَنبغي، وهو ثلاثة أنواع: صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي المحرَّمة، وصبر على أقدار الله مِن مِحن وابتلاءات.

 

لذلك فالصابر حبيب إلى الله؛ قال -تعالى-: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، والصبر طريق للإمامة في الدِّين، فبالصبر واليقين تُنال تلك الإمامة؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، والصبر خيرٌ كله إذا كان ابتغاءَ وجه الله، فالصابر في معيَّة ربه، عليه مِن الله صلواتٌ ورحمة؛ قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾[البقرة: 155 - 157].

 

أخي يا بن الإسلام، عاقِبة الصبر الجميل جميلة؛ لذلك كان خير عطاءٍ وأوسع خير يناله العبدُ الصَّبر؛ ففي صحيح البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِن الصبر)) فلا تستعجل؛ فمن تعجَّل شيئًا قبل أوانه، عُوقِب بفواته وحرمانه، واصبر صبرَ الكِرام، قبل أن تضطرَّ لصبر اللئام، والمصاب حقًّا مَن حُرم الثواب، فاحتسب أجْرك، واطلب من ربِّك تسعدْ في الدنيا ويوم الدِّين؛ قال عمر - رضي الله عنه -: وجدْنا خير عيشنا بالصبر.

 

فالصبر - يا بن الإسلام - طريقك إلى الجنَّة؛ ففي الحديث الحسَن عند ابن ماجه يقول الله تعالى: ((ابنَ آدم، إنْ صبرتَ واحتسبتَ عندَ الصَّدْمة الأولى، لم أرْضَ لك ثوابًا دون الجنة))، فالصَّبرَ الصبرَ يا بن الإسلام، ومن يتصبَّر يصبِّرْه الله، صبرًا قليلاً يؤتِك الله تعالى الثواب الجزيل.

 

6 - الوفاء:

الوفاء خُلُق الصالحين والأنبياء؛ مدَح الله -تعالى- خليلَه - عليه السلام - فقال: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37]، وهو علامة الصادقين، وسِمة المتقين، وشِعار المؤمنين الذين ذاقتْ قلوبهم حقيقةَ الإيمان؛ قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 34]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، ومَن وفَّى بعهد الله وفَّى الله له بوعْده، قال الشافعي - رحمه الله -: الحرُّ مَن راعى ودادَ لحظة، ولم ينسَ جميلَ مَن أفاده لفْظة.

 

ولأنَّ الوفاء ضد الخيانة والغَدر والخديعة؛ فإنَّ هذه المعاني الخبيثة لا يَستطيع أن يتَّصف بها المؤمن، ليس له إلا أن يتَّصف بالوفاء، ويتحلَّى به في كلِّ أحيانه، وعلَّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الخلُق بقوله وفِعله وحاله؛ ففي صحيح البخاري: ((مَن أخَذ أموال الناس يُريد أداءها، أدَّى الله عنه، ومَن أخذَها يُريد إتلافَها، أتلفه الله))، بل كان -صلى الله عليه وسلم- وفيًّا غاية الوفاء لعمِّه أبي طالب، وهو حريصٌ على هدايته وهو في سَكَرات الموت، ويدْعوه ويلحُّ عليه أن ينطقَ بكلمة الإسلام، اجتمعتْ فيه -صلى الله عليه وسلم- معاني الوفاء كله، فتجده يُوفي حتى لمن آذاه ووقَع في عِرضه؛ لعبدالله بن أُبي بن سَلول، الذي هو رأس المنافقين، ويَدفنه في ثوبه؛ لأنَّه كسا العبَّاس - رضي الله عنه - عمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ثوبًا لما جاءَ المدينة أسيرًا، فصلَّى الله وسلَّم على سيِّد الأوفياء، الذي علَّم الدنيا معنى الوفاء.

 

فيا بن الإسلام، لك في رسولك أُسوة، فعش بالوفاء ومتْ به، فمَن وفَّى وُفِّي له.

 

7 - العفة:

قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البُخاري: ((ومَن يستعفِفْ يعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنه الله، ومَن يتصبَّر يُصبِّره الله)).

 

فيا بن الإسلام، مَن اتَّصف بالعفَّة جاءتِ العفة بما سواها مِن الفضائل، وفتحت له باب الوصول إلى جميع المحاسِن، والعفَّة هي: الكفُّ عمَّا لا يحل ولا يجمل، وعماد العفَّة: ألا تُطلق جوارحَك إلا فيما يقرُّه الشرع والعقْل، واجتناب ما يُزيِّنه الهوى والشهوة، وهي وصيةُ الله وأمْره؛ قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 33]، ومَن استعفَّ أعفَّه الله وملأ قلبه بالاستعفاف: ((ومَن يستعفِفْ يعفَّه الله))، ومَن غلبته شهوته وتحكَّم فيه هواه، صار ذليلاً مهينًا؛ ولهذا قيل: عبْد الشهوة أذلُّ مِن عبْد الرِّق.

 

قال بعض السلف: ركَّب الله في الإنسان عقلَ ملَك وشهوة حيوان، فمَن غلب عقله شهوتَه، فهو خيرٌ عند الله من ملَك، ومَن غلبت شهوتُه عقلَه، فهو أخسُّ عند الله مِن الحيوان.

 

والعفَّة طريق إلى ظلِّ عرْش الرحمن يومَ القيامة؛ ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله: ((ورجلٌ دعتْه امرأة ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخاف الله)).

 

تلك - والله - هي البُطولة الحقيقيَّة؛ كسر شهوة النفْس ابتغاءَ وجه الله - عزَّ وجلَّ - وخوفًا من عقابه.

 

يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: وللعِفَّة لذَّةٌ لا تعادلها أبدًا لذَّة قضاء الوطر، وكذلك تكون عفَّة النفْس عن المال الحرام، وعن التطلُّع والنظر إلى ما في أيدي الناس، فالعفَّة تملأ القلب بالرِّضا والاطمئنان والإيمان.

 

فالزمِ العفَّةَ يا بن الإسلام تكُنْ كريمَ النفس، زكيَّ الفؤاد، طاهِر القلب، الزم العفَّة يصفُ لك قلبُك، ويزدَدْ إيمانك واطمئنانك، أخي: كن عفيفًا، تلقَ الله كريمًا نظيفًا.

 

يا مهيمن يا مقتدر، نسألك عِفَّة الغِنى، هبْ لنا منك عفَّةً في قلوبنا حتى لا تشتهي شيئًا غير ما قسمتَه لنا، وعِفَّة في أعيننا حتى لا تتطلَّع إلى ما لم تقدِّرْه لنا، وعفَّة في عقولنا حتى لا نشتغلَ بغير الفِكر فيما يرضيك عنا، وعفَّة في حياتنا كلها، يا ربَّ العالمين.

 

8 - العدل:

قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: ((إنَّ المقسطين عندَ الله على منابرَ مِن نور عن يمينِ الرحمن - عزَّ وجلَّ - وكِلتا يديه يمين، الذين يَعدلون في حُكمهم وأهليهم وما وَلُوا))، وفي حديثِ السبعة الذين يُظلُّهم الله: ((إمام عادِل)).

 

العدْل طريق موصلٌ إلى الجنة، وبه يدوم المُلْك، ويتحقَّق لصاحبه الأمنُ في الدنيا والآخِرة، وبه ينال العبدُ رِضا الخالق قبل رِضا المخلوقين، وبالعدل قامتِ السموات والأرْض، والعدل أمرُ الله لعبده في الغضَب والرِّضا؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [الأنعام: 152]، وقال: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاث مُهلِكات: شُحٌّ مُطاع، وهوًى متَّبع، وإعجاب المرءِ بنفْسه مِن الخيلاء، وثلاث منجيات: العدْل في الرِّضا والغضَب، والقَصد في الغِنى والفاقة، ومخافة الله في السرِّ والعلانية))؛ رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني.

 

يا بن الإسلام، بالعدْل تجلس في الجنَّة على مِنبر من نور عن يمين الرحمن، ومن مدرسة محمَّد -صلى الله عليه وسلم- تُخرج قبسات مِن نور لقِيم للعدل منارًا ساطعًا، وتُبدي العدل في دياجير الدنيا نورًا لامعًا، وهكذا فليكُنِ العدل، وعلى العدل وبالعدل بايَع الصحابةُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

وتتضاءَل الكلمات، وتستحي العبارات، وتعجِز الفصاحة عن تصويرِ هذا الموقِف العجيب الذي بقِي مسطورًا على جبين الزمان، هذا الموقف والمشهد الرائع للعدْل عندما يقِف رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: ((يا أيُّها الناس، إنَّما ضلَّ مَن قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرَق الشريفُ ترَكوه، وإذا سرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وايمُ الله لو أنَّ فاطمةَ بنت محمَّد سرقتْ لقطَع محمَّدٌ يدها))؛ والحديث في صحيح البخاري.

 

قال شيخ الإسلام: العدْل نِظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمْر الدنيا بالعدْل قامت، وقال ابن القيِّم: التوحيد والعدْل جماعُ صفات الكمال.

 

فهذا هو العدل يا بن الإسلام؛ منهج الإسلام وأساسه، فاستمسك به، ولا تُعرِض عنه فتهلِك، وعكسه الظلم؛ فإيَّاك والظلمَ لأي أحدٍ بشرًا كان أو حيوانًا أو جمادًا؛ فإنَّ الظلم ظلمات يومَ القيامة.

 

9 - الحياء:

الحياءُ كله خير، ولا يأتي الحياء إلا بخير، وهو خلُق الإسلام، وقرين الإيمان؛ في صحيح البخاري أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمِع رجلاً يعِظ أخاه في الحياء فقال: ((دَعْهُ؛ فإنَّ الحياء مِن الإيمان))، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمدُ والترمذي وصحَّحه الألباني: ((الحياء مِن الإيمان، والإيمان في الجَنَّة، والبَذاء مِن الجفاء، والجفاء في النار))، وأخرج ابنُ أبي شَيبةَ في مصنَّفه والبخاري في الأدَب المفرد - وصحَّحه الألباني - عن ابن عمرَ أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنَّ الحياءَ والإيمان قُرِنَا جميعًا، فإذا رُفِع أحدهما رُفِع الآخَر)).

 

والحياء يا بن الإسلام خُلُق يبعث على فِعل الجميل واجتناب القبيح، ويَمنع من التفريط والتقصير في حقِّ ذي الحق، وهو صِفة مِن صفات ربِّنا -تعالى- وخُلُق من خُلُق نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديثِ الصحيح في سُنن أبي داود: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - حييٌّ ستِّير يحبُّ الحياء والسِّتْر)).

 

وفي الصحيحين مِن حديث شُعَب الإيمان: ((والحياء شُعْبة من الإيمان))، وعند ابن ماجه وصحَّحه الألباني: ((إنَّ لكلِّ دِين خلُقًا، وخُلق الإسلام الحياء)).

 

قالوا: الحياء أن تتفتَّح في قلبك عينٌ ترَى بها أنَّك قائم بيْن يدي الله -تعالى- فتستحي منه، فكُن حييًّا يحبَّك ربُّك، وتنلْ رحمته وعفوه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ حياءً مِن العذراء في خِدرها؛ يقول ابن القيِّم - رحمه الله -: وقِلَّة الحياء مِن موت القلب والرُّوح، فكلَّما كان القلب أَحيا كان الحياء أتَمَّ.

 

والحياء - يا بن الإسلام - يكون مِن أوجه ثلاثة: أولاً: حياء المرْء مِن خالقه -تعالى- وهذه أسْمَى منازل الحياء؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سُنن الترمذي: ((استحيوا مِن الله حقَّ الحياء))، قالوا: يا رسولَ الله؛ إنَّا نستحي والحمد لله، قال: ((ليس ذاك، ولكن الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء أن تَحفظَ الرأس وما وعَى، والبطنَ وما حوَى، ولتذكُر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة ترَك زِينةَ الدنيا، فمَن فعَل ذلك فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء)).

 

قال القرطبي: "فمَن كثر مِن الله حياؤه، انقضتْ نفسه عن مجاهرتِه بالعِصيان؛ إذ عِلمه معه في كلِّ مكان، فمَن عصاه فقد جاهَره، ثم مهما أفشَى معصيته في الخلْق فعلاً وقولاً فقد أعْظَم المجاهرة؛ إذ مَن لا يستحي مِن الناس لا يستحي مِن الله؛ ولذلك كان الحياء الغريزي محمودًا في العبْد؛ لكونه منقبضًا به عن مجاهرة الخلْق فيما يُنكرونه من الفعل"، ومن اشتدَّ حياؤه مِن الله -تعالى- فإن ذلك لا يقِف به عند ترْك المحرَّمات وفقط، بل يبلغ به ألا يقَع في المكروهات، وألا يُقصِّر في المندوبات والواجبات.

 

وروى الإمام أحمدُ في الزُّهد مِن حديث سعيد بن زَيد - رضي الله عنه - أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للرجل الذي استوصاه: ((أُوصيك أن تَستحيي مِن الله كما تَستحيي مِن الرَّجل الصالح مِن قومك))، والحديث رَواه أيضًا الطبراني في الكبير، وصحَّحه الألباني.

 

ثانيًا: حياؤك مِن الناس بكفِّ الأذَى عنهم، وترْك المجاهرة بالقبيح خجلاً مِن أن يُؤثَر عنك سوءٌ؛ ففي صحيح البخاري قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ مما أدرك الناسُ مِن كلام النبوَّة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئت))، وقال حذيفة - رضي الله عنه -: لا خيرَ فيمَن لا يَستحي من الناس، وقال مُطرِّف بن عبدالله - رضي الله عنه - لبعض إخوانه: يا أبا فلان؛ إذا كانتْ لك حاجةٌ فلا تُكلِّمني، واكتبْها في رُقعة؛ فإنِّي أكْره أن أَرَى في وجهك ذلَّ السؤال.

 

ثالثًا: حياؤك مِن نفْسك في الخلوات؛ وهو حياء النُّفوس الشريفة العزيزة الرفيعة، قال بعضُ السَّلَف: مَن عمِل في السرِّ عملاً يستحي منه في العلانية، فليس لنفْسه عنده قدر.

 

قال القاضي عياض: "قدْ يكون الحياء تخلُّقًا واكتسابًا كسائر أعمال البِر، وقد يكون غريزةً، ولكن استعماله على قانون الشَّرْع يحتاج إلى اكتساب، ونيَّة، وعلم، فهو مِن الإيمان بهذا، ولكونه باعثًا على أفعال البر، ومانعًا من المعاصي".

 

* الحياء الغريزي "الجبلي الفطري": كحياء الإنسان مِن التكشُّف، وفي الحديث الذي صحَّحه الألباني أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأشجِّ عبدالقيس: ((إنَّ فيك لخلَّتين يحبُّهما الله))، فقال: ما هما؟ قال: ((الحِلم والحياء))، قال: قلت: قديمًا كانتْ فيَّ أم حديثًا؟ قال: ((قديمًا))، قال: الحمدُ لله الذي جبَلني على خلَّتَين يحبُّهما الله.

 

* الحياء الكَسْبي: ويكون مكتسبًا مِن معرفة الله -تعالى- وقُرْبه من عبادِه، وإحاطته بهم، وعِلمه خائنة الأعين وما تُخفي الصُّدور، فهذا هو الحياء الإيماني، والذي يمنَع المؤمن مِن ارْتكاب المعاصي خوفًا من الله تعالى، وعلى هذا فيَنبغي أن يستعملَ الحياء على النحو الذي يحبُّه الله ويرْضاه؛ ليكونَ قربةً لصاحبه وعبادةً لله تعالى، وفي تقديم الحياء مِن الله -تعالى- على الحياء مِن الناس يقول القرطبيُّ - رحمه الله تعالى -: "وقدْ كان المصطفَى -صلى الله عليه وسلم- يأخُذ نفسه بالحياء، ويأمُر به، ويحثُّ عليه، ومع ذلك فلا يمْنَعه الحياء من حقٍّ يقوله، أو أمْر دِيني يفعله، تمسُّكًا بقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53]، وهذا هو نهايةُ الحياء وكماله، وحُسْنه واعتداله؛ فإنَّ مِن فرط عليه الحياء حتى منَعَه من الحقِّ، فقد ترَك الحياء مِن الخالق، واستحيا من الخلق، ومَن كان هكذا حُرِم منافع الحياء، واتَّصف بالنِّفاق والرِّياء، والحياء مِن الله هو الأصل والأساس، فإنَّ الله أحقُّ أن يُستحيا منه، فليحفظ هذا الأصْل؛ فإنَّه نافع".

 

يا بن الإسلام، إنَّ الحياء يأخُذ بيدك إلى كلِّ خير، ويدلُّك على كلِّ فضْل؛ قال بعض الحُكماء: مَن كان الحياء ثوبَه، لم يرَ الناسُ عيبَه، فالحياء حياةُ قلبك وحياتك في الجنَّة، وذَهاب الحياء عنك موتُ القلب، وشَقاء الدُّنيا والآخِرة، ومَن استحيا مِن الله استحيا منه الصالِحون، ومَن استحيا مِن الناس أقْبَل عليه بالحبِّ المؤمنون، ومَن استحيا مِن نفْسه حجزها عن كلِّ عيب يشين، فكُن حييًّا تسعدْ وتُفلح، كن حييًّا تربحْ وتنجح، كن حييًّا؛ فالحياء خيرٌ كلُّه.

 

10 - التواضع:

قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: ((إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يَبغي أحدٌ على أحد، ولا يفخرَ أحدٌ على أحد)).

 

التواضُع - يا بن الإسلام - ألاَّ ترى لك حقًّا، ولا تشهد لنفسك فضلاً، ولا تجعل لنفسك قيمة، فمَن رأى لنفْسه قيمةً فليس له في التواضُع نصيب؛ قال عطاء - رحمه الله -: هو قَبول الحقِّ ممَّن كان.

 

والعزُّ في التواضُع، فمَن طلبه في الكِبر فهو كطالب الماء مِن النار، ومِن صفات عباد الرحمن أنهم: ﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ [الفرقان: 63]؛ أي: ساكنين متواضعين لله -تعالى- والخَلْق.

 

قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -: هذه صِفات المؤمنين الكُمَّل؛ أن يكون أحدُهم متواضعًا لأخيه ووليِّه، متعزِّزًا على خصْمه وعدوِّه، وقد وصف الله عبادَه الذين هداهم للإيمان فقال: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].

 

والتواضُع سُلَّم للعزَّة والرفعة، وسبيل للقُرب من الله تعالى؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: ((وما تواضَع أحدٌ لله إلا رفَعَه الله))، وبقدْر تواضعك وذُلِّك لله تنال المكانة والمنزلة عندَه، وإذا تكبَّرْتَ ولو بقدْر ذرَّة حُرمت جنة الله، وحاق بك عذابُه وعقابه؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم: ((لا يدخُلُ الجَنَّةَ مَن كان في قلْبه مثقال ذرَّة مِن كِبر)).

 

قال ابن الحاج: ومَن أراد الرفعة فليتواضع لله تعالى؛ فإنَّ العزة لا تُقدَّر إلا بقدر النزول، ألاَ ترى أنَّ الماء لما نزل إلى أصلِ الشجرة صعِد إلى أعلاها، فكأنَّ سائلاً سأله: ما صعِد بك إلى هنا؟ أعني: في رأس الشجرة وأنت تحتَ أصلها؟ فكان لسان حاله يقول: مَن تواضع لله رفعَه!

 

قال الأحنفُ بن قيس - رضي الله عنه -: عجبتُ لِمَن خرَج من مجرى البول مرَّتين كيف يتكبَّر؟! وقال مُصعَبُ بن الزُّبَير - رضي الله عنه -: التواضُع مصائدُ الشرف، وقيل في منثور الحِكم: مَن دام تواضعُه كثُر صديقه.

 

فيا بن الإسلام، إيَّاك والكِبر، فما يتكبَّر إلا غبي، فهو لا يَدري بماذا يتكبَّر؟! أليس كلُّ ما فيه مِن نعم محض فضل مِن الله؟! قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري: ((ألاَ أُخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلٍّ جَوَّاظ مستكبِر)).

 

التواضع - يا بن الإسلام - خُلُق نبيِّك، فتخلَّق به تكُنْ معه في الجنة وتسعَدْ بحبِّه وقُربه؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمرُّ على الصِّبيان ويسلِّم عليهم، وكان يخصِف نعلَه، ويرقِّع ثوبه، ويحلب الشاةَ لأهله، ويعلف البعير، ويأكُل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ مَن لقيه بالسلام، ويُجيب دعوةَ مَن دعاه ولو إلى أيسرِ شيء، كان يعود المريضَ، ويشهد الجنازة، ويركَب الحمار، ويُجيب دعوةَ العبد، ذلكم هو نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وتِلْكُم هي أخلاقه، فهل تبغي بها بدلاً؟!

 

على قدْر عِلمك بالله يكُون تواضعك، وعلى قدْر عِلمك بنفسك يكُون تواضعك، والسنبلة الفارغة هي التي تنتفش واقفة، أمَّا السنبلة الملأى فإنها تنحني متواضعة، فإذا تكبَّرْتَ فاعلم أنَّ ذلك بقلَّة عملك، وسوء أدبك، وشدَّة جهلك، وإذا تواضعتَ فهذا ببركة عمل صالح غرَس في القلب تقوى، فتواضع يعزَّك الله ويرفعك.

 

11 - الجود والإيثار:

قال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سُنن الترمذي: ((إنَّ الله طيِّب يحب الطيِّب، نظيف يحبُّ النظافة، كريم يحبُّ الكَرَم، جوَاد يحب الجُود))، الجواد الكريم كريم على الله، حبيبٌ إليه، كريمٌ على الناس حبيبٌ إليهم، وخيرُ الناس أكرمُهم؛ ألم ترَ إلى إبراهيم - عليه السلام - عندما جاء إلى الضيفان قدَّم لهم عجلاً سمينًا؟! ألم ترَ أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر، وأعطى رجلاً غنمًا بين جبلين، وكان يُعطي الرجل مائةً من الإبل!

 

ويدلُّك ذلك على أنَّ الإيمان هو وقودُ الكرَم، ومحرِّك الجود؛ يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلْقاه جبريلُ - عليه السلام - فإذا لقِيَه جبريل - عليه السلام - كان أجودَ بالخير من الرِّيح المرسَلة؛ والحديث في البخاري.

 

ولا يَسكُن البخلُ والشحُّ إلا قلبًا خوَّارًا، فارغًا ضعيفًا، ومَن وُقي شرَّ الشح كان مِن المفلحين، ومَن آثر إخوانه بالخير على نفْسه كان عندَ الله مِن الفائزين؛ قال -تعالى-: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

 

سبحان الملك! كان أويسٌ القرني - رحمه الله - إذا أمْسى تصدَّق بما في بيته من الفضل مِن الطعام والشراب، ثم يقول: اللهمَّ مَن مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومَن مات عريًا فلا تؤاخذني به؛ فإنَّك سبحانك تعلم أنِّي لا أملك إلا ما في بطْني! وقال بعضُ الحكماء: جودُ الرجل يحبِّبه إلى أضداده، وبُخله يبغضه إلى أولادِه.

 

أخي - يا بن الإسلام -: الإيثار على درجات ثلاث:

أولها: أن تؤثِر الخلْق على نفسك بما لا يُفسد عليك دِينَك ووقتَك.

 

وثانيها: إيثار رِضا الله -تعالى- على رِضا غيره، وإن عظُمت في ذلك المِحن.

 

وثالثها: إيثارك الإيثارَ لله -تعالى- فتعلم أنَّ إيثارك ليس منك، بل مِنَّة الله عليك، وهذه قِمَّة الأخلاق، ودستور حُسن الخُلُق، ويتم ويكمل بها الرَّجلُ الكامل.

 

ولا تعجب؛ فإنَّ عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - اشتهَر جدًّا من حاله أنَّه بات في فِراش النبي -صلى الله عليه وسلم- يفديه ويؤثِره بالحياة، أرأيتَ - يا بن الإسلام - كيف يكونُ الإيثار بالحياة؟!

 

فأنبِّهك بهذا على الإيثار بما هو أقلُّ وأدْنى، فآثِر إخوانك تنلْ حبَّهم وودَّهم، آثِر إخوانك تنلْ رِضا الله تعالى، واحذر البُخل؛ فإنَّ البخل ممقوتٌ مبغوض عندَ الله وعند خلْقه، وكلَّما زاد كرمُك زاد إكرامُ الله تعالى لك.

محمود العشري

كاتب له عدد من الكتابات في المواقع الإسلامية

  • 15
  • 1
  • 52,516
المقال السابق
(26) بناء المساجِد
المقال التالي
(28) إفشاء السلام

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً