نعم المصلى (25) خطورة التهويد

منذ 2017-12-15

عَمِل اليهود منذ اللحظات الأولى على تهويد كل ما من شأنه أن يهود، بزعهم أنها أرض الميعاد التي سلبت منهم، وأنها لشعب الله المختار، وأنهم شعب بلا أرض لأرض بلا شعب!

نعم المصلى (25) خطورة التهويد

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.


الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر

س25/ ما هو أعظم تحدي يواجه المسلم بخصوص الأقصى؟

المسجد الأقصى المبارك يئن جريحا حزينا أسيرا بيد الصهاينة، تحت وطأة الاحتلال وما يتعرض له من ظلم وقهر واضطهاد وتحديات، لأنه احتلال فريد من نوعه وغير مسبوق إذا ما قورن مع غيره قديما وحديثا!


كل احتلال لديه أهداف خاصة محددة، تختلف باختلاف الزمان والمكان والحال والمعطيات، إلا الاحتلال الصهيوني لأرضنا فلسطين، فهو احتلال إحلالي عسكري إرهابي عنصري تخريبي تهويدي تدميري إذلالي إفسادي إجرامي وظيفي، لم يسلم منه الشجر ولا الحجر ولا البشر.


فهو احتلال جاء ليغتصب الأرض ويدنس المقدسات ويشرد الشعب، ويشوه ويزور التاريخ ويغير المعالم، ويقتلع الشجر ويقتل البشر ويهود الحجر، ويجلب الآخرين الذين لا صلة لهم بتلك الأرض ويسكنهم فيها بشتى المبررات والإغراءات.


عَمِل اليهود منذ اللحظات الأولى على تهويد كل ما من شأنه أن يهود، بزعهم أنها أرض الميعاد التي سلبت منهم، وأنها لشعب الله المختار، وأنهم شعب بلا أرض لأرض بلا شعب! كما يروجون ويكذبون، حتى أصدر حاخاماتهم الكثير من الفتاوى التي تمنع وتحرم خروجهم من أرض فلسطين وتدعو لقتل المدنيين في فلسطين.


اليهود ليس لديهم أي رابط تاريخي ولا ديني ولا تراثي بفلسطين، وحتى يحققوا واقعا جديدا يطيل أمد بقائهم، مارسوا كل أنواع التهويد، فلم يتركوا حجرا ولا شجرا ولا زاوية ولا حارة ولا بقعة؛ إلا ادعوا أنها يهودية!!


اليهود لديهم عقدة نقص وشعور بالغربة[1]، دفعهم لإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين، وادعاء ذلك التاريخ للأجيال اليهودية القادمة، إذ بعد أن اغتصبوا الأرض حقيقة وواقعا وأرضا وتمكنوا منها، وقطعوا شوطا كبيرا في مجالات التهويد المتنوعة، يبذلون جهودا جبارة لتهويد العقل العربي والمسلم، وانتزاع الولاء الشرعي والتعلق الإيماني بتلك الأرض، من خلال التشكيك بمكانته وتغيير الحقائق وتزوير التاريخ وبث الشبه.


إذن لدينا في تلك الأرض المباركة مشروعان متضادان، مشروع التهويد الذي يتبناه الصهاينة بكل ما أوتوا من قوة، ويعملون عليه ليل نهار، ومشروع التثبيت المضاد له، والذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته جميع المسلمين، لتثبيت الحق الشرعي والتاريخي للمسلمين، لكن للأسف مشروعهم قوي ومتماسك ومستمر ويسير وفق خطط وبرامج محكمة، ومشروعنا ضعيف ومبعثر ومتقطع ولا يرتقي للمسؤولية الشرعية العقدية لتلك الأرض.


وحتى يكون هنالك ديمومة للمحتل على أرضنا فلسطين واستمرار للوجود اليهودي في مدينة القدس؛ لابد من رابط ديني وعلاقة تاريخية وتسويغ ثقافي تراثي ومبررات جغرافية ديمغرافية، لإقناع شعبهم ابتداء والشعوب الداعمة لهم، وبعض العرب والمسلمين البعيدين عن الحقائق الشرعية والتاريخية لحقيقة الصراع.


اليهود ينطلقون في التهويد الديني الثقافي من معتقدات دينية توراتية وتلمودية محرفة، فهم يزعمون أن وجودهم مبني على نصوص توراتية، فيقومون بابتكار وتوهم أماكن مقدسة في ليلة وضحاها ويدعون أنها من كتبهم، فالدولة قائمة على تسميات دينية، اسمها " إسرائيل" نسبة إلى يعقوب عليه السلام، ومدينتهم " مدينة داود" والنجمة" نجمة داود" والمعبد " هيكل سليمان"!!


فالتهويد استراتيجية يهودية لضمان مستقبل الدولة، والمحافظة على وحدة وتماسك الشعب، فيأتي السياسي ليخترع، والحاخام يشرع، والقانوني يسوغ، والثري يمول، والإعلامي يسوق، والشعب يصدق!


يبذل اليهود قصارى جهدهم لإضفاء قدسية يهودية على الأرض، من خلال تحويل مباني وقفية ومواقع تاريخية مهمة إلى أماكن يهودية مقدسة! وبناء قبور وهمية حول المسجد الأٌقصى وإنشاء أكثر من 100 كنيس تحيط بالمسجد الأقصى!


بنفس الوتيرة تتسارع عمليات التهويد الجغرافي والديمغرافي، من خلال مصادرة الأراضي والأملاك، وفرض الضرائب، وعدم السماح للفلسطينيين بالبناء، والاعتقالات المستمرة، وبناء مغتصبات " مستوطنات" جديدة، وتوسيع مساحات بلديات المدن لصالحهم، وغيرهم من وسائل القهر والظلم، لتحقيق كثافة سكانية يهودية ومساحات شاسعة بذات الوقت.


التهويد التاريخي لا يقل خطرا عن سابقاته، فطمس الحقائق وتزوير التاريخ وتغيير المعالم أمور متجذرة متأصلة فيهم، فقد أسقطوا ألفي عام من تاريخ مدينة القدس، وعندما دخلوا مدينة القدس سنة 67 لم يجدوا أي آثار أو معالم تاريخية لهم، فعمدوا إلى حائط البراق وقالوا: هذا جزء متبقي من هيكل سليمان!


من غرائب التهويد التاريخي ادعائهم الوجود اليهودي فترة الحروب الصليبية، واختلاق معاناة ودور في تلك الحروب، حتى زعموا أن معركة حطين "شأن يهودي" مثلما هي شأن عربي وإسلامي!


لم تترك حارة ولا زاوية في القدس إلا وتعرضت للعبث والتغيير والتهويد، حتى مقابر المسلمين، وآثار القرى العربية قاموا بإزالتها وطمسها واستخدام حجارتها في بناء المغتصبات، ومنعوا استخدام الإسمنت المسلح في القدس، لكي يخيل للزائر أن هذا السور أو ذلك البناء بني من مئات السنين!


نجحوا في تهويد وعبرنة أكثر من 7000 اسم لمواقع فلسطينية، ومئات الأسماء التاريخية، بل بقايا بلاط الطريق الروماني الموجود منذ آلاف السنين قاموا بقلعه وإزالته!


حتى في التراث قاموا بتهويد الزي والأكلات الفلسطينية، حتى جعلوا الزي الفلسطيني لباس طيران شركة العال "الإسرائيلية"، كما صمموا "الكوفية الفلسطينية" بألوان "علم إسرائيل ونجمة داود" في محاولة لسرقتها، حتى الزهور والزيتون سرقوها وشاركوا باسمهم في الصين، وحازوا الجائزة الأولى في المهرجان السنوي للمفتول عام 2000 في إيطاليا بادعائهم أنه طبق إسرائيلي!


فلم يتركوا شيئا إلى عبثوا به وقاموا بتزويره والاستيلاء عليه، ليوهموا الناس تاريخا مزورا، لذلك يبقى أعظم وأكبر وأخطر تحدي أمام المسلم تجاه قضية فلسطين، هو ضعف الولاء الشرعي والارتباط العقدي وانتزاعه من عقول وأذهان المسلمين، فمهما استولى اليهود على الأرض وهدموا وحرقوا وقتلوا يمكن استرداده وإعادة البناء والتعويض، بخلاف الأجيال التي تأتي بذلك وتتحمل المسؤولية، فإذا فقدت فهنا تكمن المصيبة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سنة 1949 اليهود ادعوا أن لديهم 49 مكانا مقدسا بفلسطين، وفي عام 2000 بلغت 326 مكانا ليتجاوز العدد الآن أكثر من 360 مقدسا لديهم.

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 1
  • 0
  • 11,939

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً