من أسباب ضياع القدس: الإرجاء
ومن الاضطراب العقدي والسياسي أيضًا والذي أدى إلى ضياع القدس أن من كان مفهومه العقدي هو مفهوم الإرجاء
ومن الاضطراب العقدي والسياسي أيضًا والذي أدى إلى ضياع القدس أن من كان مفهومه العقدي هو مفهوم الإرجاء، عرقله هذا واضطربت عليه الأمور؛ فوقف عاجزًا أمام تبديل الشرائع، أو ولاء الكافرين وخيانة الأمة وتسليمها لعدوها وتمزيقها إربًا وإهدائها لعدوها. وقف أمام هذا وذاك عاجزًا؛ إذ لم يعلم هل استحل مرتكب الجريمة بقلبه أم لا؟ وهل شك أو كذب أم لا؟ إذ لم يجحد بلسانه، وعليه فلا بد من الاطلاع على قلبه! وبالتالي أبقى على شرعية المبدلين ومن تولى الكافرين، وكان الواضح على الأقل أن يُسقط شرعيتهم، لكنه أبقى على شرعيتهم ونصرهم وسقطت الأمة قطعة قطعة وجيلًا بعد جيل أمام عينه وهو ينظر بل يساهم في هذا.
فلما لم يجعلوا توحيد العبادة مأمورًا به بنفسه، ولم يجعلوا له ناقضًا بنفسه بل لا بد من قيد آخر من الخلل في المعرفة والتصديق فآل قولهم إلى مفهوم الجهمية أن الإيمان هو المعرفة فقط.
فلما كان قولهم في الإيمان هو قول الجهمية أنه مجرد المعرفة والتصديق الخبري، ولم يجلعوا التسليم والقبول والانقياد جزءًا من الإيمان وقفوا عاجزين أمام شرعية من بدّل الشرائع ووالى الكفار وتآمر على الأمة، هذا في بلاد العُرب الكثيرة.
ووصل الأمر أخيرًا إلى تكفير وقتل من لم يُقر بشرعية القادة العلمانيين! (مثال جرائم محمود الورفلي كمدافع عن حفتر بإزاء ما يقوم به تنظيم الدولة). وهذا من أعظم ما تسخر به الشياطين من العباد، أن يُكفَّر الإنسان لرفضه العلمانية وقادتها!
ومن الاضطراب كذلك من جعل الانتماء الفصائلي أو التربوي فوق الانتماء الإسلامي للأمة ولمشروعها، ولآمالها وطموحها. فالبعض يجعل الانتماء لمسمى (السلفية) أو (الإخوان) أو (الجماعة) أو (غيرها) طاغيًا على الانتماء للأمة؛ حتى أنه ما يشعر بألم إزاء تراجع المسلمين في أي مكان طالما أنهم لم يكونوا من فصيله، ويصبح الانتماء للعلمانيين ونصرتهم والاستشهاد بكلامهم ومواقفهم صريحًا بلا خجلِ وجهٍ ولا ألمِ قلبٍ ولا مراجعةِ عقل. (راجع تغريدات وتصريحات القاريء العفاسي عقب 3 يوليو، وانتصاره المتعصب لمسمى السلفية وتحججه بادعاء عداء الإخوان للسلفيين والعكس، والمكايدة الفصائلية المتحزبة، واستشهاده بكلمات ومواقف العلمانيين والعاملين في مجال الأغاني ضد إخوانه! مما يشي بعمق الأزمة والمفهوم والشعور، وأن القراءة والتباكي شيء، والمفهوم الموقف شيء مختلف، وفي النهاية احتج بسطاء الناس به وبمواقفه مع اقتران مواقفه بشهرته في القراءة فاحتجوا بذلك في نصرة الأوضاع العلمانية التي جاءت بمشاريع الخراب وتسليم القدس واستئصال الإسلام وتتبع آثاره. هذا للتدليل كمثال فقط ولا يشغلنا شخصه في شيء).
ومن الاضطراب كذلك من يرضى أن يكون التزامه بالسمت الظاهر في مقابل تسليم المجتمع والأجيال لتعليم وتثقيف وإعلام وفن يرسخ الإباحية وينكر الثوابت ويتنكر لها ويبدل القيم، يرى هذا مرضيًا له!
ولهذا وجدنا أسرًا متناقضة بين أمهات منتقبة أو محجبة وبناتهن متبرجات تبرجًا فاحشًا، ولا يشعرون بتناقض، والأفدح من المظهر هو ما يحملون من أفكار يتراجع فيها (الدين) عن محل التوجيه ورسم القيم وتقرير الأخلاق وإعطاء النموذج.
كذلك الإغراق في التعبد الفردي، ليس من منطلق الإعانة على التربية وزادًا لإقامة المنهج، فهذا خير وصواب؛ بل يأخذونه بديلًا عن إقامة المنهج نفسه وخروجًا من مهمة إقامة الدين وتصحيح الواقع وفق منهج رب العالمين؛ فيجعلون الإغراق الفردي غيبوبة لا يخرج منها صاحبها رغم الصواعق التي تصيب الأمة.
أخيرًا إن المرجعية الشرعية، وفهم ما عليه القرون المفضلة، وتصوُر الشكل المراد لإقامة الشريعة في هذه العصور الحديثة، وتوازن القوى، وأولوية الاهتمامات وغاية التربية أمور كثيرة تحتاج إلى مراجعة وتصحيح وفق ميزان الله تعالى {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن:8].
والله تعالى هو المسؤول والمأمول فيه أن يلهمنا رشدنا ويهدينا سواء السبيل، نحن وسائر إخواننا ورفقاء دربنا من جميع القوى والاتجاهات، والمسلمين جميعًا، وأن يأذن تعالى لفجر هذه الأمة أن ينبلج.
- التصنيف: