القدس واقع مرير وتهويد مستمر وغياب عربي واضح
أجمعت شخصيات مقدسية - علماء دين وباحثون في شئون مدينة القدس المحتلة على خطورة الوضع القائم وقتامة المستقبل المنظور للمدينة المقدسة في ظل تسارع عمليات التهويد التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة لا سيما مع اشتداد وتيرة الحفريات أسفل المسجد الأقصى المبارك ومصادرة الأراضي والأملاك تحت غطاء ما يسمى "قانون الغائبين" الصادر في عام 1951م.
تعيش مدينة القدس المحتلة على صفيح ساخن ربما يؤدي إلى انفجار الأوضاع باندلاع انتفاضة ثالثة في ظل الانتهاكات الإسرائيلية شبه اليومية للمسجد الأقصى والمحاولات المبذولة لتقسمه زمنيا على غرار ما هو قائم في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية وحالة التضييق غير المسبوق على السكان الفلسطينيين الذين يشعرون أنهم وحدهم في مواجهة سياسة التهويد الإسرائيلية مع الغياب غير المتعمد أو القصور في المنظومة الفلسطينية والعربية والإسلامية المتكاملة في مواجه الإجراءات الإسرائيلية واقتصارها المواقف الموسمية التي تفرضها طبيعة الأحداث الجارية في القدس.
فقد أجمعت شخصيات مقدسية - علماء دين وباحثون في شئون مدينة القدس المحتلة على خطورة الوضع القائم وقتامة المستقبل المنظور للمدينة المقدسة في ظل تسارع عمليات التهويد التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في المدينة لا سيما مع اشتداد وتيرة الحفريات أسفل المسجد الأقصى المبارك ومصادرة الأراضي والأملاك تحت غطاء ما يسمى "قانون الغائبين" الصادر في عام 1951م، إضافة إلى الإصرار على تداول ما يسمى بمصطلح "القدس الشرقية" وهو أحد إفرازات اتفاق "أسلو" للسلام، سواء في الإعلام أو على لسان مسؤولين فلسطينيين وعرب، متجاهلين بذلك تاريخ وعروبة وإسلامية ووحدة المدينة المقدسة.
تنازل علني وظلم كبير
وفي هذا السياق أكَّد خطيب المسجد الأقصى د. عكرمة صبري لمجلة البيان رفضه المطلق لمسمى "القدس الشرقية"، معتبراً ذلك تنازل غير علني عن الجزء الكبير من مدينة القدس، التي تقع في الجهة الغربية، وقال د. صبري إنَّ تسويق هذا المصطلح هو تكريس للاحتلال.
وشدَّد د. صبري على أنَّ الاتفاقات والتفاهمات الفلسطينية – "الإسرائيلية" طوال سنوات المفاوضات المتواصلة حتى اللحظة ظلَّمت القدس؛ من خلال تأجيل دراسة ملف القدس إلى مفاوضات الحل النهائي حسب اتفاقية أوسلو، وتأكيد الجانب الإسرائيلي مراراً وتكراراً على أنَّ قضية القدس غير خاضعةٍ للمفاوضات وستبقى العاصمة الموحدة والأبدية "لإسرائيل".
إجراءات تهويدية
مؤكداً في الوقت ذاته على تصدي أهل القدس لكل محاولات الاقتحام المتكررة وشبه اليومية من قبل الجماعات الصهيونية المتطرفة لباحات المسجد الأقصى في محاولة يائسة لفرض وقائع جديدة على الأرض، هذا فضلاً عن إقرار الاحتلال الإسرائيلي لسلسلة غير متناهية من الإجراءات التهويدية بهدف حنق المدينة وتهجير أهلها سواء بمحاولة فرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس العربية بالقدس، مما يمثل حرباً فكرية وثقافية لسلخ الأجيال القادمة عن تاريخ وعربة المدينة أو بمحاصرة مدينة القدس بالمستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية بهدف عزل القدس عن محيطها العربي، وبالتالي إضعافها اقتصادياً وتجارياً.
ولفت د. عكرمة صبري إلى عمليات المصادرة المتسارعة التي تنفذها سلطات الاحتلال للأراضي في المدينة المقدسة والقرى المجاورة تحت ذريعة ما يسمى "قانون الغائبين" وهو قانون جائر صدر عام 1951م، لسلب أكبر مساحةٍ ممكنةٍ من أرض فلسطين، لأنَّ اليهود الصهاينة حتى عام 1948م، لم يكن يملكون سوى 6 % من أرض فلسطين التاريخية.
غياب عربي واضح
وحول الدور العربي تجاه حماية مدينة القدس المحتلة من التهويد أكَّد المفكر الإسلامي المقدسي الأستاذ الدكتور مصطفى أبو صوي على أنَّ غياب إستراتيجية عربية موحَّدة تجاه القدس يدفع بالاحتلال إلى تكريس وزيادة عمليات التهويد.
ويرى د. أبو صوي في أنَّ حالة التشرذم الذي يعيشها العالم العربي ووجود تحالفات ومعسكرات مختلفة، بل ومتعارضة لا يمكن أن تشكل ضغطاً على الاحتلال الصهيوني لوقف ممارساته في القدس، مطالباً الزعماء العرب بوضع قضية القدس نصب أعينهم، على أنْ تصبح عاملاً مشتركاً يلتفُّون حوله لحمايتها، وتقديم الدعم لكافة قطاعات الحياة من التعليم والصحة والإسكان ضمن تصور شامل وخطة متكاملة لتعزيز صمود أهل القدس في مواجهة كافة محاولات التهجير.
وأشار د. أبو صوي إلى أنَّ انشغال الدول العربية بشئونها الداخلية في ظل حالة الحراك الذي طال عدداً منها حال دون تقديم الدعم العربي المطلوب للقدس في مواجهة محاولات الأسرلة للمدينة وتفريغها من سكانها الفلسطينيين والضغط عليهم وإرهاقهم اقتصاديا من خلال التكلفة الباهظة لرخص البناء داخل حدود بلدية القدس المحتلة مما يدفع غالبيتهم للبناء دون ترخيص الأمر الذي يجعل هذه البيوت عرضة لعمليات الهدم أو الانتقال للسكنى خارج حدود البلدية في بلدات الضفة الغربية المجاورة، مما يساعد الاحتلال على تفريغ المدينة المقدسة من أهلها، سيما أنَّ هؤلاء المقدسيين الذين يسكنون في الضفة الغربية يكونون عرضةً لسحب الهويات المقدسية منهم، مما يؤثر سلباً على الحضور الفلسطيني في القدس لصالح الاحتلال.
ووفقا للاحصئيات قال د. أبو صوي إنَ وزارة داخلية الاحتلال سحبت هويات 4577 مقدسياً عام 2008م، وحده، وبالتالي تمَّ طردهم خارج مدينتهم.
إلى ذلك بيَّن د. أبو صوي جملة من التحديات الجسيمة التي تواجه التواجد الفلسطيني في المدينة المقدسة خاصة بعد إقامة جدار الفصل العنصري الذي عزل مدينة القدس عن محيطها العربي وحال دون وصول سكان المدن الفلسطينية الأخرى إليها، إلى جانب منع أهل القدس من الرجال دون الخمسين من العمر في كثير من المناسبات من دخول المسجد الأقصى، بل وحرمان النساء اللاتي يواظبن على دخول المسجد الأقصى من الدخول في بعض المرات، في حين يسمح للمستوطنين المتطرفين الدخول أيام الأسبوع من الأحد إلى الخميس تحت حماية شرطة الاحتلال وجنوده.
مكانة عظيمة
هذا فيما أكد الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة على المكانة المقدَّسة لمدينة القدس، حيث ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في الآية الأولى التي افتتحت بها سورة الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وذلك حتَّى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يفرِّط في واحد منهما، فإنَّه إذا فرَّط في أحدهما أوشك أنْ يفرِّط في الآخر، فالمسجد الأقصى ثاني مسجد وضع لعبادة الله في الأرض، كما ورد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري –رضي الله عنه- أنَّه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أولاً ؟ قال: المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاماً".
دور الإعلام
حول الدور الذي يلعبه الإعلام في إبراز مدينة القدس وتزويد المسلمين بالمعلومات الصحيحة لا الملفقة الذي يروجها الإعلام الإسرائيلي قال د. يوسف سلامة إنَّ وسائل الإعلام على اختلافها تمارس دوراً كبيراً في إبراز القضية الفلسطينية من خلال التاريخ الصادق، وإظهار الحقوق التاريخية والسياسية والعقدية والحضارية للعرب والمسلمين في فلسطين، فمن المعلوم أنَّ مساحة المسجد الأقصى المبارك تبلغ (144) مائة وأربعة وأربعين دونماً، والدونم عبارة عن (1000م2)، وتشتمل هذه المساحة على جميع الأبنية والساحات والأسوار وأهمها: المسجد القبلي (الذي يصلى فيه المسلمون حالياً ويوجد به المنبر) ويقع في الجهة الجنوبية من الأقصى ومساحته تقرب من خمس دونمات ونصف، والمسجد القديم ويقع أسفل المسجد الحالي ومساحته تقرب من دونم ونصف، والمصلى المرواني (التسوية الواقعة في الجهة الجنوبية الشرقية من الأقصى وتقرب مساحته من أربع دونمات ونصف)، ومسجد قبة الصخرة المشرفة ومساحته تقرب من دونم وثلاثة أرباع الدونم، بالإضافة إلى المصاطب والمحاريب والمصليات والقباب والأسيلة والساحات والأسوار كلها في عرف الشرع (المسجد الأقصى المبارك).
محاولات لتزيف التاريخ
وشدَّد د. سلامة على المحاولات الإسرائيلية على تزيف تاريخ المدينة المقدسة من خلال إقامة الحدائق التلمودية والقبور الوهمية ونبش المقابر ومواصلة الحفريات من أسفل المسجد الأقصى لإقامة مترو للأنفاق أسفله وبناء كنس بجواره، حيث تمَّ بناء وافتتاح كنيس الخراب بجوار المسجد الأقصى المبارك في منتصف شهر مارس سنة 2010م، ليكون مقدِّمةً لهدم الأقصى لإقامة ما يُسمّى بـ"الهيكل المزعوم" بدلاً منه لا سمح الله، وكذلك التخطيط لبناء أكبر كنيسٍ يكون ملاصقاً للمسجد الأقصى المبارك ويسمى "كنيس الجوهرة"، إلى منع سدنته وحراسه وأصحابه من الوصول إليه، ناهيك عن الاقتحامات المتكررة للجماعات المتطرفة الإسرائيلية بصورة دائمة إلى باحات المسجد الأقصى المبارك تحت حراسة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك لتأدية طقوسهم وشعائرهم التلمودية في ساحات المسجد، وما محاولاتهم الأخيرة لفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى المبارك عنَّا ببعيد، ناهيك عن الاعتداءات المتكررة على طلبة مصاطب العلم. والعالم وللأسف يغلق عينيه، ويصمًّ أذنيه عمَّا يجري في القدس.
إنهاء الانقسام
فقد ناشد الشيخ يوسف جمعة سلامة القيادة الفلسطينية على اختلاف ألوانها وأطيافها السياسية إلى إنهاء الانقسام والتوحُّد في مواجهة الخطر الإسرائيلي الداهم تجاه مدينة القدس، موجهاً حديثه لهم بالقول "يجب أنْ تعوا حقيقة واضحة أنَّ القدس لم تفتح في عهد عمر ولم تحرر في عهد صلاح الدين إلا عندما كانت كلمة الأمة مجتمعةً، طالما كانت الأمة متفرقة لن تتحرر القدس، هذا سنَّة من سنن الله في الكون وسنن الله في الكون لا تحابي أحدا،ً وهذا يجب أن يعيه الجميع فأنا أقول إلام هذه الضجة الكبرى بينكم ؟، ما دام كلنا نقول القدس ضاعت والأقصى، والأسرى أبطالنا في خطر، والمناهج تغيرت، والحصار على الشعب الفلسطيني، علام نختلف ؟! تعالوا على أن نتعالى على الجراح، وتعالوا أن نفتح صفحة جديدة من المودة والأخوة، تعالوا لنكون كما كنا دائماً في الانتفاضة الأولى والثانية كل منا يساعد الآخر ويقف لتصدي لهذه الهجمة الشرسة الاحتلالية التي لا تُبقي ولا تذر وطالت الشجر والبشر والحجر، تعالوا لنكون كما أراد رسولنا صلى الله عليه وسلم كالجسد الواحد تعالوا لنحقق قول الشاعر رص الصفوف عقيدة أوصى الإله به نبيه، ويد الله مع الجماعة والتفرق جاهليةً".
الكاتب: أحمد فايق دلول
- التصنيف:
- المصدر: