الحرب الصليبية السابعة (لويس التاسع )(1)
ممدوح إسماعيل
حملة لويس التاسع على دمياط ووفاة الملك الصالح أيوب وحقيقة بطولة شجرة الدر المزيفة
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
لماذا سقطت دمياط؟
بطولة وشجاعة الملك الصالح أيوب
عدم الاستسلام رغم المرض
رسالة إلى لويس: "بَغيُك سيهزمُك"!
بطولة القوات الخاصة للمجاهدين المصريين
شجرة الدر صنعوا لها بطولة مزيفة (الجزء الأول)
من العناوين ننتقل لواقع من تاريخ الجهاد والبطولات. بعد معركة غزة؛ حطين الثانية و استرداد المسلمين بيت المقدس ثار حقد الغرب الصليبي الأوربي، وارتفعت الأصوات الموتورة هناك تدعو إلى ضرورة إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر التي أثبتت قوتها ومكانتها وأنه لا سبيل لاستعادة بيت المقدس إلا بكسر مصر واحتلالها من أيدي المسلمين. (هذه القاعدة معمول بها حتى الآن من إنجلترا ثم أمريكا).
واستجاب (لويس التاسع) ملك فرنسا الذي عقد مجلسًا عامًّا في باريس في خريف سنة (643هـ/ 1245م) حضره كبار رجال المملكة، ورجال الكنيسة على رأسهم البابا (إنوسنت الرابع)، واتفقوا على حرب صليبية كان أول من سجل نفسه القديس لويس التاسع. نعم، فقد كان من رجال الدين وكان معه زوجته وشقيقيه روبرت وشارل وكثير من الأساقفة.
وفي (20من ربيع الآخر 646هـ/ 12 من أغسطس 1248م) أبحرت الحملة من ميناء (يجور) جنوبي فرنسا؛ إلى قبرص حيث ظلت بها ثمانية أشهر. للتموين وجمع الرجال والسلاح وقد تجمع لديه 80 ألف مقاتل وآلاف السفن اختلفت الروايات فى عددها.
ولما علم الصالح أيوب بأخبار الحملة الصليبية، تحرك الملك الصالح بسرعة ولم يتردد على الرغم من مرضه، فغادر دمشق محمولاً على الأكتاف في مِحَفَّة، (تخيلوا المشهد الملك مريض وينقل بمحفة على ظهر الجمال من دمشق إلى مصر! ما أصعب الرحلة ومشقتها مع المرض، ولكنها تهون من أجل الجهاد والدفاع عن أرض المسلمين).
ونزل الملك الصالح بمكان يسمى الآن (أشمون الرمان) بمركز دكرنس التابع لمحافظة الدقهلية بمصر في ( صفر 647هـ/ مايو 1249م)، وجعل من هذه البلدة معسكره الرئيسي، ومركز إدارة العمليات الحربية. وعلى الفور بدأ الاستعداد للجهاد ، فعمل على تحصين دمياط؛ لعلمه أنها الثغر المهم وهدف الصليبيين في حملاتهم السابقة، وزودها بالمؤن والعتاد، وانضم إلى المجاهدين طائفة بني كنانة، والعربان. وأرسل إلى دمياط جيشًا بقيادة الأمير فخر الدين يوسف إلى البر الغربي لدمياط حتى يكون في مقابلة الصليبيين عند وصولهم إلى الشاطئ المصري؛ ليحول دون نزولهم إليه، فعسكر تجاه المدينة، وأصبح النيل بينه وبينها.
وصلت الحملة الصليبية إلى الشواطئ المصرية في صبيحة يوم الجمعة الموافق (20 من صفر 647هـ/ 4 من يونيو 1249م)، وأرسل لويس رسالة إلى الملك الصالح يطالبه بالاستسلام فعلى الفور رفض الملك وهو على سرير المرض وقال له: "إن بغيك سيهزمك". واندلعت حرب طاحنة فى دمياط ضد الصليبين.
وأثناء ذلك صدر قرار خاطئ؛ فقد انسحب الأمير فخر الدين بجيشه من دمياط وغادرها إلى المعسكر السلطاني بأشموم طناح. وتسبب انسحاب الحامية أن أهالي دمياط فروا بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم؛ فدخلها الصليبيون وقتلوا من وجدوه
وجعلوا مسجد المدينة كنيسة لهم واستبيحت دمياط.
وذكرت كتب التاريخ أن قرار الانسحاب كان بسبب خبرٍ كاذبٍ وصل للأمير فخر الدين أن الملك توفى وهو كان يعاني من شدة المرض ولم يمت ففضل الانسحاب ليحافظ على القاهرة، وقيل هروب بعض الجنود إثر ذلك سبب اضطراب، لكنه قرار خاطئ بلا شك.
وقد استقبل الصالح نجم الدين أيوب أنباء سقوط دمياط بغضب شديد ، فعاقب الأمير فخر الدين على تهاونه وضعفه، وعاقب من هرب من الجنود وفى بعض الروايات قتل بعض الهاربين من الجهاد وهذه الرواية تؤكد أن قرار الانسحاب كان نتيجة هروب بعض الجنود مما تسبب فى الاضطراب. لم يتم التفكير ولو ذرة واحدة فى التفاوض فضلًا عن الاستسلام؛ بل
أُعلن النفير العام في مصر وهرولت عامة الناس إلى المنصورة لأجل الجهاد ضد الغزاة، وأرسلت الشواني بالمحاربين والسلاح إلى جبهة القتال. وقامت حرب عصابات ضد الجيش الصليبي المتحصن خلف الأسوار والخنادق، وراح المجاهدون يشنون هجمات على معسكراته ويأسرون مقاتليه وينقلونهم إلى القاهرة.
ويروي المؤرخ الصليبي (جوانفيل Joinville) الذي رافق الحملة، أن المسلمين كانوا يتسللون أثناء الليل إلى المعسكر الصليبي ويقتلون الجنود وهم نيام ويهربون برؤوسهم. ويذكر المؤرخ ابن أيبك الدواداري أن خوف الصليبيين من المتطوعين العوام كان أشد من خوفهم من الجنود. وهنا تتجلى الروح الإسلامية في أروع صورها وتبرز عقيدة الولاء والبراء التي ضيعها عملاء سايكس بيكو وأصنام الوطنية، فقد توافد على المدينة أفواج من المجاهدين الذين نزحوا من بلاد الشام والمغرب الإسلامي. وقامت مناوشات للقوات الخاصة الإسلامية كالغارات التي يشنها الفدائيون المسلمون على معسكر الصليبيين، واختطاف كل من تصل إليه أيديهم، وابتكروا لذلك وسائل تثير الدهشة والإعجاب، وتحكي كتب التاريخ أن أحد المجاهدين أحضر بطيخة كبيرة وفرغها ثم أدخل رأسه فيها وعام بها حتى معسكر الصليبيين ولما شاهدها الصليبي أسرع يلتقطها فجذبه المجاهد وأخذه أسيرًا وهكذا. وتعددت مواكب أسرى الصليبيين في شوارع القاهرة على نحوٍ زاد من حماسة الناس، ورفع معنويات المقاتلين. (هكذا كان الشعب المصري حتى جاء محمد علي والإنجليز والعسكر ونخبة الليبراليين فغيروا عقيدته وانتماءه).
وفي الوقت نفسه قامت قوات البحرية المصرية بحصار الصليبيين وقطع كل خطوط إمدادها في فرع دمياط، واستمر هذا الوضع ستة أشهر منذ قدوم الحملة، فخرجت قواتهم من دمياط في يوم السبت الموافق (12 من شعبان 647هـ= 20 من نوفمبر 1249م)، وسارت سفنهم بحذائهم في فرع النيل، حتى وصلوا إلى قناة أشموم المعروف اليوم باسم (البحر الصغير)، فصار على يمينهم فرع النيل، وأمامهم قناة أشموم التي تفصلهم عن معسكرات المسلمين القائمة عند مدينة المنصورة.
في 24 أكتوبر، وصل إلى دمياط من فرنسا (ألفونس دى بواتي Alphonse de Poitiers) الشقيق الثالث للملك لويس ومعه إمدادات وقوات إضافية، فتشجع الصليبيون وقرروا التحرك إلى الإسكندرية أو القاهرة. واختار لويس القاهرة بنصيحة من أخيه (روبرت دو أرتوا) الذي قال له: "إذا أردت قتل الأفعى فاضربها على رأسها".
واضطر الصالح أيوب إلى نقل معسكره إلى مدينة المنصورة، ورابطت السفن الحربية في النيل تجاه المدينة، وفي الوقت الذي تحركت فيه الحملة الصليبية توفي الملك الصالح أيوب في ليلة (النصف من شعبان سنة 647هـ/ 22 من نوفمبر 1249م)، هنا يتوقف دور البطل المجاهد الملك الصالح أيوب الذي أصر على الجهاد حتى آخر رمق ونفس يتنفسه اللهم اغفر له وارحمه!
لكن ما دور شجرة الدر الذى صدعوا به روؤسنا؟ الحقيقة فقط هو أن شجرة الدر أخبرت القادة وعلى رأسهم أقطاى وعز الدين أيبك وبيبرس وقطز بخبر الوفاة.
الواقع يشهد أمرين؛ الأول: البلد كانت فى حالة حرب فالقيادة الحقيقية هنا لقادة الجيش، وكانت القاهرة يوجد بها أمير من قبل الملك الصالح. الأمر الثاني: إخفاء الخبر عن الجند والناس. العقل يقول أنه من تدبير قادة الجيش لأنهم أدرى بإدارة المعركة وهم الذين كانوا يتصلون بالملك الصالح لإدارة المعركة وليس هي بالطبع. وحتى لو كان منها فليس بإدارة دولة كما كتب بعض المعاصرين كي ينفخوا في دورها. يؤكده أنه لم يُذكر لها أي موقف في حياة الملك في أمور الدولة مطلقًا. ويزيدوا كذبًا أنها أدارت المعركة. كيف؟ هل ظهر الذكاء العسكري بعد وفاة زوجها؟! لا يُعقل مُطلقًا! وكيف تديرها ويوجد قادة عسكريون عظام أثبت التاريخ بطولاتهم مثل قطز وبيبرس وقلاوون.
الحقيقة أنه تم نفخ وتزوير التاريخ في هذه النقطة وتكبير دور شجرة الدر . ثم إرسال الطلب لعودة ابن الملك الصالح (توران شاه) ليستلم الحكم لا يمكن أن يكون من تدبيرها؛ لأن الواقع يثبت حرص القيادة الموجودة على شرعية الحكم بالعرف السائد، ثم ما حدث منها بزواجها من عز الدين أيبك يؤكد أنها لا دخل لها باستدعاء توران شاه بل قوة عرف نظام الحكم هي التي استدعته. ويكفى القول أنها حاولت التطلع لدور في الحكم لكن وقف لها الشيخ العز بن عبد السلام بفتوى عدم صحة الولاية لها وعارض بشدة الخليفة العباسي وأمراء بني أيوب وحتى المماليك لم يقبلوا هذا بدليل زواجها من عز الدين أيبك وهو كسر هذه المحاولة.
يتضح من كل ذلك أنها حاولت؛ لكن لم يكن لها دور كما حاولوا تضخيمه. فالقوى الموجودة قوية وصعبة، ثم إن نهايتها بقتلها حسمت محاولة تطلعها. واخيرًا كان توران شاه في مكان قريب من العراق وعاد بعد رحلة استغرقت شهرين.. وللمقال بقية!